إن التصنيفات بين البشر غالباً ما تكون جائرة، إنها تعطي صفات غير منصفة وغير حقيقية لشخص يحمل العديد من الصفات، إلا أن التصنيف يسمح بإعطاء صفة أو صفتين لكائن معقد لديه العديد من الصفات والسمات التي تحدد شخصيته.
قد يصنف شخص على أنه بدين، لكن هذه الصفة لا تحدد من هو هذا الشخص ولا تصف جوهره، إن البشر بعنصريتهم المتزايدة يقولبون بعضهم في صناديق ضيقة غير آبهين بما يترتب على تلك القولبة من تبعات على الشخص ومن يشبهونه، فالبدين غالباً من يكون شرهاً، غبياً وبدون مشاعر وهي صفات أجزم أن 80% من الناس يطلقونها على كل بدين يرونه أمامهم.
الناس كل الناس لديهم ميل إلى التصنيف العنصري تجاه فئة معينة من الناس معتبرين أنفسهم عرقاً صافياً مختاراً لا شائبة فيه، متناسين أنهم عندما يصنفون بعض الناس فإن آخرين يصنفونهم أيضاً في قوالب أخرى.
لقد خلقت هذه الحالة جواً من عدم الثقة وأتاحت ظهور العديد من أشكال الكراهية والطبقية وتفكك المجتمعات. إضافة إلى التنمر والإساءة التي أصبحت شكلاً عادياً من أشكال رفض المختلف.
غالباً ما يتهم المثقفون الحكومات بأنها مصدر كل تقهقهر في المجتمع، وأنها سبب في كل تأخر وآفة، متناسين أن الجماعات والأفراد لها الدور الأكبر في التأثير على بعضها البعض، ويسهم الإعلام دائماً في نشر الصور النمطية عن بعض الشخصيات في المجتمع فيصبح من يرتدي النظارات ضعيفاً أو ذكياً والشقراء مثيرة والمثلي للسخرية وغير المتزوجة معقدة.. إلخ.
عندما تفرض الحكومات الرقابة على بعض الأحزاب بسبب مواقفها السياسية فإن الأفراد يفرضون رقابات متعددة على الآخرين بحسب أشكالهم، وأحجامهم، وجنسهم وميولهم وانتماءاتهم الاجتماعية، فارضين رقابة مشددة على أفكار من أمامهم مستعدين دائماً للانتقاد وإطلاق الأحكام تجاه كل من يخالفهم في الرأي أو من يطرح فكرة منافية لما اعتادوا عليه وعرفوه، يكفي أن تقرأ بعض التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي لترى كمية الكراهية تجاه أي شيء أو أي أحد. دون محاولة حتى لفهم لماذا؟ وكيف؟ حتى أصبح البعض حبيس أفكاره غير قادر على الإفصاح عنها خشية القولبة أولاً ثم الرفض ثانياً. المفارقة هو عندما تصدح أصوات تنادي بحرية التعبير عن الأفكار وإخراج مكنونات النفس المدفونة في الأعماق، عبارات مثل: "عبر عما تشعر به! أخبرهم الحقيقة! لا تجري خلفهم وتفعل ما يفعلون وتحب ما يحبون وتكره ما يكرهون لمجرد خوفك من ردات فعلهم تجاه أفكارك المخالفة للجماعة".
إن هذا الرأي الجدلي ليس سهل التطبيق، إنه أسوأ طريق إيجابي يمكن أن يسلكه الفرد، التعبير عما تفكر به وتشعر به أمر رائع سيجعلك تشعر بالراحة، فليس هناك أصعب من أن تخفي سراً وتعيش كذبة فقط بسبب خوفك من خسارة الآخرين، لكنك تعلم أنك عندما تقول ما في رأسك سيكرهك الجميع؛ لذلك تسعى جاهداً أن تشبههم، أن ترضي الجميع حتى لا يكرهوك، دائماً القول أسهل من الفعل، إنك ببضع كلمات قد تغير من موقعك الاجتماعي في الأسرة والأصدقاء وفي العمل، وعليك أن تتحمل نتائج ما عبرت عنه، وإن كنت شخصاً محظوظاً فقد تحظى بعقول مرنة قابلة لاحتواء الاختلاف وتقبل الآخر كما هو.
ثم إنك لن تستطيع السيطرة على ردة فعل الآخرين أبداً وهم وحدهم المسؤولون عن ردة فعلهم، ولكن الشائع هو أن تتلقى نظرة: لقد تم وضعك في الصندوق المخصص لك، ومن ثم الاستهجان، ثم الاستفسار ثم الرفض أو القبول على مضض.
إن التعبير عن مكنونات النفس أمر غاية في الخصوصية كما أن الاعتراف بالأحلام والرغبات الخاصة أمر قد لا تشعر بالفخر عند قوله؛ لذلك اختيار الأذن التي يمكن أن تخبرها بما في خاطرك هو أمر في رأيي أهم من السر نفسه.
أعترف أني أحسد أولئك الذين يتحدثون عما في أنفسهم دون أن يفكروا في ردة فعل الآخرين غير مبالين بالصناديق الضيقة، لا أعرف إذا كانوا سعداء حقاً؛ لأن بعضاً من البوح عن الجانب المظلم يعني الكثير من العزلة في الواقع وكثيراً من النميمة وكثيراً من الصناديق أيضاً، إلا أنهم بكل تأكيد أشخاص متصالحون مع أنفسهم تماماً.
لقد ندمت في السابق على عدم التعبير عن بعض الأشياء الدفينة في لحظات معينة كان يجب أن أعبر فيها عن تلك الفكرة بالذات، ولكني لم أندم على عدم التعبير عن البعض الآخر في مواقف أخرى لأني أوقن أن بعض الأفكار والمشاعر لم تخلق لتخرج إلى العلن بل لتظل جزءاً مخفياً وإن كان جوهرياً من شخصيتنا.
أهم الأشياء هي التي لا يمكن قولها، إنها الأشياء التي تخجل منها؛ لأن الكلمات ستقلل من أهميتها، إن الكلمات تقلص الأشياء التي تبدو لا متناهية في عقلك إلى حجم أقل من الطبيعي عندما تخرج من أفواهنا، لكن الأمر أكثر من ذلك؟ أليس كذلك؟ أهم الأشياء تدفن قريبة من قلبك السري الخاص بك مثل الكنز المخبأ الذي يسعى أعداؤك لسرقته، والكشف عنه سيكلفك أن ينظر الناس إليك بنظرة مضحكة، مع عدم فهم ما قد تقوله نهائياً أو بدون أن يفهموا لماذا هو مهم لك لدرجة أنك كدت تبكي بينما تتكلم عنه. إن أسوأ ما يمكن أن يحدث برأيي هو عندما يبقى السر مقفلاً في الداخل ليس بسبب عدم وجود مفتاح له، وإنما لعدم وجود أذن متفهمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.