هل كان الغرب ينتظر القاعدة وداعش ليصبح عنصرياً

ينتابني الضحك وأنا أسمع أحاديث الذين يبيعون حياتهم الأصلية بجواز سفر غربي عندما يجد الجد لا يحتاج سحبه منهم وتجريدهم من جنسيته إلى أكثر من تصويت في برلمان، أو صعود مرشح أو حزب معادٍ للأجانب في انتخابات، أو استفتاء يصوّت فيه كل الذين تذللوا للاندماج بهم ضدهم، ويعيشون حياة بائسة هربوا من أفضل منها (مهما كان سوؤها) من أجل حملِه، وفي النهاية عند أي تفجير أو جريمة يأتي من يقول لطفلة صغيرة في مدرستها ولدت وعاشت في بلادها الجديدة: أنت إرهابية لمجرد أصولها العربية أو المسلمة، فعن أي تسامح وحياة جديدة ومستقبل دون خوف يتحدث هؤلاء؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/13 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/13 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش

فوراً بعد إعلان مقتل مجموعة من الأشخاص على يد مهاجم في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأميركية، أمس، وقبل معرفة اسمه أو دينه أو عرقه أو لونه، قرأت لمشرقيين عرب ومسلمين يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية، بعضهم يحمل جنسيتها، وآخرون ينتظرون الحصول عليها، كلاماً مرعوباً من قبيل: الله يحمي العرب، لقد ضاع المسلمون، هذه هي العملية التي كان ينتظرها دونالد ترامب، والتي ستسمح له بالفوز وتحقيق آماله في منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، والحجر على مَن يعيش فيها منهم.

هذه القصة تكررت بحذافيرها خلال حادثة الاعتداء على جريدة شارلي إيبدو الفرنسية، وبعدها في تفجيرات باريس العام الماضي، وبروكسل في وقت سابق من هذا العام، فقبل معرفة المرتكب بدأ الفرنسيون والبلجيكيون والأوروبيون من أصول عربية ومن المسلمين، بالنواح والصراخ والعويل، باعتبار أن أيامهم القادمة ستصبح مظلمة وسوداء، والله يستر، وماذا يفعل هؤلاء "المتأسلمون" الإرهابيون بنا؟ ولقد قضوا على مستقبلنا وحولونا إلى أعداء مكروهين في مجتمعاتنا الجديدة، وما إلى ذلك من عبارات الندب واللطم وتمزيق الثياب.

أغلب هؤلاء المرعوبين اليوم كانوا البارحة يشيدون بالتسامح لدى الأميركان والأوروبيين، وعقلهم المنفتح وتقبلهم للآخر، ويتحدثون عن كيفية اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة التي لا تفرّق بين الأديان والقوميات والأعراق والمذاهب، وفي أي مقارنة بين حيواتهم الجديدة وتلك التي عاشوها في أوطانهم الأصلية، كان كل سوء العالم يظهر في ذكرياتهم عن بلادهم التي غادروها، وكل تخلف العالم يبرز عند الحديث عن أديانهم ومعتقداتهم وتربيتهم، وفي ظنهم أن ذلك يقربهم أكثر فأكثر من أن يصبحوا "أميركان أو إنجليز أو فرنسيين"، لكن كل ذلك التملق والذوبان والتماهي والمجاملة والتذلل لم ينفع ولا مرّة في لحظة مواجهة حقيقية بين أصولهم المشرقية التي ينكرونها، وبين محيطهم الغربي الذي يحاولون الذوبان به.

فعند حدوث أي اعتداء يكون مرتكبه عربياً أو مسلماً يتحولون في التو واللحظة داخل محيطهم الذي أوهموا أنفسهم أنهم اندمجوا به وصاروا جزءاً منه إلى أعداء أو خلايا نائمة، ويخرج من يطالب بطردهم أو الحجر عليهم أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية وتجريدهم من الجنسية، على الرغم من عدم وجود أي صلة تربطهم بمرتكب الاعتداء (الذي صادف أنهم من دين يدين به أكثر من مليار إنسان أو من قومية ينتمي إلى أكثر من ربع مليون إنسان)، ورغم كل ما يقدمونه من إدانات أو استنكار ومحاولة إظهار أنفسهم بأنهم مختلفون ويشبهون الحياة الجديدة التي اختاروا العيش بها وناسها وعاداتها وأخلاقها، فإن ذلك لا يشفع لهم وسط سيل من النظرات والاتهامات والتلطيشات والممارسات العنصرية التي يتعرضون لها، لسبب لا علاقة لهم به من قريب أو بعيد.

قبل هذا تجاهل كثيرون تصريحات وأفعالاً عنصرية سبقت أية حوادث تفجير جرت في أوروبا وأميركا، كانت أزمة اللجوء السوري سبباً في تفجيرها، من أحاديث المسؤولين البلجيك والسلوفاكيين عن حصرهم اللاجئين الذين يقبلون استقبالهم بالمسيحيين فقط، إلى تنامي الأحزاب اليمينية العنصرية التي يتظاهر أعضاؤها ضد اللاجئين، أو ينجح مسؤولوها في الفوز بالانتخابات، أو يُقدم بعض أنصارها على حرق مخيمات اللاجئين، إلى عرقلة المصورة الصحفية الهنغارية للاجئ السوري، إلى أحاديث ترددت على لسان أكثر من مسؤول أوروبي عن وجه أوروبا المسيحي الذي يتعرض للخطر بسبب اللاجئين السوريين المسلمين، وحديث الدالاي لاما عن أن ألمانيا ليست عربية، مستخدماً العروبة كنايةً عن الإسلام، وصولاً إلى فوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، ومن الطبيعي أن هذه ليست ظواهر فردية، ولا ترتبط بفورة انفعالية آنية أو ردة فعل على حدث بعينه، وإن كانت تستفيد من حدوثه، وهي في تنامٍ وليست في تراجع، وربما ستطال في يوم من الأيام كل شخص أو عائلة ذات أصول مشرقية عربية أو مسلمة، مهما حاولت الانسلاخ عن جلدها والتباري بالاندماج في مجتمعاتها الجديدة، التي لم تقبلها ولن تقبلها.

ينتابني الضحك وأنا أسمع أحاديث الذين يبيعون حياتهم الأصلية بجواز سفر غربي عندما يجد الجد لا يحتاج سحبه منهم وتجريدهم من جنسيته إلى أكثر من تصويت في برلمان، أو صعود مرشح أو حزب معادٍ للأجانب في انتخابات، أو استفتاء يصوّت فيه كل الذين تذللوا للاندماج بهم ضدهم، ويعيشون حياة بائسة هربوا من أفضل منها (مهما كان سوؤها) من أجل حملِه، وفي النهاية عند أي تفجير أو جريمة يأتي من يقول لطفلة صغيرة في مدرستها ولدت وعاشت في بلادها الجديدة: أنت إرهابية لمجرد أصولها العربية أو المسلمة، فعن أي تسامح وحياة جديدة ومستقبل دون خوف يتحدث هؤلاء؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد