ليس كل الفشل عربياً

ولقد كان أول أمير للجماعة الإسلامية في بنغلاديش بعد الاستقلال هو الشيخ (غلام أعظم) الذي وقف حياته في سبيل الدعوة إلى الله تعالى ولإعلاء كلمته، وعانى من السجن عدة مرات، وأكره على الإقامة بخارج البلاد حوالي ثماني سنوات، وسلبت جنسيته.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/20 الساعة 02:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/20 الساعة 02:36 بتوقيت غرينتش

ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أنه من الممكن أن تتخلى دولة بنغلاديش عن الإسلام بوصفه الدين الرسمي للبلاد، في ظل ضغوط لممثلي المعتقدات الأخرى في البلاد لتنفيذ هذا الإجراء.

وقد بدأت بالفعل المحكمة العليا، في الدولة الواقعة في جنوب آسيا، سماع النقاشات التي تتحدى وضع الإسلام بصفته الدين الرسمي.

وقالت الصحيفة: إن تلك الخطوة تأتي بعد موجة من "الهجمات ضد أصحاب المعتقدات الأخرى، مثل الهندوسية والمسيحية والأقليات الشيعية"، بحسب وصفها.

وأوضحت "ديلي ميل" أنه عندما أُنشئت بنغلاديش عام 1971 بعد انفصالها عن باكستان أُعلنت دولة علمانية، لكن في عام 1988 تم تعديل الدستور، وأصبح الإسلام هو دين الدولة الرسمي.

يُشار إلى أن المسلمين في بنغلاديش يشكلون نحو 90% من مجموع السكان، بينما يشكل الهندوس 8%، والعقائد الأخرى بما في ذلك البوذية والمسيحية تشكل البقية.

إنها انتكاسة غريبة وعجيبة تضاف إلى جملة انتكاسات الأمة الإسلامية؛ حيث يلاحظ المراقب للشأن في بنغلاديش تدهور الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بأيادٍ وبرامج خفية تعبث بمقدرات هذا الشعب المسلم المسكين.

فلم نسمع أبداً عن طمس هوية أمة ذات أغلبية سكانية تحت ضغط الأقليات، وهل قرار تخلي بنغلاديش عن الإسلام دستورياً -أي نظرياً- سيوقف الهجمات ضد الأقليات؟! هذا إن كان هناك هجمات أصلاً.

وقبل هذا الإجراء نجد قيام الحزب الحاكم العلماني "رابطة الشعب" أو "رابطة عوامي" عام 2010 بإنشاء "محكمة الجرائم الدولية الخاصة"، لمحاكمة خصومهم ومنافسيهم الإسلاميين، وهي محكمة لا ترقى إجراءاتها القضائية للمعايير الشرعية ولا الدولية، بحسب ما أكدته المنظمات الدولية المختصة.

والتُّهم التي يدعيها الحزب الحاكم لنحو تسعة من قادة الجماعة الإسلامية التي أسسها أبوالأعلى المودودي أنهم عارضوا الاستقلال عام 1971 وتعاونوا مع القوات الباكستانية لإبقاء الوحدة ضمن باكستان الإسلامية، في مواجهة الهند الهندوسية، وهي تهم غير مسلَّم بها، ومواقف من أربعين عاماً لا يستطيع أن يقيم عليها دليلاً يوجب القتل، وتم تسييسها لأغراض حزبية، بشهادة خبراء مستقلين في القانون.

ونشأ عن هذه المحكمة عدة أحكام بالإعدام، نفذت الحكومة أولها في (عبدالقادر ملا) نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في بنغلاديش، ولم يشفع له أنه شيخ كبير أو أنه مقعد كسير، أو يتحلى الحزب الحاكم بأخلاقيات الخلاف نحوه، رحمنا الله وإياه.

كما أعدمت سلطات بنغلاديش الشيخ (علي إحسان محمد مجاهد) [67 عاماً] والشيخ (صلاح الدين قادر تشودري) [66 عاماً] العضو السابق في البرلمان عن حزب بنغلاديش القومي الذي تزعمته رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء، وذلك على خلفية إدانتهم فيما وصف بجرائم حرب، وقتل لكبار المثقفين في البلاد.. يعد مجاهد ثاني أرفع عضو في حزب الجماعة الإسلامية، أكبر الأحزاب الإسلامية في بنغلاديش.

وقد قامت الحكومة البنغلاديشية -علمانية التوجه- بقتل مئات من المحتجين والمعتصمين في الميدان الرئيسي بالعاصمة "دكا" وسجن قرابة الخمسين ألفاً، وذلك عقب تظاهرة مليونية نظموها، مطالبين فيها بإسقاط الحكومة وبقانون جديد ضد التهجم على الإسلام، كما تأتي أيضاً بسبب انتهاك الحكومة للحريات وتضييقها على المعارضين، وحكمها على الكثير منهم بالسجن والإعدام؛ علاوة على سماحها للعلمانيين بسب الإسلام ومقدساته.
ومما يؤسف له أيضاً أن حكومة بنغلاديش أصدرت قراراً بأنها ستحيل للمحكمة الخاصة كل من يؤيد المتهمين من قادة الجماعة الإسلامية، ويطالب بإطلاق سراحهم، أو عدم محاكمتهم، أو حتى مجرد الدعاء الصريح في المساجد بتفريج الله عنهم.

