الانتقال من الأزمات إلى التنمية: تعزيز دور القطاع الزراعي

إذا ما أردنا معالجة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، فإننا نحتاج إلى تجاوز نطاق العمل المعتاد وإدارة الأزمات بشكل مختلف، إننا بحاجة لأن ندرك ضرورة أن يكون للتدخلات تأثير طويل الأمد على المستفيدين، لا سيما في المناطق الريفية، ومن ثم التصرف وفقاً لذلك، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تضمن ألا يخلف ركبَ التنمية المستدامة أحد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/24 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/24 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش

تتسبب الكوارث والنزاعات التي تزداد من حيث الوتيرة والحجم في معاناة إنسانية لا توصف في أنحاء كثيرة من العالم، وتتنوع هذه الكوارث والنزاعات لتشمل، على سبيل المثال لا الحصر، إعصار هايان، وفيروس الإيبولا، والحرب الأهلية في سوريا.

ولذلك، فإننا بحاجة إلى المزيد من تضافر الجهود لإنهاء النزاعات، والتخفيف من حدة المعاناة، والحد من المخاطر ومواطن الضعف التي تواجه ملايين الأشخاص الذين معظمهم من الفقراء ممن يعيشون في المناطق الريفية والمهمشة في البلدان النامية.

وفي الأساس، هذا هو الهدف من وراء عقد مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني، الذي دعا إليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ويسعى المؤتمر إلى البناء على الزخم المتحقق من المجموعة غير التقليدية من الالتزامات التي تعهد بها المجتمع الدولي.

وشكل اعتماد جدول أعمال التنمية المستدامة مؤخراً بهدف القضاء على الجوع والفقر و"ضمان ألا يخلف ركبَ التنمية المستدامة أحد"، واتفاق المناخ العالمي، وإطار العمل الجديد للحد من مخاطر الكوارث وتعزيز القدرة على الصمود، خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح.

ولكن يجب علينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، وأن نحدث تغييراً جذرياً في الكيفية التي ننظر من خلالها إلى جهود المساعدات الإنسانية وطريقة تنفيذها، فالأزمات ليست هي حالات الطوارئ الإنسانية فقط، بل إنها تتعدى ذلك لتشمل الإهمال وانعدام التنمية، ما يجعلها عصية على الحل من خلال العمل الإنساني وحده.

ومن الناحية العملية، فإن هذا يتطلب تجاوز الاستجابة للأزمات من خلال تدابير الإغاثة قصيرة المدى فقط، بل الاستثمار بشكل أكبر بكثير في معالجة الأسباب الجذرية للأزمات، وهو ما يعني بناء القدرة على الصمود وتعزيز سبل معيشة الناس بطرق لا تؤدي فقط إلى التعافي من الحروب والأمراض والفيضانات وغيرها من الصدمات، بل تتعداها إلى المساعدة على الحد من تأثير هذه الأزمات، ومنع وقوعها من الأصل، إن أمكن ذلك.

وتظل الزراعة والتنمية الريفية عوامل أساسية في تعزيز سبل المعيشة للفئات الأكثر عرضة للخطر، بما في ذلك مئات الملايين من المزارع العائلية محدودة النطاق والمسؤولة عن إنتاج نسبة مهمة من إجمالي المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم.

وهؤلاء هم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، والأضرار الواقعة واضحة للعيان، وهي تشمل الظواهر الجوية المتطرفة، مثل ظاهرة النينو التي تعيث فساداً في مساحات واسعة من المناطق الريفية في العالم النامي، والأمراض الحيوانية التي تعطل سلاسل الغذاء، والحروب التي تجبر ملايين الأشخاص على التخلي عن منازلهم وحقولهم ومواشيهم ليصبحوا مهاجرين على نطاق لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي الوقت عينه، لا يحصل القطاع الزراعي سوى على 4 بالمائة من إجمالي المساعدات الإنسانية، رغم أنه يتحمل نحو 22 بالمائة من الأضرار والخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وما يصل إلى 85 بالمائة من تداعيات الجفاف. وتشكل هذه النسبة مثالاً صارخاً على الهوة التي ما تفتأ تتسع بين الاحتياجات وحجم الاستجابة.

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن الاستثمار في سبل المعيشة ليس فقط الأمر الصحيح الذي ينبغي القيام به، ولكنه أيضاً أمر منطقي بالنسبة لفاعليته من حيث التكلفة وجدواه، وذلك من خلال المساعدة على معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، والحد من تأثير الصدمات مستقبلاً، ومنع زيادة نقاط الضعف والدخول في دائرة مفرغة. كما أن توسيع نطاق الوصول إلى نظم الحماية الاجتماعية أمر بالغ الأهمية لتعزيز القدرة على الصمود، إن كان في مجال الاستجابة الإنسانية أو في مجال التنمية.

وفي حالات الكوارث الطبيعية، فإن الاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث يعد أكثر فاعلية من حيث التكلفة بين 4 و7 مرات مقارنة بالاعتماد على الاستجابة للطوارئ، ورغم ذلك، لا يتجاوز حجم الإنفاق على الحد من مخاطر الكوارث نسبة 0.4 بالمائة من المساعدات الإنمائية الرسمية.

وعلاوة على ذلك، تعد حماية سبل المعيشة الزراعية وإعادة بنائها خلال النزاعات المسلحة والأزمات الممتدة، بهدف إنقاذ الأرواح وتهيئة الظروف من أجل تعزيز القدرة على الصمود على المدى الطويل، خطوة رئيسية نحو تحقيق السلام والاستقرار، ومع ذلك، غالباً ما يتم تجاهل دور القطاع الزراعي في الأزمات، وما زلنا نفتقر إلى الاستثمارات اللازمة.

وتقدم منظمة (الفاو) مساعدات إنسانية وتنموية، ونحن نؤمن إيماناً راسخاً بأهمية إعطاء الأولوية لنظم الإنذار المبكر والوقاية والاستعداد لحماية سبل المعيشة، وخاصة في المناطق الريفية، كما يوجد الكثير من الأدلة، وفي جميع أنحاء العالم، على فوائد هذا النهج، وكيف أنه يقلل من الحاجة إلى التدخل في حالات الطوارئ.

وعلى نحو أكثر عمومية، فمن الجلي مشاهدة كيف يساعد الاستثمار في القطاع الزراعي على تعزيز الاعتماد على الذات، وتحقيق الكرامة للمجتمعات الريفية المعرضة للخطر، مما يقلل الحاجة للمساعدات الغذائية، ووجدنا أن تقديم دعم مقداره 200 دولار للمزارع السوري يمكّنه من إنتاج طنين من القمح، أي ما يكفي لإطعام أسرة مكونة من ستة أفراد لمدة عام، إلى جانب توفير البذور للزراعة في المستقبل، وهذا جزء بسيط من التكلفة الاقتصادية للمساعدات الغذائية، ناهيك عن التكاليف البشرية الهائلة.

وإذا ما أردنا معالجة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، فإننا نحتاج إلى تجاوز نطاق العمل المعتاد وإدارة الأزمات بشكل مختلف، إننا بحاجة لأن ندرك ضرورة أن يكون للتدخلات تأثير طويل الأمد على المستفيدين، لا سيما في المناطق الريفية، ومن ثم التصرف وفقاً لذلك، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تضمن ألا يخلف ركبَ التنمية المستدامة أحد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد