قبل أسبوعين شهدت منطقة "ثيستد" (شمال غرب الدانمارك) وضع أنصار حركة يمينية دانماركية متطرفة شاخصات طرقية تشيرُ إلى المسافة بين الدانمارك من جهة وكل من سوريا والعراق من جهة أخرى، في إشارة إلى اللاجئين من البلدين وضرورة مغادرتهم الدانمارك إلى بلدانهم مجدداً.
أتبع حزب الشعب الدانماركي ذلك في الأسبوع الماضي بتنظيم حملة إعلانية مضمونها وضع صورة لعائلة دانماركية مع حيواناتها الأليفة مكتوباً أعلى الصورة "دانماركنا"، في إشارة إلى أن الدانمارك هي فقط للدانماركيين، ولا مكان فيها للأجانب، ومعروف عن الحزب كراهيته للأجانب، ولا سيما منهم المهاجرين واللاجئين وعدم الترحيب بهم في البلاد.
ورغم الرد على تلك الخطوات من قبل شرائح مجتمعية دانماركية ومنظمات ومبادرات أهلية، فإن ذلك يكشف بما لا يدع مجالاً للشك عن أن هناك تنامياً واضحاً لأحزاب اليمين في العديد من بلدان أوروبا، وكذلك الأمر فإن هناك تنامياً للمشاعر اليمينية المتطرفة.
معلوم أن أحزاب وحركات اليمين الأوروبية ليست وليدة اليوم، بل كانت موجودة في السابق أيضاً، إلا أن الواضح أنها منذ 2014 تشهد نوعاً من الازدهار غير المسبوق، وتكسب مواقع لها لم تكن متاحة لها سابقاً، وقد أسهمت عاصفة اللجوء باتجاه أوروبا، التي بلغت الذروة في العامين الماضيين والحالي في انتعاش هذه الأحزاب والحركات، ولاقت نجاحاً في جذب واستقطاب المواطنين والأصوات الانتخابية في بلدانها، عبر الاشتغال على خطاب الكراهية الموجه ضد اللاجئين والأجانب، وإثارة المخاوف لدى المواطنين الأوروبيين حول إمكان اضمحلال الهويات القومية لبلدانهم، أو تغير النمط الثقافي الأوروبي، أو الإسلاموفوبيا.
في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها الدانمارك في مايو 2015 استطاع حزب الشعب الدانماركي وهو من أحزاب اليمين تحقيق انتصار انتخابي هائل قياساً إلى الانتخابات السابقة، وذلك عبر استغلاله ورقة التخويف من اللاجئين، رغم أن الدانمارك لم تستقبل في 2014 و2015 سوى نحو 30 ألف لاجئ، وهو رقم ضئيل قياساً إلى الجارة الجنوبية ألمانيا والجارة الشمالي السويد، وقد أسهم دعمه الحكومة المشكلة عقب الانتخابات حينها في استصدار سلسلة قوانين صارمة ومشددة ضد اللاجئين الواصلين حديثاً أو اللاجئين القدامى في الدانمارك.
في النمسا يقترب رئيس حزب الحرية النمساوي نوربرت هوفر من الفوز بكرسي الرئاسة في البلاد؛ إذ اختتم الجولة الأولى متقدماً على منافسه مرشح حزب الخضر، وتشير استطلاعات الرأي هناك إلى أنه الأوفر حظاً للفوز في الجولة الثانية.
في ألمانيا استغل حزب البدل السياسة المرنة للتحالف الحكومي الذي تقوده المستشارة ميركل في أزمة اللجوء واستطاع تنمية شعبيته متطلعاً إلى الانتخابات البرلمانية القادمة في 2017.
هناك نسقان من أحزاب وحركات اليمين في أوروبا اليوم؛ إذ إن هنالك أحزاباً تقليدية منخرطة في السياسة، وتنافس في الانتخابات البرلمانية والمحلية وتشغل مقاعد في البرلمانات الوطنية وعلى مستوى المقاطعات، كما تمثل في البرلمان الأوروبي، منها على سبيل المثال لا الحصر: حزب الاستقلال البريطاني، وحزب البديل من أجل ألمانيا، وحزب الحرية النمساوي، والحزب اليمني الهنغاري، وحزب الحرية الهولندي، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي، وحزب الشعب الدانماركي، وحزب ديمقراطيي السويد، وحزب التقدم النرويجي.. إلخ.
وهناك إلى جانب هذه الأحزاب حركات شعبوية معادية للأجانب، ويمكن تصنيفها ضمن مسمى "مجموعات النازيين الجدد"، ولعل أشهرها في ألمانيا حركة بيغيدا، وفي اليونان حركة الفجر الذهبي، وفي فنلندا جنود أودين.
وإذا كانت الأحزاب تمارس عنف الخطاب وتحاول جاهدة تشديد قوانين اللجوء، فإن الحركات تمارس العنف المادي أيضاً مضافاً إلى خطابها العدائي، بدليل تعرض العديد من معسكرات اللجوء في بعض بلدان أوروبا، لا سيما في ألمانيا والسويد إلى اعتداءات مختلفة.
الأحزاب اليمينية تصعد رويداً رويداً في الوقت الحالي، ولديها حضور عياني في الحياة السياسية في عدة بلدان أوروبية، أما الحركات فلا تبدو مؤثرة في الوقت الحالي، إلا أن خطابها عموماً باعث على القلق مستقبلاً، إذا ما استمرت بهذه الوتيرة مع ازدياد أعداد اللاجئين في القارة الأوروبية، وحدوث تفجيرات دموية من قِبل حركات إسلاموية متطرفة، وهما عاملان تستغلهما تلك الحركات بذكاء في رفع منسوب شعبيتها.
الصورة مأخوذة من صفحة علي موقع فيسبوك بعنوان Vores Danmark للإطلاع على مصدر الصورة اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.