في عهد السيسي جامع عمرو بدون جبريل

وستجتمع الملايين ككل عام بجامع عمرو بن العاص ليلة السابع والعشرين، ولكن ستسمع صوتاً آخر، غير ذاك الصوت الذي اعتادوا التأمين على دعائه، وسيقفون صامتين في سلبية ألفتها ملايين المصريين، دون التحرك للدفاع عمن يحبونه، أو حتى تسجيل موقف اعتراض على حرمانهم مما أحبوه وهم يعلمون جيداً أنه لم يخطئ

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/13 الساعة 04:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/13 الساعة 04:35 بتوقيت غرينتش

في حياة أي شعب من الشعوب تتلألأ بعض الأسماء لتلمع في أفلاك البشر، إليها تهتدي القلوب وتجتمع على محبتها.

في عام 1989 سطع نجم إمام جديد للتراويح بالمسجد الجامع عمرو بن العاص بمصر القديمة، أخذ سيطه يمتد وينتشر في ربوع مصر وأقاصيها، منذ ذلك التاريخ وارتبط اسم محمد جبريل بليلة السابع والعشرين كل عام من شهر رمضان المبارك بجامع عمرو بن العاص.

وعلى مدار ستة وعشرين عاماً احتشدت الملايين خلف محمد جبريل يقرأ كالحالب ويسمع المأموم كالشارب، يجلون صدأ قلوبهم بالقرآن، ثم يقفون لساعة أو أقل أو أكثر يؤَمِّنون على دعائه الذي اشتهر به، وأصبح علماً من أعلام الإمامة والدعاء، يسير على دربه آلاف المقلدين من أئمة التراويح.

يأتي عام 2016 في ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليذهب المصريون إلى جامع عمرو بن العاص في ليلة السابع والعشرين ولا يجدون محمد جبريل، فقد منعته الأوقاف بعد دعاء العام الماضي والذي ادعوا ظلماً وبهتاناً بأنه قد أهان رموز الدولة ومؤسساتها، رغم أن الدعاء لم يأتِ بجديد عما اعتاده المصريون في أدعية جبريل التي طالما امتلأت بها مُسجلاتهم وهواتفهم وسياراتهم، والتي تبدأ بالحمد والثناء على الله ثم الصلاة والتسليم على رسول الله ثم ما فتح الله به عليه من الأدعية المأثورة والمتصلة بأحوال الناس وهمومهم.

لكن الحكومة المصرية في عهد السيسي كان لها رأي آخر فتدخلوا في نية الإمام وأوَّلوا الدعاء على غير حقيقته بأنه يتعلق بالدعاء على السيسي وأعوانه وحكومته، رغم أنه لم يتلفظ بتعيين أي اسم من هؤلاء، لتسقط كل دوافع الاتهام الموجهة إلى محمد جبريل.

ولنستكشف السبب الحقيقي وراء منع محمد جبريل من الصلاة ليلة السابع والعشرين، ننظر إلى العديد من القرائن التي تم على أثرها التضييق والاتهام لأكثر من رمز يلتف حوله الملايين، منهم على سبيل المثال اللاعب الأسطوري في تاريخ الكرة المصرية معشوق الملايين محمد أبوتريكة الذي جمدوا أمواله وجعلوا منه منتمياً لجماعة إرهابية، وضيقوا عليه في تولي المناصب بالنادي الأهلي أو باتحاد الكرة ومنتخب مصر.

ومثال آخر، فقد كانت المقاهي تمتلئ عن آخرها عند إذاعة برنامج باسم يوسف، هذا الساخر الذي لم يجدوا له اتهاماً منطقياً لمنعه مع استحالة أخونته، فواجهوه بالتهديدات والضغوط والمنع من الظهور في أي قناة.

ربما الحقيقة وراء المنع هي عدم الرغبة في التفاف الملايين حول من لا تتفق ميولهم وآراؤهم مع دولة السيسي، فالرعب يصب بالقلوب إذا ظهر أي شخص يعارض الرئيس الذي لا راد لقراراته ولا معقب على خطاباته، فكما يتم غلق محطة السادات وميدان التحرير عند اشتمام محاولات أي انتفاضة على بعد مليون سنة ضوئية، حتى تصمت الملايين ويتم نزع فتيلها واجتثاثها من جذورها، ويتم تشويه وحجب أحباب الملايين من الظهور والتواجد.

نعود مرة أخرى لجبريل لنعلم أننا وصلنا إلى عهد أشد استبداداً وقمعاً من أي عهود مضت، فالتاريخ يشهد بأن محمد جبريل لم يتم منعه بجامع عمرو لا في عهد مبارك ولا في عهد مرسي ولا في عهد المجلس العسكري ولا في عهد عدلي منصور، فطوال هذه السنوات لم تكتشف الدولة بمخابراتها وأجهزتها الأمنية خطورة محمد جبريل على الأمن القومي لمصر ليصبح دعاؤه كالمتفجرات والقنابل التي ترتعد لشدة هولها مضاجعهم، بل وكانوا يدعونه إلى المحافل التي يتواجد بها الرئيس مبارك وفي استاد القاهرة، ويعرفه جيداً مئات الفنانين والمشاهير وكانوا يصلون خلفه ويشاركونه في المناسبات الاجتماعية.

وكأن الشعب المصري بعهد السيسي مغلوب على أمره ومغصوب على الوضع القائم، يدفنون رؤوسهم في الرمال، يخافون قول الحق حتى لا يقبعوا بجوار الآلاف من المصريين بالسجون، أو تتعرض حياتهم للخطر، أو تتم أخونتهم وانتماؤهم لجماعات إرهابية رغماً عنهم، فأي ظلم قد وصل بحال بلادنا، وأي قهر بعدما يُهان فينا الشريف الذي لم نعهد عليه سوءاً ونصمت كأننا بلا ألسنة وبلا كرامة تدافع عن الحق حتى وإن كانت الحرية والحياة ثمناً لذلك، فما فائدة الحياة بلا كرامة.


الشعب المصري في عهد السيسي يعيش في سبات عميق، وجهل مدقع، وانعدام وعي، التبس عليهم الحق بالباطل، واختلطت عليهم الأمور، حتى رأينا من يدافع عن الظلم، ويشمت في الدماء.

وستجتمع الملايين ككل عام بجامع عمرو بن العاص ليلة السابع والعشرين، ولكن ستسمع صوتاً آخر، غير ذاك الصوت الذي اعتادوا التأمين على دعائه، وسيقفون صامتين في سلبية ألفتها ملايين المصريين، دون التحرك للدفاع عمن يحبونه، أو حتى تسجيل موقف اعتراض على حرمانهم مما أحبوه وهم يعلمون جيداً أنه لم يخطئ، ولكن المخطئ حقاً هو تلك الملايين الصامتة التي أصبحت غنماً تُساق بلا حول لهم ولا قوة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد