قضايا الحل السياسي في مصر 

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/30 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/30 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش


سيأتي يوم بإذن الله على المصريين ويواجهوا القضايا السياسية الداخلية التي لا مفر من مواجهتها إذا أردوا الخروج من هزائمهم وإنكساراتهم والتخلص من حكم الأقلية التي تتحكم في السلطة والثروة والإعلام والتعليم ومؤسسات الدولة منذ عقود طويلة. 

ليست مشكلة المصريين الجوهرية إيجاد حلول تفصيلية لمشكلاتهم التعليمية والصحية والاقتصادية وغيرها. فكثير من هذه الحلول موجودة في أعمال الكثير من الباحثين الجادين ومراكز البحوث، لكن الإستفادة من هذه الحلول ووضعها موضع التنفيذ أمر مستحيل في ظل الحكم المطلق الذي يحاصر الجامعات ومراكز البحوث ويطارد أساتذة الجامعات والباحثين والصحافيين ويسيطر على الإعلام ويقوم بعمليات تضليل إعلامي ضد كل المخالفين معه في الرأي. 

وليست مشكلة المصريين الجوهرية إيجاد شخص بمواصفات معينة، يكون قادرا على وضع الحلول نيابية عن المصريين. فقد جرّب المصريون هذا وحكمهم ثلاثة حكام من المؤسسة العسكرية قبل ثورة يناير، مارسوا القمع والوصاية على الشعب وتركوا مصر تعاني أولا من هزيمة عسكرية مذلة ثم من تراجع اقتصادي مدمر للغالبية العظمى من الشعب، وقبل كل هذا أهدر الثلاثة كرامة المصريين وزرعوا الكثير والكثير من القيم الهدامة. 

كما يجرّب المصريون الآن الحكم عبر الأجهزة الأمنية والبوليسية ليعيشوا بعد ثلاث سنوات فقط كوارث كبرى لم تشهدها مصر في تاريخها الحديث منها التفريط في الأرض، وإهدار حقوقنا في نهر النيل، وتقسيم المجتمع، والاستخفاف بدماء الآلاف واعتقال عشرات الآلاف وحالات التعذيب والاختفاء القسري والتهجير، وحماية الفساد، والفشل في الاقتصاد ورهن البلاد بسلسلة ضخمة من القروض، ناهيك عن توثيق العلاقات الأمنية مع دولة الابارتهايد الصهيوني وتغيير المناهج التعليمية لتجهيل أجيال بأكملها وإخفاء حقيقة الصراع وطمس معالم دولة الابارتهايد ومخاطرها العسكرية والاقتصادية والحضارية والثقافية. 

وليس مشكلة المصريين الجوهرية حسم إشكالية وهمية صنعت بين ما يطلق عليهم "الإسلاميين" و"العلمانيين"، فمصر لم تكن تعاني من مشكلة هوية وإنما من مشكلة الإستبداد السياسي الذي أفسد الإنسان وقسّم المجتمع وفرّط في أبجديات هويتنا العربية والإسلامية. 

وليست مشكلة المصريين الجوهرية الانتصار لفريق على آخر أو الاعتقاد بشكل مطلق بأحقية فصيل ما وقدرته على تقديم حلول سحرية للمشكلات التي أوصلها لنا الحكم المطلق عبر العقود الماضية. هذا غير ممكن في ظل الإرث الإستبدادي الذي تركه الحكم المطلق وفي ظل الاختراق الخارجي الواضح للنخب والقوى السياسية.

***

أعتقد أن هناك ضرورة لطرح ثلاث قضايا داخلية محورية، لا يمكن لنا الخروج من مشكلاتنا الراهنة إلا بطرحها للنقاش العام وتعبئة الجماهير في شأنها وهي باختصار شديد: 

القضية الأولى: معالجة العلاقات المدنية-العسكرية

هنا لا بد أن يكون الهدف مزدوجا: إقامة دولة الحريات والقانون والمؤسسات والمحاسبة والشفافية من جهة، وإقامة جيش محترف وقوى من كافة النواحي العسكرية من تدريب وتسليح ونظم اتصالات وتعليم وتعزيز الموازنات العسكرية من جهة أخرى. 

وهذا لن يتم إلا بشرطين متلازمان، الأول تقوية المجتمع ذاته وتقوية مؤسساته وأحزابه الديمقراطية ونخبه السياسية ونظامه القضائي المدني ووجود منظومة دستورية وقانونية ديمقراطية تشرعن السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية وتضع كافة الضمانات والآليات اللازمة لضمان هذه السيطرة، بجانب وجود خبراء مدنيين في شؤون الأمن والدفاع والإستراتيجيا، وتقوية أجهزة البوليس والمخابرات المدنية وخضوعها لسيطرة المدنيين المنتخبين مباشرة. 

والثاني قناعة العسكريين ومشاركتهم في الوصول إلى وضع يكون فيه الدور الوحيد للمؤسسة العسكرية هو الأمن الخارجي فقط، وأن أي أدوار أخرى لمساعدة أجهزة البوليس المدنية في الأمن الداخلي لابد أن تتم عبر المؤسسات المدنية التنفيذية والتشريعية والقضائية. هذه القناعة لابد أن يقترن بها تغيير كامل في منظومة التعليم والتربية داخل الاكاديميات العسكرية، ووجود سياسات للأمن القومي والدفاع يضعها المدنيون والعسكريون معا، ورفع يد العسكريين عن قطاع المعلومات وعن كافة أجهزة المخابرات المدنية.   

القضية الثانية: تنظيم العلاقة بين الدين والدولة 

وهنا يوجد عدة أهداف لا مفر من معالجتها عبر إقرار عدد من المبادئ والتشريعيات والممارسات والضوابط، أهمها تحرير الدين من قبضة الحكام وضمان استقلالية المؤسسات الدينية عن المؤسسات التنفيذية الرسمية، والكف عن توظيف الدين ومؤسساته في معركة بقاء أنظمة الحكم، وإعادة الدين إلى المجتمع ليمارس دوره القيمي والتعليمي والرقابي في حماية كرامة الناس وحرياتهم وفي صد كافة صورة الهيمنة والتسلط والتجبر، ووضع كافة الضمانات لمنع استخدام الدين في الصراعات السياسية مع الخصوم السياسيين. 

هذا بجانب ضمان حرية الأفراد والجماعات والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني في الإستناد إلى الدين كمعين للقيم والمبادئ وكأساس للتنظيم الاجتماعي وفي وضع البرامج والسياسات، مع وضع كافة الضمانات لعدم استغلال الدين لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة أو احتكار الدين واستخدامه في الصراعات الانتخابية التنافسية.
 
القضية الثالثة: العلاقة بين الفقراء والأغنياء

لن تستقيم الأمور في مصر دون كسر هيمنة أقلية على الثروة في مصر ودون وضع برامج تنمية حقيقية لصالح الأغلبية في مصر أي لصالح أكثر من 90 بالمائة من المصريين الذين يتضررون بشدة، ومنذ عقود، من الاقتصاد الحالي. 

الهدف هنا هو تقوية الفقراء وتمكين الضعفاء ومعالجة مشكلات الفقر والفساد والعشوائيات والقضاء على الامتيازات ودولة الوظائف الطائفية أو الطوائف الوظيفية عبر سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة وفعالة. وهذا لن يتم إلا بتقوية دولة المؤسسات والقانون والقضاء المستقل والشفافية والمحاسبة، ولن يتم أيضا إلا بتقوية دولة العلم والبحث العلمي وتمكين الخبراء والباحثين وحماية الحريات الأكاديمية وتعزيز موازنات البحث العلمي والتعليم ضمن خطة وطنية شاملة للإرتقاء بالتعليم والتربية على كافة المستويات. كما لن يتم هذا إلا بخطة حاسمة وقوية لمكافحة الفساد وتقوية أجهزة الرقابة المدنية والقضائية ووضع منظومة فعالة للثواب والعقاب. فضلا عن إعادة صياغة سياستنا الخارجية وعلاقاتنا التجارية والاقتصادية واستخدامها لتحقيق أكبر قدر ممكن من مصلحة الشعب وليس مصالح فئات محددة. 

***

لا يمكن التصدي لهذه المسائل الحيوية وغيرها بنخب منقسمة وتنظر تحت أقدامها وتعلي من أهدافها الضيقة، ولا عبر المؤسسة العسكرية فهذا خطر على هذه المؤسسة وعلى أمن مصر القومي والأمن القومي العربي. ولهذا كتبت في مقال سابق أنه لا مفر من عودة القوى السياسية المدنية والإسلامية وكذا المؤسسة العسكرية خطوتين للخلف وترك المجال أمام مرحلة انتقالية تأسيسية لفترة ثلاث سنوات على الأقل، تُحكم خلالها البلاد عبر مؤسسة حكم من الخبراء والشخصيات العامة (والتي لابد أن تدعم من القوى السياسية والمؤسسة العسكرية) وتحدد لهذه المؤسسة مهام محددة تدور في الاساس حول تحرير الإنسان وتقوية المجتمع ووضع أسس معالجة تلك المسائل التي تحدثت عنها، وتمهد البلاد لنظام سياسي يقوم على الحكم الديمقراطي القائم على تمكين الإنسان والمجتمع ودولة القانون والمؤسسات والعدل والحريات والقضاء المستقل، والذي تتعدد فيه أدوات الرقابة الشعبية والقانونية والسياسية.     

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هذه التدوينة نشرت في موقع البديل للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا

علامات:
تحميل المزيد