نستيقظ كل يوم، نقوم بما اعتدنا القيام به ونفتح أبواب منازلنا.. ننطلق عبر تلك الطريق لنعيش يومنا، تأخذنا شواغل الحياة.. تلك الحياة سريعة الأحداث؛ إذ إنها بلغت من سرعتها أننا غالباً لم نجد وقتاً لنتوقف فنسأل: كيف وصلنا إلى هنا؟
العجب وكل العجب من التغيرات التي تطرأ علينا عاماً بعد عام.. حينما أفكر قليلاً فيما أنا عليه الآن، وكيف وصلت إلى ما أنا عليه، بغض النظر عما إذا كان الحال الذي وصلت إليه جيداً أم لا..
أنظر في أحوال الأصدقاء أو رفقاء الطفولة أو حتى أسأل عن زملاء المدرسة.. أين هم الآن؟؟ كيف أصبحوا ما هم عليه الآن؟ وإذ بي أزداد تعجباً وأنا ابن 23 ربيعاً عندما أكتشف أن الكثير من الزملاء والأصدقاء أو حتى المعارف قد غيبهم الموت… وهم في عمر الزهور أو أقل قليلاً.
أدخل إلى صفحتي على الفيسبوك لأراجع قائمة الأصدقاء والرسائل القديمة.. لأجد أن هناك مسافة كبيرة تفصلني عن الكثير من الأصدقاء وهم مستقرون في دول أخرى لأسباب مختلفة.. كيف وصل فلان إلى أن أصبح تاجر مخدرات؟!
ما الذي مر به زميلي في المدرسة لكي يصبح مقاتلاً في أحد أطراف الصراع في ليبيا ويخسر حياته من بعد.. تنبهر عيني بما أصبحت عليه أنا والكثير ممن حولي، أصبحنا رجالاً نتكلم فيما لم نكن نتخيل أننا سنتكلم فيه في صغرنا ونفكر فيما اعتقدنا أنه لن يثير انتباهنا يوماً من الأيام.
يوقظني عقلي ليقول لي: ليس الأمر كما تشاء يا صديقي.. لقد مررنا جميعاً بالكثير من الأحداث التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.. تلك الأحداث واللحظات التي ربما مرت سريعاً؛ لتمضي الثواني والدقائق سريعاً حتى نكتشف انها تجمعت لتصبح أياماً وشهوراً بل وحتى سنوات.. ومعها تجمعها تجمعت مشاعرنا وأفكارنا وذكرياتنا وعلمنا لتصبح نحن.. فما نحن أجسادنا إلى وسيلة للتعبير عن معتقداتنا وأفكارنا وما تكون لدينا من مبادئ عبر السنين.. نحن لا نملك وسيلة للوقوف أمام كل هذا السيل العارم من تأثير الكتب والأفلام والمدرسة والمجتمع والأسرة والأقارب والأصدقاء والتلفاز وإلى نهاية ذلك من قطرات ذلك السيل، لكننا نملك القدرة على إدارته، وتحويل مساره، بل وتوظيفه فيما نشاء بدل الغرق فيه.
فإذا استطعت حفر قنوات تكفيك للتعامل باعتدال وتوازن مع تراكمات الحياة المختلفة، استطعت أن تستفيد من هذا السيل؛ لتنبت به زرعاً يختلف في لونه ونوعه عن آخرين استطاعوا أيضاً أن يقوموا بالمثل.. وآخرون غرقوا في ذلك السيل، ولم نعد نرى منهم شيئاً، ولو أيدٍ نمد إليها عصى تساعدهم للنجاة إلى اليابسة.. عجيبة تلك الجنة التي رواها وأنبتها السيل، وعجيب ذلك الطوفان الذي أخذ الكثيرين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.