سؤال ربما تأخر كثيراً بالنسبة لي، فأنا أعرف عنه منذ زمن، طالما احترمت مواقف كثيرة له دون أن أعرف من هو تحديداً، لكني وجدت نفسي أسأل هذا السؤال بعدما تلمست الإجابة، ولأني شعرت أن هناك كثيرين مثلي يحبونه أيضاً لسبب ما لا يعرفونه.
لا أستطيع أن أقيم أردوغان بحيادية، لا أعرف هل تصرفاته السياسية كلها سليمة أم لا؟ هناك حديث عن تعاون حالي مع الكيان الصهيوني، وعدة حروب على جبهات داخلية وخارجية يستطيع أن يحللها بشكل أفضل أهل السياسة، الأمر بالنسبة لي ولكثيرين أن أردوغان حاكم مسلم قوي، بهذه البساطة يمكن صياغة الأمر، وإن لم يكن بسيطاً!
نحن كشباب عربي مسلم، دائماً ما تنتابنا حالة من اليأس بسبب مواقف متتالية لمن حكمونا، كانت مواقفهم مائعة وباهتة، وعندما كان يصدر من بعضهم ولو تصريحاً شفوياً به شيء من القوة، غالباً ما يُحجز مكان له في قلوبنا، ونتحاكاه في جلساتنا بفخر واعتزاز، والقوة لا تعني بالضرورة الحرب، لكنها تعني -على الأقل- ألا تكون أبكم وسط واقع مهين يراه الأعمي، فنحن نعرف، والمشكلة أننا نعرف، نتفرج على مسرحيات ساذجة متتالية، الروس قتلوا الأفغان، ثم تسلم الأميركان آلة القتل، دخلوا العراق، تآمروا على فلسطين، كل هذا وغيره حدث تحت مرأى ومسمع من حكام عرب.
ولد بداخلنا ذلك الشعور، نحتاج لمن يرد، وجهنا تورم من تسديد اللكمات، سمعنا عن محمد علي كلاي، جعلناه أيقونة أيضاً، لماذا؟ لأنه ببساطة مثل أردوغان يستطيع أن يرد، يستطيع أن يقول "لا"، لكنه ليس أي شخص يقول لا، فهو المسلم القوي الملتزم، الذي يقول كلمة تشفي الصدور، ونحن نعلم جيداً أنه يقصدها، فمثل هذه القضايا غالباً ما يستخدمها الساسة الفاشلون لأغراض سياسية واهية ويقولون كلاماً معسولاً، ليست له أرضية واقعية؛ بغبغانية حمقاء.
محمد علي قال لا لأميركا، أردوغان قال لا لإسرائيل في مؤتمر دافوس، قال لا لروسيا، لا يقبل ذل الاتحاد الأوروبي، تعود لحقيقة كل منهما فتجد شخصاً أسطورياً بطل ضحي ببطولة العالم في الملاكمة من أجل موقف، يحترمه العالم أجمع، وفتى آخر تركي طموح، جعل بلاده تصنع كل شيء وتغزو الأسواق العالمية ويزدهر اقتصادها بعد معاناة، ليقف قوياً ويتحدث من موقع قوة، ليست القضية أبداً في لسانك أو لونك يقول الله عز وجل في كتابه:
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم:22).
وفي الحديث الشريف يقول رسول الله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَي أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَي عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى".
يمكننا أن نتحدث إذاً عن علي عزت بيغوفيتش والذي يقول عنه موقع قصة الإسلام:
"لم يكن الدكتور علي عزت رئيساً عادياً كسائر رؤساء الجمهوريات الذين تسلموا هذا المنصب في العالم الإسلامي، بل كان: سياسياً داهية، ومناضلاً عنيداً، ومفكراً عميقاً، وذا نظرة إسلامية بعيدة جعلته يتجاوز حدود البلقان، إلى سائر أنحاء العالم الإسلامي، ليحمل هموم المسلمين حيث كانوا، ويعمل مع العاملين لنهوض المسلمين، بعد تخليصهم من أوضار التخلف الذي طمّع الغرب والشرق بهم".
هناك أمثلة أخرى كثيرة، فالإسلام أمة واحدة ومجتمع واحد له هدف واحد، وإن كان بعض المسلمين أو كثير منهم على أهداف شتى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.