الأزمة بين أردوغان وأوغلو.. والانتقال إلى النظام الرئاسي الذي لا مفرّ منه

شكّلت استقالة داود أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية التي تعني عملياً انسحابه كذلك من رئاسة الحكومة، مفاجأة للشعب التركي وأيضاً للطبقة السياسية داخلياً وخارجياً، خصوصاً أن المؤشرات العامة قبل الاستقالة بأيام قليلة لم تكن توحي بذلك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/29 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/29 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش

تشهد تركيا حركيةً سياسيةً كبيرةً في الآونةِ الأخيرة، فعديد من الملفات الداخلية والخارجية تأَخُذُ مكانها فوق طاولة أردوغان، كالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، لمحاولة إيجاد حل لمشكلة اللاجئين، وبحث سُبل دخول تركيا كعضو في الاتحاد الأوروبي، ومناقشة ملف الحرب على حزب العمال الكردستاني.

شكّلت استقالة داود أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية التي تعني عملياً انسحابه كذلك من رئاسة الحكومة، مفاجأة للشعب التركي وأيضاً للطبقة السياسية داخلياً وخارجياً، خصوصاً أن المؤشرات العامة قبل الاستقالة بأيام قليلة لم تكن توحي بذلك.

إنّ استقالة داود أوغلو ترجع عملياً لعدة أسباب، قد يكون أهمّها عدم إنجازه لِملفين هامين طلبهما منه أردوغان، عندما سلّمه رئاسة الحزب والحكومة، هما: إعداد دستورٍ جديدٍ ينصّ على تحويل تركيا إلى النظام الرئاسي، والقضاء على الكيان الموازي التابع لفتح الله غولن، ويبدو أن عدم استجابة أوغلو لتلك الطلبات يرجع لعدة خلافات مطروحة بين الرجلين في مفهومهما لطريقة تسيير الدولة، منذ تسلم أردوغان الرئاسة.

وإذا نظرنا إلى الملفين، نرى أن أهميتهما لدى أردوغان ترجع إلى كونه يُريد تأسيس نظام رئاسي قوي، للقضاء على توغل الدولة العميقة المتمثلة بمجموعة من الكيانات والجماعات السياسية والاقتصادية في معظم مؤسسات الدولة مخُتفية وراء الستار.

والعلاقة بين الملفين تبدو متلازمة، فأردوغان يريد اصطياد عصفورين بحجرٍ واحد، ويعلم أنه لن يستطيع القضاء على الكيان الموازي دون الرفعِ من صلاحياته كرئيس للجمهورية، خصوصاً أنه أول رئيس للجمهورية منتخب انتخاباً مباشراً من الشعب، وكان دوماً يُناضل على قصور النظام البرلماني الذي ينقسم الحكم فيه بين سلطتي الحكومة والبرلمان، وهذا ما شكّل حسب أردوغان، إحدى أهم الأدوات لإضعافِ أداءِ الدولة من خلال إعجازها عن تكوين حكومات قوية، فبحسبه لا وجود لتركيا قوية دون نظام رئاسي قوي.

ولكي يحصل التغيير الدستوري عبر البرلمان بصورة مباشرة، يستوجب الحصول على أصوات 367 نائباً من أصل 550 نائباً متواجدين في البرلمان التركي، وإن لم يتحصل الحزب على ذلك العدد من الأصوات فسيكون مرغماً على العبور إلى الاستفتاء الشعبي في حالة حصوله على أصوات 330 نائباً على الأقل، وفي هذه الحالة، لن يستطيع حزب العدالة والتنمية الوصول لهذا العدد بمفرده؛ لأنه لا يملك إلا 317 نائباً في البرلمان، ما يعني افتقاده أصوات 13 نائباً.

ولذلك، وحسب المتابعين للشأن السياسي التركي، يبدو حزب الحركة القومية (قومي- يميني) برئاسة "دولت بهجلي" الأقرب لمساعدة حزب العدالة والتنمية، ويعتبر حزب الحركة القومية ثاني أقوى تشكيلات المعارضة في البرلمان بعد حزب الشعب الجمهوري؛ إذ يضم 52 نائباً في البرلمان، كما أن حزب العدالة والتنمية يستطيع الاعتماد عملياً على أصوات 15 نائباً من القائمة المستقلة أو على الأقل الاستفادة من بعض أصواتهم، وفي حال المرور إلى الاستفتاء الشعبي، سيحصل التغيير الدستوري بصفة شبه مؤكدة بحسب الإحصائيات التي أُجريت على شريحة واسعة من الشعب التركي، والتي تؤكد أن حوالي 55 في المائة من الشعب يؤيدُ التغيير ويُساند أردوغان في نظرته بتقوية أداء الرئيس.

لذلك تبدو التضحية بأوغلو (الذي يُعتبر مُفكر تجربة الإسلام السياسي في تركيا)، ضرورة مُلِحّة بالنسبة لأردوغان في سبيل تحقيق المصلحة العليا لتركيا التي تقتضي الانتقال إلى النظام الرئاسي؛ لعدم الوقوع تحت المحاسبة البرلمانية.
ويأتي انتخاب "يلدريم" المُقرب من أردوغان في إطار السير بخطى ثابتة نحو الانتقال للنظام الرئاسي المنشود.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد