أمي يهودية!

فات الشيخ أن كبيرة مطربات الإغراء العرب مسلمة، وأن أصحاب سلاسل قنوات الرقص والإغراء مسلمون، وأن مواقع وغرف دردشة وتطبيقات إباحية عربية أنشأها ويقوم عليها مسلمون.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/24 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/24 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش

بدأ تصويرنا الجمعة الفائتة عند العاشرة صباحاً تقريباً، وبحلول صلاة الجمعة كنا أنهينا نصف المهمة، كان ابتلاء من الله أن ذهبت وزملائي لأقرب مسجد -لم نكن نملك رفاهية الاختيار- وجلست نصف ساعة أستمع لخطاب خرج من التاريخ قبل سنة ضوئية.

جل الخطبة كان تحذيراً من اليهود وخبثهم ومكرهم ودهائهم وانحطاطهم وسفالتهم، وأن العالم ما آل لما هو عليه إلا بأيدي اليهود، وأن كل الكوارث والحروب والمصائب كبيرها وصغيرها لليهود -لا بد- يد فيها، وكل معصية وراءها اليهود، وكل مقتلة وراءها اليهود، وكل مفسدة وراءها اليهود، وطبعا انتهت الخطبة بـ"اللهم أعز الإسلام والمسلمين".

خرجت من الخطبة متعكر المزاج، وكي أتخلص من ذلك، لزم أن أفكك "العجينة" إلى قطع متفرقة:
– فات الشيخ أن أباح لي ديني -ودينه- الزواج بيهودية، ما يعني أن اليهودية قد تكون زوجة، أو خالة، أو عمة، أو حتى أُماً. كم من اليهود يعيشون في اليمن والعراق والمغرب؟ ما أجمل الموقف وأنا في مسجدك وأمي اليهودية في بيتها تسمعني أؤمن على دعائك عليها.
– فات الشيخ بؤس خطاب المظلومية ولاواقعيته، فاته أنه يدعو من على منبره بـ"اللهم أعز الإسلام والمسلمين" منذ عشرات السنين بلا فائدة، لم يكلف نفسه السؤال لماذا، لأن لديه إجابة واضحة: اليهود سلبونا ما نملك.
– فات الشيخ أن القذافي وصدام ومبارك وبشار الأسد.. إلخ الجوقة اللاحقة؛ وأن يزيد وجمال باشا وأبا مسلم الخراساني والحجاج.. إلخ الجوقة السابقة؛ طغاة سفاحون مجرمون مسلمون.
– فات الشيخ أن ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية أنشأه وأقام عليه وأداره وانتمى إليه آلاف من الطغاة المسلمين الذين صدروا للعام أنموذجاً خيالياً من القتل والتعذيب والتفنن في الإهلاك.
– فات الشيخ أن كبيرة مطربات الإغراء العرب مسلمة، وأن أصحاب سلاسل قنوات الرقص والإغراء مسلمون، وأن مواقع وغرف دردشة وتطبيقات إباحية عربية أنشأها ويقوم عليها مسلمون.
– فات الشيخ أن القائمين على أجهزة التعذيب وخوزقة الناس في بلادنا مسلمون.
– ولعل الشيخ لا يعلم أن عبد الله بن سبأ -اليهودي- شخصية خيالية لا وجود لها، لكنها -بالطبع- تخدم هيكله اليهودي البحت.

كيف يستمرئ أفراد الوقوف على منابر يخطبون بالناس لسنوات بذات الألفاظ وذات الحكايات وذات القصص وذات الاستشهادات وذات التلقين، تجد أفضلهم حفِظ وحفّظ خطبته للمصلين على قدر ما كررها، وتجد أسوأهم ممسكا بورقة إن سقطت سقطت خطبته معها، وكلاهما يعتاش مما يصله من مرتب إزاء "عمله"! يا سيدي الشيخ فاتك -واعذرني- أنك آفة، وأنك رغم ذلك مسلم!

ياه كم استحضرت الدلائل الفقهية القولية والعملية على جواز نقاش الخطيب ومقاطعته وتصويبه، لكني اكتفيت بتقطيب الجبين والخروج من المسجد بسرعة بعد الصلاة.. كسول أو جبان.

* إضافة: نبوءات زوال اليهود (أو إسرائيل) هي نبوءات مريحة داعية للاستكانة، كما هو دعاء: "اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين"، نعم، العالم سيصلح ويفسد ويعلو وينخفض ونحن المسلمين ننتظر على الأريكة كي يهدأ كل شيء، ومن ثم نأخذ كل شيء، ستزول إسرائيل ثم تكرر العادة ذاتها (وياللفخر): نقتل بعضنا طبعاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد