ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فأحياناً الأحلام تكون سبيلاً للوصول إلى أهداف أكبر، وأحياناً تتغير بتغير التفكير والزمان والمحيط، فتصبح هذه الأخيرة مجرد دعابة في شفاهنا نتذكر فيها براءة تفكيرنا بالماضي، أو تصبح مجرد خربشات على ورق كتبناها في مجلد، نستعين بها على تطوير أسلوب حياتنا كلما فتحنا تلك المذكرة، فلا الأحلام تظل كما هي، ولا الإنسان يبقى كما هو، والجميل في الأمر أن الإنسان بعد كل حلم يتمناه يجد نفسه لا يشبع من تخيل الأماني، ويريد أن يحققها كلها، لكن هناك مَن يستطيع أن يحقق جزءاً منها، وهناك من يصل به الأمر إلى الاستسلام بحكم واقعه ومحيطه، وهناك من يحقق حلمه ويتعدى لتحقيق حلم أكبر، ويبقى الرضا في تحقيق ذلك الهدف مبنياً على طبيعة الناس، فنجد أن البعض يرضى بنسبة 10 في المائة؛ لأنه حقق جزءاً من هدفه، ويفرح 100 في المائة، ونجد مَن يرضى بـ40 في المائة، لكن يفرح بنسبة 50 في المائة، وهناك من يحقق بنسبة 80 في المائة ويفرح بنسبة 10 في المائة، فتفاوت تفكير الناس ورغبتهم في تحقيق أحلامهم وأهدافهم يرتكز بالدرجة الأولى على مدى قوة إرادتهم وصلابة عزيمتهم وقلوبهم، والشخص الناجح هو من يترك الجميع يتساءل من هذا الشخص؟ وإلى أين يريد أن يصل؟
هنا كانت بدايتي؛ حيث أتذكر لما كنت بالإعدادي والثانوي أوهم نفسي والمجتمع أني سأصبح وزيرة الإعلام بالجزائر وسأصلح وأطور الإعلام، حتى لما كان أستاذ المادة يسأل عن طموحاتي، أقول له: أنا وزيرة الإعلام، وأصبح هذا الحلم يراود تفكيري، كنت أعتقد أن أعلى المعدلات في الامتحان ودراستي للإعلام ستكون وسيلة لبلوغ ذلك، حتى إنه في سنة تخرجي بقسم الإعلام كان الأساتذة المشرفون علي ينادونني "لويزة الوزيرة"، وأذكر أنه في مذكرة تخرجي كتب أحد الأساتذة بأول صفحة بمجلدي، ستصبحين وزيرة وستنجحين وتصلين، لكن المكوث في القمة لن يدوم طويلاً، وستواجهين مشاكل جمة ستقيدك عن حلمك، أجبته بكل قوة وعزيمة: يمكنني تحمل المسؤولية والتحدي.
لم أكُن أدرك كلامه في ذلك الوقت، ربما لأني لم أعش تجربة الصحافة ولم أتعرض لضغوطها، ربما لأن طموحي كان كبيراً لدرجة أني تخيلت الأمر سهلاً، أذكر فقط أني كنت دائماً أردد: سأكون الوزيرة وأطور الإعلام الجزائري وأجعله ينافس الإعلام الأجنبي.
كان هذا حلمي بعيد المدى، الذي كنت أشتغل وأطور من مهاراتي وعلاقاتي حتى أصل له، خلال تلك العشر سنوات اشتغلت بالإعلام والصحافة والتقيت أناساً كثراً وتعرفت على صحفيين، وناقشت مسؤولين، وشهدت عدة حوادث وتظاهرات، لكن كل مرة أجد نفسي أطرح سؤالي: هل هذا يكفي لأصل إلى هدفي؟
بدأت بالتفكير بالعمل خارجاً لأتعلم مهنة الصحافة أكثر ببلد ثانٍ، لم تكن إمكانيات أبي وإمكانياتي تسمح لي بذلك، انضممت إلى اتحادات وجمعيات دولية ووطنية لأسهم في تطوير الإعلام ونشر الوعي والفكر، وبدأت بتكوين علاقات مع شخصيات عالمية ومميزة، لكن بقي السؤال مطروحاً: هل هذا يكفي؟
وحتى لما جاء القانون السمعي البصري في الجزائر، وتم الإعلان عن القطاع الخاص، فرحت كثيراً كما فرح كل الصحفيين والإعلاميين بالجزائر، لكن بعد مدة وجدنا أن الانفتاح لم يكن إلا وسيلة لأصحاب الأموال والمستثمرين حتى يستثمروا بالصحفيين وينشروا رسائلهم ويربحوا تجارتهم.
لم نجد ولا قناة تهتم بتطوير الإعلام أو تتصف بالمصداقية أو بالأسس العالمية التي تستطيع أن تنافس بها القنوات العربية أو الأجنبية، وهنا قررت أن أتوقف عن الصحافة لوهلة، أردت أن أستجمع شتات تفكيري وأجيب عن كل تساؤلاتي، هل صحيح أني أريد أن أكون وزيرة؟ هل يمكنني الوصول إلى ذلك؟ هل طريقتي صحيحة؟ هل قولي بأني سأكون وزيرة سيفتح لي الطريق لتحقيقه؟؟ والكثير من التساؤلات…
وذات صباح استيقظت وأنا أردد: لا أريد أن أكون وزيرة، أريد أكثر من ذلك، أريد أن أصل بنفسي وتفكيري إلى العالمية وليس فقط بالجزائر، حتى وإن أصبحت وزيرة، فسيكون ذلك لفترة قصيرة من الزمن قد لا تتجاوز السنة أو السنتين، وسيأتي من يخلفني، إذن هل الوزارة هي حلمي الذي أسعى إليه؟ وهل سيمكنني من إيصال رسالتي؟
لا وألف لا… لن أكون وزيرة الإعلام بالجزائر.
بدأ تفكيري يتغير ويبحث عن بديل لحلم أكبر وأفق أعلى، أريد شيئاً لا يموت بموتي، أريد فكراً يخلد بعدي، أريد هدفاً يلهم كل الناس، أريد قرارا يجعلني فخورة بنفسي ويجعل أبي ومجتمعي والمحيطين بي وحتى الذين لا يعرفونني فخورين بي، بحثت عن ملهمين، عن أفكار، وعن إجابات…
ابتعدت عن الناس وعن المحيط، أراقب فقط من بعيد، من سيكون الفاصل للوصول إلى الهدف الذي أتمناه، لكن الله أراد أمراً آخر، أمراً سيساعدني على تحقيق كل أمنياتي، وكانت بداية قصتي الثانية وكيف عرفت ماذا أريد؟ كنت أتابع الفيسبوك، لأجد إعلاناً للمخرج محمد بايزيد عن دورة في الإخراج السينمائي بإسطنبول، اهتممت بالموضوع، لكن ليس من باب تحقيق حلمي، بل كان هدفي من الذهاب إلى الدورة هو رغبتي في لقاء محمد، والنقاش معه في مواضيع العمل، غير أن محمد كان ملهماً لي؛ حيث كان هو الفاصل لأعرف ما أريد، كنت كلما أتأمل حديثه ولهفته لهذا الفن وأسلوب حواره ومناقشته، أتساءل: هل لهذه الدرجة السينما تفتح آفاقاً وتوصل رسالة؟ بدأت في التعمق أكثر والبحث عن السينما وعن المخرجين العالميين وعن الأفلام، بدأت حينما أشاهد فيلما لا أركز بأحداثه أكثر ما أركز بتفاصيل تصويره وزواياه، وكيف أن المخرج استطاع توصيل رسالته وتأثيره في الناس وتغيير أفكارهم.
هنا كانت نقطة التحول وعرفت مسار حياتي: أنا لا أريد أن أصبح وزيرة، أنا أريد أن أكون صانعة أفلام ومخرجة عالمية ناجحة، أريد أن تصل أفكاري وأفلامي وسيناريوهاتي إلى قلوب الناس، هنا عرفت ما أريد وماذا عليَّ أن أفعل لأغير تفكير الناس، وأن ألهم العالم، وأن تكون الأفلام هي الوسيلة العالمية للتأثير والتغيير، فإذا استطاع فيلم هاجر لمخرجه محمد وبطلته سيرين أن يوصل رسالة مختلفة عن الهجرة ويؤثر في قلوب الناس، فأنا أستطيع بفيلمي أن أغير نظرة العالم لزواج القاصرات وأن أحارب هذه الظاهرة، وإذا استطاع ليوناردو دي كابريو الفوز بالأوسكار بعد محاولاته 12 مرة، فأنا أيضاً يمكنني إنتاج أفلام ستصل إلى الأوسكار والعالمية وستخلد وستبقى محفورة في ذاكرة كل من يمر بها.
إذن ارفعوا سقف أحلامكم، وابنوا خططكم الناجعة، فما خاب مَن استشار، وما خاب من تيقن بالله، فالقرار بأيديكم والحلم أنتم من تصنعونه بإرادتكم وعزيمتكم وصبركم مهما كانت الظروف.
#أحلامنا وأفلامنا نحن من سيصنعها
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.