يظل البشر مفتونين بالبداية والنهاية.. بالماضي والمستقبل.. لأسباب متعددة.. يسبحون في ذاكرتهم المجسمة، ويغوصون فيها بواقعها المادي النابع من هوية تشكلت بتركيبة أحداث مستمرة وحلقات متداخلة لتخلق على درب نزعة إثبات الوجود المتغلغلة في وجداننا دولة ذات سيادة عظمى ووزن ثقيل، أدت على نحو طبيعي نحو خلق أفق أكبر، ومساعي التقدم إلى المكان الطبيعي.
وفي غمرة محاولاتنا لاستجلاء تاريخ هذه البلاد.. تاريخ هذه الدولة السامية بشعبها، بمخلصيها، وبملكها المحنك..
اكتشفنا باستمرار أننا كيان متشبث بجذوره، منفتح على القيم الكونية الفضيلة، له نفس تواقة إلى الموت والحياة من أجل وطنه.. ويسعى برغبة قوية وإرادة جارفة نحو بناء حاضر قوي، مميز لردء الآثار العميقة لاستبداد الماضي القريب بعد أن ضاقت بنا الأرض وما حوت.
وصحيح أن استرداد تاريخ هذه الأمة المجيدة بكيانها يشعرنا بإحساس لطيف، لذيذ، يسري إلى سراديب النفس موحياً بعظمة هذا الوطن الذي تنفسنا منه ومنحنا هويته.. لكن هذه اللحظة تغدو عابرة وتندثر حين تضيع في حاضر أمة خلقت طريق لديمقراطية حاكمة وتسارعت نحو تحقيق إنجازات حضارية بعد أن لبت نداء ملكها: "شعبي العزيز، أخاطبك اليوم؛ لنجدد العهد المشترك بيننا بدستور جديد، يشكل تحولاً تاريخياً حاسماً في مسار بناء دولة الحق والمؤسسات الديمقراطية".
ودوماً، كان الزمن سخياً مع هذا الوطن كأنه مجلس من مجالس ذكر الأمل، وكانت الأقدار تشرق شمسنا بإشراقة نصر وأمان وعز.. أرهقتنا أهوال فترات أوجدتها الظروف، فرضينا فيها بنصيب من الضياع.. لكن ما فتئنا نزيل هذه الشوائب، وما ترددنا في إزالتها فوراً.. فلم نسمح لأعداء الوطن بالتطاول علينا، وضربناهم بحنكة ورؤية شفافة لحكيم أمتنا وتحت قيادته الرشيدة الجامعة لخصال الأخلاق وحكم التجارب، فسخر قوته لخلق دولة لها مستقبل مأمول بكل أماني الرقي، وأصبحت هويتنا ومسقط وجداننا في حفظ وصون، ولم يعُد في الواقع ما يكبحنا سوى عراقيل بسيطة قد بدأت في التلاشي وهجمات أعداء يشاطرنا الشهيق والزفير حتى نصل إلى درجة عالية، هي بلا ريب، مكاننا الطبيعي.
وما يسترعي الانتباه في شعب هذه الأمة هو أنه شعب لا يلين ولا ينكسر، شعب تنحني له الرؤوس إجلالاً لعزيمته في عملية البناء، وحمايته لأسس النظم والمكتسبات الزاخرة بالقيم الإنسانية والحضارية لمشروعه المجتمعي.. فلم تعصف به رياح التهور، بل ظل كعادته شعباً عظيماً، متمرساً في بلورته لقيم سرمدية ألفها من ثوابته العريقة.. فجعلته ينعم راغداً بخيراته في سلم وأمان وعز وازدهار.
وكي لا ينفذ بنا عشق هذا الوطن إلى نسيان غياهب الظلام بسائر تناقضاته والجور المسلط على أمة أرادت أن تركب موجة الرقي وتقوى على مجابهة البؤس الآني في تلك الفترة التي امتلأت ناراً ودماً وجعلت عين المحب جمالاً، وجمال وطننا بديهي متناثر في دم كل مواطن يهوى ترابه المقدس، فاستشعر نداء المستقبل واختار الانتقال المتوازن المهيكل بإرادة وازنة واختيار عميق لا رجعة فيه، فتبلورت تحت لواء الإيمان بملك عظيم وقائد عبقري قل ما يجود بأمثاله الدهر.
سيداتي سادتي: إننا نصنع التاريخ، نفتح دروب المستقبل، نصنع الكيان بتمرس، نعجنه من تراب الأمة، انغمسوا في هذه اللحظة باستشراف، احملوا هموم الوطن بحب، وتعالوا عن سفاسف الجمال وأعداء الأمة، واجعلوا كلمة الأم تيريزا: "ينبع الحب من ربوع الوطن الجميلة، ليس المهم كم من الحب نكن لهذا الوطن أكثر من الأمور التي نفعلها من أجل وطننا" منبعاً يتوافق مع جذور قوميتنا.. وفي الأخير الحمد لله على نعمة هذا الوطن، وكفى بها نعمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.