منذ انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011، تردد جملة "كنا عايشين" على ألسن بعض من السوريين، في إشارة إلى أن الحياة كانت مقبولة قبلاً! ولماذا هذه الثورة؟
ولكن بالعودة إلى "قبلاً"، وتحديداً لفترة حكم الأسد الأب من السبعينات إلى عام 2000، نحن لا "كنا" فيها ولا "عايشين"، فإن الاعتقالات والتصفيات والإعدامات بحق السوريين لم تتوقف، والاحتياجات الأساسية للحياة كانت مفقودة، والفساد والنهب والسرقة والاضطهاد والتضييق على الحريات والإذلال كانت عاملاً أساسياً في تلك الحقبة.
وفترة "قبلاً" الأخرى، فترة حكم الأسد الابن من 2000 إلى مارس 2011، موعد انطلاق الثورة السورية، فإن المعادلة لم تتغير.
الأسد الابن منذ تسلمه زمام الحكم في سوريا في عام 2000، عبر مسرحية كان بطلها مجلس (التصفيق السوري)، قام بتطوير آليات الفساد، ورفع جرعة السرقة والنهب، فاحتكرت طغمته الحاكمة (عائلة وأصدقاء) التجارة، وزادت من معاناة الناس، أما ذل المواطن السوري في هذه الفترة فكان في أعلى درجاته، بداية من المعاملات الحكومية، مروراً بجواز السفر وإجراءات السفر، وصولاً للموافقات الأمنية التي وصلت إلى محلات الفلافل والحلاقين.
فترة حكم الأسدين كانت كارثة على سوريا والسوريين، سياسياً اتسمت بـ(القاحلة)، اقتصادياً وصفت بـ(الفاجعة)، فكرياً وسميت بـ(الجافة)، اجتماعياً دمغت بـ(الفراغ)، وحياتياً اعتبرت (مضطربة).
فالأسدان فرغا الحياة السياسية من أي محتوى، واعتقلا كل المعارضين والعاملين في التيارات السياسية المعارضة وغير المعارضة حتى، ومنعا العمل السياسي، حتى أضحت الساحة (قاحلة) بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
أما اقتصادياً فنهبا أموال ومقدرات الدولة زراعية وصناعياً وسياحياً، وعملا على حصر المواطن في البحث عن لقمة العيش، فاقتناء سيارة أو منزل كان وما زال حلماً للمواطن السوري في نصف القرن الماضي، السوري كان يحتاج للعمل (وظيفتين أو ثلاثاً) لسد رمق عائلته، أما الرفاهيات فهو شيء لا يعرفه.
فكرياً كانت الكارثة مضاعفة عبر تصدير أعمال ثقافية وفكرية (تلفزيونية ومسرحية وأدبية) ذات مستوى متدنٍ جداً، ساهمت في خفض سوية الذوق العام، وقتل الوعي الإنساني لدى عدد كبير من السوريين.
في حين على المستوى الاجتماعي فعزز الأسدان التخلف بين طبقات المجتمع، ونما الفكر الطائفي والمتطرف، وجهّل المجتمع عبر تعليم مفرغ من أي محتوى؛ ليصبح المستوى الحياتي (مضطرباً) على كافة الأصعدة.
طوابير الخبز، والغاز، والحليب، والسمنة، ومختلف الاحتياجات الأساسية الأخرى، وطوابير دفع الفواتير، وطوابير المعاملات الحكومية، وطوابير الحياة بشكل عام، قد تكون مثالاً حيّاً على حياة السوريين في عهد الأسدين، هذه الطوابير التي أُذل فيها السوري، وتم الدوس على كرامته، انتهت بثورة على الاستبداد والديكتاتورية، لإزالة طاغية عاث فساداً في الحياة السورية، وحوّل سوريا إلى واحدة من أكثر بلدان العالم تخلفاً، بعد أن كانت لقرون منبعاً للحضارات.
الأمثلة على أننا لم نكن "عايشين"، كثيرة ولا يمكن حصرها في هذا المقال، أو في عشرة مثله، فهي تحتاج إلى كتب ومجلدات، وتتطلب سنوات وربما أكثر.
استخدام البعض لجملة "كنا عايشين" لا يندرج تحت بند الوقوف على الإطلال أو التغني بالماضي، كما يعتقد البعض، بل هو نوع من أنواع الذل والاستكانة، فأن تكون راضياً لما كان موجوداً في سوريا على كافة الأصعدة في فترة الأسدين، هو المثال الحي والحقيقي لقبول الاستبداد والاضطهاد، وهو عامل أساسي في تخلف المجتمع وتراجعه، ومنبع التطرف.
وقد يكون هؤلاء غير ملومين بشكل كامل على استخدام هذه الجملة، خاصة أن الأفرع الأمنية والاستخباراتية التابعة لنظام الأسد كانت وما زالت تلعب على وتر المعيشة، وترهب الجميع ليقول ما تريد، ولكن بعد 5 سنوات وأكثر من القتل والإجرام والاعتقال والتعذيب، يرى كثيرون أنه لم يكن هناك مكان لأي جملة مثل تلك التي تحدثنا عنها في هذا المقال حتى لو كان هناك مبررات (ترهيبية) لقولها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.