آخر كلمة وجهها جورج دبليو بوش إلى مسامع الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2009 "It's all yours"، أي بمعنى "أصبح كل شيء ملكك"، والمعنى الحقيقي الذي يقصده بوش هو "أصبحت الآن من تمسك بزمام الأمور"، يبدو أن أوباما، النزيل الجديد في البيت الأبيض، وقتها ترجم هذه الكلمات التي تلقاها من سلفه إلى:-
أولاً: ربيع عربي غير مكتمل الأركان تسبب في انقسامات مجتمعية لبلدان لم تكن يوماً تعرف معنى الفرقة بتاريخها مثل ما يحصل الآن في مصر وليبيا وسوريا.
ثانياً: تحالفات عربية وإسلامية غير واضحة الأهداف مثل التحالف الإسلامي العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والذي يضم 40 دولة عربية وإسلامية لمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله في الوقت الذي يفتك فيه الإرهاب بكافة أشكاله وألوانه في الأراضي السورية والعراقية منذ سنوات عجاف، هتكت الحرث والنسل ولم نرَ أي تحرك فعلي لهذا التحالف لردع قوى الإرهاب الناشطة هناك، سواء جماعات متطرفة أو أنظمة فاشية.
إضافة إلى تحالف 4+1 الذي يضم كلاً من "روسيا – إيران – سوريا – العراق – حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصر الله"، والذي يتخذ من العاصمة العراقية بغداد مقراً لغرفة عملياته -كما هو معلن عنه- ولا يخفى على أحد أن هذا التحالف هدفه الأول والأخير حماية نظام بشار الأسد الذي دمر سوريا أرضاً وشعباً بمساندة تحالف 4+1 من خلال زج ميليشياتهم الطائفية للمساهمة بإراقة دم الشعب السوري الذي ينشد التغيير منذ عام 2011، التحالف الدولي الذي يضم أكثر من 40 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والذي يهدف -كما أعلن عنه- إلى القضاء على تنظيم داعش في العراق وسوريا، ولكن الأيام أثبتت أن التحالف الدولي تشكل لحماية حلفاء الولايات المتحدة مثل الاحتلال الإسرائيلي والمملكة الأردنية الهاشمية وإقليم كردستان العراق كونها أراضي محاذية لمناطق توغل الإرهاب فيها.
ثالثاً: إبراز وشرعنة جماعات لها الكلمة الفصل خارج نطاق العرف القانوني الدولي على حساب التشكيلات العسكرية الرسمية، مثل حركة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن، والحشد الشعبي في العراق؛ حيث أسهمت هذه الجماعات في حدوث انقسامات كبيرة في المجتمع اليمني والعراقي، البعض يعتبرها ميليشيات إرهابية ومجرمة لا تختلف عن تنظيم داعش إلا بالتسمية، والبعض الأخر يعتبرها قوى تحمي مصالحهم ومقدساتهم.
رابعاً: انتشار السلاح في منطقة الشرق الأوسط خارج إطار القانون بشكل مخيف ومقلق جداً مثل الجماعات المعارضة والميليشيات الموالية في سوريا وليبيا واليمن والعراق؛ حيث كانت تصنع الأسلحة في السابق ليتم استخدامها في الحروب، لكن سياسة أوباما كسرت قواعد اللعبة في هذه القاعدة وحولتها إلى "تصنع الحروب ليتم بيع الأسلحة".
خامساً: انخفاض أسعار النفط بصورة مقلقة وغير متوقعة تسبب بخسارة فادحة لدول الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج العربي كونها تعتمد اعتماداً شبه كلي على تجارة البترول.
سادساً: ازدياد حالات الفقر بسبب الحروب التي أدت الى تذبذب أسعار صرف الدولار وانخفاض أسعار النفط والتهجير القسري من المدن التي أصبحت أراضيها حلبة لتصفية الصراعات، وقد أدت هذه الصراعات إلى دمار شامل لتلك المدن، مثل مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار غرب العراق التي دُمرت بنسبة تجاوزت الـ80% بحسب إحصائيات رسمية وأممية، ومدينة حلب مركز محافظة حلب شمال غربي سوريا، مما تسبب في إعادة مئات الآلاف من العوائل إلى مرتبة الصفر.
سابعاً: ازدياد حالات الهجرة غير الشرعية وطلب اللجوء في الدول الأوروبية من قِبل الشباب والكفاءات وأصحاب رؤوس الأموال، مما سيؤثر سلباً على البيئتين الطاردة والمستقبلة، بسبب التباين الكبير في طريقة العيش والاختلاف بالثقافات.
ثامناً: سياسة داخلية غير متزنة أثارت استياء الشعب الأميركي من الحزب الديمقراطي الذي يمثله أوباما، ساعدت على إفراز نموذج متطرف من الحزب الجمهوري مثل دونالد ترامب الذي يتفاخر علناً بعدائه للإسلام والمسلمين في كل مكان، وليس فقط في الشرق الأوسط.
تاسعاً: سياسة أوباما الخارجية طيلة فترة حكمه تسعى بوضوح كامل الأركان إلى تقويض التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية، وذلك من خلال توطيد العلاقة مع إيران وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني، وهذا ما زاد من تعقيد الأمور واتساع حجم الفجوة بين القطبين الإيراني والسعودي، الذي يعتبره أوباما المعنى الحقيقي لتوازن القوى بين الطرفين.
عاشراً: أوباما سمح للقوى الجيوسياسية، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية كأقوى لاعبين إقليميين متناقضين في المنطقة بالتدخل لإدارة اضطرابات ومشاكل الشرق الأوسط، من أجل تحقيق وعده الذي قطعه للشعب الأميركي وهو سحب جميع الجنود الأميركيين من العراق وأفغانستان خلال فترة حكمه، لكنه خسر الرهان وفشل بتحقيق وعده مع اقتراب نهاية فترة حكمه، ولا تزال القوات الأميركية منتشرة في كلا البلدين.
أشهر قليلة متبقية لأوباما لن تسعفه لصياغة إرث جديد له بالشرق الأوسط يخلد اسمه فيه، إلا إذا اعترف باستقلالية دولة فلسطين أو إعادة إيران إلى حجمها الطبيعي وحدودها قبل عام 2003 تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق الذي أوقد الضوء الأخضر لإيران بالعبث بدول المنطقة من خلال العراق، كونه البوابة الشرقية للمنطقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.