يذكر أن عدداً كبيراً من الشيوعيين في وزراء حكومة بنغلاديش -وهم لا يقلون عن نصف عدد الوزراء- يضغطون على الحكومة للقضاء على الجماعة الإسلامية، وتضييق الخناق على قادتها، علماً بأن حكومة بنغلاديش الحالية قامت بحذف البند الأساسي من دستور البلاد، وهو الإيمان بالله وتكوين العلاقة مع الدول المسلمة.
وقد كشفت أوجه هذه المؤامرة عبر ما يسمى بفضيحة سكايب (Skype) وذلك بما حصلت عليه جريدة إكونوميست اللندنية من تسجيلات صوتية لرئيس محكمة الجرائم الدولية البنغلاديشية مع أحد المحامين الموالين للحكومة عبر سكايب (Skype).

ولقد كان أول أمير للجماعة الإسلامية في بنغلاديش بعد الاستقلال هو الشيخ (غلام أعظم) الذي وقف حياته في سبيل الدعوة إلى الله تعالى ولإعلاء كلمته، وعانى من السجن عدة مرات، وأكره على الإقامة بخارج البلاد حوالي ثماني سنوات، وسلبت جنسيته.
وتعاقبه الشيخ (مطيع الرحمن نظامي)، وكان وزيراً الزراعة ثم الصناعة سابقاً؛ حيث أجرى إصلاحات كبيرة في هذين المجالين. كما دوّن نظامي قرابة 50 كتاباً ومقالة، بصفته كاتباً ومفكراً وعالماً، وقد أعدم أيضا مؤخراً.

وقد دعا كثير من النشطاء "منظمة التعاون الإسلامي" إلى إصدار بيان علني يدين النشاط غير القانوني لحكومة بنغلاديش، واستضافة اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلام، وانتقاد ما يسمى المحكمة الجنائية ببنغلاديش بأنها عملياً غير متناسقة مع المعايير الدولية.. لكن لا حياة لمن تنادي، بل جاءت ردود فعل البلدان المسلمة محدودة على تنفيذ أحكام الإعدام.
ولم نجد موقفاً مشرفاً سوى الموقف التركي؛ حيث ندّدت الخارجية التركية بشدة -في بيان لها- بتنفيذ السلطات البنغالية حكم الإعدام الأخير بحق نظامي، وأمر الرئيس أردوغان بسحب السفير التركي.

وقال أردوغان معقباً على إعدام الشيخ مطيع، في كلمة ألقاها أمام حشد من المواطنين خلال مراسم افتتاح عدد من المشاريع الخدمية، في ولاية "قوجة إيلي" شمال غربي البلاد، إن "هذا الحادث لو وقع في الدول الغربية لأقاموا الدنيا، لكن لأن المعدوم هنا زعيم مسلم لم ينبسوا ببنت شفة".

وأضاف: "الذين ينتقدون تركيا يومياً بسبب صدور أحكام قضاء، رغم عدم وجود عقوبة للإعدام بها، ولما تقوم به من عمليات أمنية ضد الإرهاب، يغضون الطرف ويصمون السمع عن تنفيذ حكم الإعدام الأخير في بنغلاديش"، واصفاً ذلك بـ"غياب الضمير، وعدم الإنصاف، والرياء".

كما وجهت منظمة "هيومان رايتس ووتش" انتقادات للمحكمة التي أصدرت الحكم، معتبرة أنها منحازة تجاه الادعاء العام؛ حيث منع الدفاع من استدعاء شهود مهمين للإدلاء بشهاداتهم، من بينهم شهود في قضية "تشودري" كانوا سيثبتون براءة الشيخ.

وتقرير حقوق الإنسان 2009 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية -من بين مصادر أخرى- يوضح أن النظام في بنغلاديش أوجد حكماً يقوم على الرعب في جميع أنحاء البلاد؛ حيث الثأر السياسي، وإنشاء زنزانات التعذيب في المؤسسات التعليمية وغيرها، وازدياد حالات الاغتصاب للمسلمات، وتصاعد أعمال العنف والقتل للمعارضة.

تعد بنغلاديش ثالث أكبر بلد مسلم في العالم بعد إندونيسيا وباكستان (أكثر من 145 مليون نسمة)، ومع ذلك يتحول دينهم الإسلام إلى دين أقلية يوماً بعد يوم، حتى يحرموا الحرية الدينية، ولكي تصبح بنغلاديش مجتمعاً علمانياً تنتشر فيه حرية التدين، ومن ثم التحول إلى غير الإسلام؛ حيث تمر بنغلاديش بمرحلة انتقال كبيرة من مجتمع مسلم ليبرالي إلى مجتمع علماني متطرف.
جدير بالذكر أنّ بنغلاديش نالت استقلالها عن باكستان عام 1971 نتيجة حرب داخلية بين شرق وغرب باكستان التي نالت استقلالها عن الهند في عام 1947.

وعقب مطالبة جزء من قاطني شرق باكستان بالاستقلال عن الدولة، قامت الحكومة في إسلام أباد بإرسال قوات إلى تلك المناطق، الأمر الذي أدّى إلى نشوب حرب داخلية، وأسفر عن نزوح قرابة 10 ملايين باكستاني باتجاه الهند.

ودفعت هذه العملية الحكومة الهندية، في ديسمبر/كانون الأول عام 1971، إلى احتلال شرق باكستان المعروف حالياً ببنغلاديش، وإعلان دولة بنغلاديش فيه، بعد صراع دام لمدة تسعة أشهر راح ضحيته أكثر من ثلاثة ملايين مسلم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد