"اقتحام فاحتجاز فإحالة لمحاكمة"، 3 مشاهد متتالية شهدتها نقابة الصحفيين المصرية، في شهر مايو/أيار 2016، كسوابق تاريخية، وفق قولها، لم تحدث منذ تأسيسها قبل 75 عاماً، ولكنها تتالت على خلفية أزمتها مع وزارة الداخلية، الأمر الذي يراه أكاديمي في مجال الصحافة والإعلام "تصعيداً جديداً" يهدد بـ3 سيناريوهات محتملة.
مساء الأحد الماضي، أحالت النيابة العامة المصرية نقيب الصحفيين، يحيى قلاش، واثنين من أعضاء مجلس النقابة (يمثل الثلاثة نحو ربع أعضاء مجلس نقابة الصحفيين البالغ عددهم 12 عضواً والنقيب) إلى محكمة الجنح، بتهمة "إيواء صحفيين اثنين مطلوبين أمنياً".
وجاء القرار القضائي بعد استماع نيابة وسط القاهرة الكلية، مساء الأحد الماضي لأقوال قلاش، وعضوي المجلس خالد البلشي وجمال عبد الرحيم لمدة 12 ساعة، حول الأزمة التي اندلعت مطلع الشهر الماضي، بين النقابة ووزارة الداخلية، إثر قيام قوات الأمن باقتحام مقر النقابة، وإلقاء القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا.
النيابة كانت قد قررت إخلاء سبيل النقيب وعضوي المجلس بكفالة 10 آلاف جنيه (نحو ألف دولار أميركي) لكل منهم، لكنهم رفضوا دفع الكفالة، فتم احتجازهم بمقر شرطة قصر النيل (وسط العاصمة)، حتى عرضوا مرة ثانية على النيابة، مساء الإثنين، ودفع لهم أحد المحامين الكفالة رغم الرفض.
محمود خليل أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، قال إن "احتجاز وتحويل النقيب وعضوي مجلس النقابة للمحاكمة سابقة خطيرة دون شك، وتصعيد جديد لا داعي له، بعد الواقعة الأولى وهي اقتحام النقابة (أول مايو/أيار)".
وأوضح خليل أن "الأزمة نتاج عناد ومراهقة في إدارتها (في إشارة إلى سوء الإدارة والتسرع) وعدم احترام للقانون والتسييس من جميع الأطراف، وتصل لحافية الهاوية بقرار الإحالة للمحاكمة".
ما الذي قد يحصل؟
وتوقع الأكاديمي المصري 3 سيناريوهات مستقبلية للأزمة التي تشهدها نقابة الصحفيين، أولها "المفاوضات المباشرة والجلوس بين مجلس النقابة وجهة رسمية، مثل وزارة الداخلية أو مؤسسة الرئاسة لإعلان إنهاء الأزمة".
والسيناريو الثاني، يتمثل في "الضغط على مجلس نقابة الصحفيين؛ لإجباره على القبول بانتخابات مبكرة"، قائلا: "هذا سيناريو وارد، وتمّ التمهيد له بظهور مجموعة صحفيين ضمن جبهة تُعرف باسم (تصحيح المسار)، وكأنها تشكيل لوجوه جديدة لمستقبل قريب، وسيتردد أن مجلس إدارة النقابة غير متفاهم مع أي سلطة مما يضر مصالح النقابة ويعطي مقدمة لتنظيم تلك الانتخابات المبكرة والضغط في اتجاه ذلك السيناريو".
ويوم الثلاثاء الماضي دعا مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، في تصريحات صحفية، لانتخابات مبكرة بنقابة الصحفيين.
ومكرم هو أحد رموز جبهة "تصحيح المسار"، التي دشنت أعمالها خلال شهر مايو/أيار الماضي؛ للرد على ما تعتبره تسييساً لموقف النقابة، عقب مطالبة الأخيرة باعتذار الرئاسة وإقالة وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار، ردّا على أزمة اقتحام مقر النقابة، مطلع الشهر الماضي، والقبض على الصحفيين بدر والسقا.
وفي حديثه عن السيناريو الثالث، رأى خليل أنه قد يتضمن "استمرار التصعيد، والإقدام على حبس القيادات النقابية البارزة (قلاش والبلشي وعبدالرحيم) عبر المحاكمة العاجلة المنتظرة لهم غدا السبت، بعد سابقة الاقتحام والاحتجاز الأخيرة".
لكنه استبعد حدوث هذا السيناريو، معتبراً التلويح بمثل هذا التوجه "مثل التلويح بفرض الحراسة الحكومية على النقابة، وهذه ضغوط لا أكثر".
خيارات القضاء
من جانبه رأى القاضي السابق ناجي دربالة أن "سياق ما حدث من اقتحام لمقر النقابة والاحتجاز غير المسبوق للنقيب وعضوين بمجلس النقابة هو تأديب ومحاولة استخدام لسيف القانون لترهيب النقابة التي طالبت باعتذار الرئاسة وإقالة وزير الداخلية".
وأوضح أن هناك "احتمالات قضائية أربعة تلاحق محاكمة السبت للرموز النقابية، تتمثل في: البراءة من التهم الموجهة، أو الإدانة، أو وقف نظر الدعوى، أو التأجيل المتتالي"، مضيفًا: "ليس شرطاً أن يكون الحكم من أول جلسة لكنه وارد".
وأعرب عن أمله أن "يصحح القضاء المصري، الموقف غير الصحيح الذي يعتري القضية، خاصة وأنه من المفترض أن تعرض وقائع القضية كاملة ويلحق بها أي إضافة تخصها، وتكون قضية واحدة، وليس كما نرى: قضايا تمس نقابة الصحفيين تُحرك (يتم متابعتها قضائياً)، بينما الدعاوى القضائية الموجهة ضد وزارة الداخلية لا تُحرك".
ونقابة الصحفيين قدمت أكثر من بلاغ منذ مطلع مايو الماضي، ضد قيادات وزارة الداخلية "حول واقعة الاقتحام، وما سبقها من حصار النقابة والاعتداء على عدد من الصحفيين واحتجازهم بدون وجه حق، لم تبدأ التحقيقات فيها بعد"، وفق بيان صادر عن النقابة الإثنين الماضي.
تضييق على الصحافة
وفي تحليله لأزمة الصحفيين وتداعياتها سياسياً، رأى حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ما يتم مع نقابة الصحفيين من "إجراءات تصعيدية جديدة جزء من مشهد عام يضيق معه نطاق حرية الإعلام والكلمة، وربما يمهد لحالة استبداد مطلق للنظام".
وحول رؤيته لمستقبل أزمة الصحفيين، أوضح "نافعة" أن ما حدث في مشاهد قضية نقابة الصحفيين المتتالية "يعطي انطباعاً وقناعة بأن كل مؤسسات الدولة تسير في منظومة واحدة يسيطر عليها نظام، لا فصل لديه بين السلطات، وبالتالي يؤدي لمزيد من التأزيم".
وأعلن النظام المصري في أكثر من خطاب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حرصه على تطبيق القانون والفصل بين السلطات، رافضاً اتهامات سياسية وحقوقية توجه له على نحو مستمر منذ تولي الرئيس منصبه في يونيو/حزيران 2014، فيما اعتبرت منظمة "العفو" الدولية احتجاز النقيب، واثنين من عضوي النقابة "انتكاسة لحرية التعبير".
وفي بيان صادر أمس الخميس، رفضت وزارة الخارجية المصرية، إعراب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في تصريحات صحفية، الثلاثاء الماضي، عن القلق إزاء التقارير الواردة بشأن توقيف نقيب الصحفيين المصريين "يحيى قلاش" واثنين من زملائه بأحد أقسام الشرطة وسط القاهرة لعدة ساعات.
كما انتقد بيان وزارة الخارجية، إبداء الممثلة العليا للسياسة الأمنية والخارجية للاتحاد الأوروبي، "فيدريكا موغريني"، الثلاثاء الماضي أيضاً، انتقادها مواصلة السلطات المصرية التضييق على الصحفيين.
وتقدمت نقابة الصحفيين بمذكرة قانونية للنيابة المصرية، الإثنين الماضي، رداً على "زعم إيواء مطلوبين"، كما تقول النيابة في اتهامات وُجهت لمسؤولي النقابة الأبرز بمصر، في إشارة لتواجد الصحفيين "بدر و"السقا"، بمقر النقابة أثناء القبض عليهما في 1 مايو الماضي، على ذمة تهم متعلقة بموقفهما من التظاهر ضد "التنازل" (على حد وصف نشطاء) عن جزيرتين مصريتين للسعودية.
وفي مطلع مايو/أيار الماضي، أعلنت النقابة بدء اعتصام مفتوح لأعضائها، لحين إقالة وزير الداخلية، اللواء "مجدي عبد الغفار"، على خلفية اقتحام قوات الأمن لمقر النقابة، والقبض على "بدر"، و"السقا". ولاقى اقتحام النقابة، وقتها، انتقادات محلية ودولية؛ باعتباره سابقة لم تحدث طيلة تاريخ النقابة.