لمجلس نقابة الصحفيين الحالي السبق في عدة أمور:
ربما كان هذا المجلس الأقل مهنية في تاريخ النقابة، وهو الأكثر ميلاً للنشاط السياسي باتجاه أقصى اليسار، وهو الأول الذي يتحكم فيه السكرتير العام لا النقيب، وهو الأكثر الذي يفرض فيه الموظفون الإداريون سطوتهم في جزء من صناعة القرار، وهو المجلس الأقل هيبة في تاريخ النقابة مع الدولة ومع الجمهور، وأخيراً هو الأكثر معاداة للصحفيين المهنيين، وإهمالاً في حقوقهم، في حين أنه الأكثر محاباة للنشطاء وحديثي الأسنان الصحفية.
عدت إلى القاهرة منذ أشهر بعد سنوات قضيتها في الولايات المتحدة حصلت خلالها على عدة جوائز صحفية وزمالات رفيعة، وعملت مع صحفيين مهنيين من عدة دول، هم من علامات الصحافة العالمية الرصينة. تجربتي الصحفية أخذتني إلى وكالة "إنتر بريس سيرفيس" في واشنطن ووكالة "بلومبرغ" العالمية وتأسيسي وكالة "أميركا إن أرابيك" في واشنطن، ثم التدريس في جامعة ستانفورد علاوة على الجوائز العالمية والزمالات الأكاديمية.
وكان قرار العودة للقاهرة وبدء عدة مشروعات صحفية جديدة تعتمد على شباب الصحفيين بغرض المساهمة في تدشين صحافة عالمية راقية من مصر ترمي لنقل الصحافة مع زملائي المحترمين إلى صحافة المعلومة والبحث والتقصي وتمكين الجمهور الحبيب، وللابتعاد عن صحافة الرأي والثرثرة وابتزاز رجال الأعمال.
لم ألقِ بالاً للنصح المتكرر بعدم العودة إلى مصر لضياع المهنية وحرب الصحفيين أنفسهم على الناجحين والنابهين منهم، خصوصاً في نقابة الصحفيين، إلا أن حبي لوطني ومهنتي فاق ذلك.
صدمة نقابة الهواة والحاقدين:
وكانت أول محطة لي في غمرة حماسي بعد العودة هي إجرائية بتجديد "كارنيه" نقابة الصحفيين التي أنا عضو بها لما يزيد على 18 عاماً ظناً مني أنها على عهدها السابق من الاحترام والهيبة والوقار والرفعة وإعلاء قيمة الصحفيين.
في زيارتي لمبنى النقابة في عبدالخالق ثروت، كان في مخيلتي إحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم وعلي ومصطفى أمين وغيرهم من العظماء؛ لكن ما شاهدته لم يمكن نقابة الصحفيين التي عهدتها، ولكني عاينت "وادياً للمساخيط".
الموظفون يتعنتون يتعالون ويمنون على الصحفيين بشكل غير مسبوق لم أعهده في كل سفرياتي أبداً في أي مكان يتعامل مع الصحفيين. عدوانية غير آدمية ومراوغة مؤسسية، خصوصاً من مكتب السكرتير العام. الموظفون يتعاملون بلغة الإشارات والغمز والرسائل الكودية كأنهم في مركز استخباراتي.
وكانت المفاجأة الأكبر أن هناك قراراً مدفوناً غير معلن بمنع تجديد كارنيه النقابة لي شخصياً بحجة لم أسمعها من قبل وهي عدم دفعي "اشتراك النقابة لمدة خمس سنوات" أثناء سفري.
لم أتصور أبداً أن إنجازاتي الصحفية هي السبب.
اتصلت بيحيى قلاش في صيف 2015 معتقداً حرصه على الصحفيين وعلى العمل الصحفي والحفاظ على الناجحين عمليا، لأجد الأمر يحال إلى المسيطر الحقيقي في النقابة وهو صحفي بصحيفة قومية عرفت لاحقاً أن اسمه جمال عبدالرحيم، ويساعده في التحكم في النقابة مديرها الإداري موظف اسمه سعيد حسني.
حرية الصحافة المزعومة:
خرجت من النقابة وأنا على يقين أن الأدوار الثلاثة الأولى في نقابة الصحفيين هي مكان يهيمن عليه الخوف، هي أكثر ثلاثة أدوار ربما في العالم كراهية للنجاح الصحفي وأعنفها غيرة وحقداً عليه.
شعرت أن التجربة كانت "قلة قيمة" وشعرت بخطأ انحداري للتعامل مع هذه المنظومة المدمرة مهنياً.
حديثي مع يحيى قلاش وعبدالرحيم لم يختلف ولو لبرهة عن حوار مدير النقابة الإداري، لا فرق بين صحفي وإداري، حينها أدركت أن هذا المجلس هو مجلس قلم الأرشيف لا صحفي ولا مهني ولن يفهم معنى الإضافات الصحفية والمعلوماتية. إذاً من يدفع خمس سنوات هو الصحفي ومن يعمل صحفياً دولياً ليس مهماً.. منتهى الانحدار.
"أب يورز"
الحقيقة كان رد فعلي الأولي رد فعل أميركياً بحتاً؛ حيث قلت لهم في ذهني طبعاً "تجديد كارنيه النقابة ده أب يروز" لست بحاجة إليه.
فأنا لم أحصل في تاريخي على بدل النقابة الذي تقاتل عليه أمثال أعضاء مجلس النقابة في بداية حياتهم، ولم أسعَ خلف أية مزايا تقريباً من النقابة لعدم حاجتي لها، واعتقادي أنها تقلل من الاستقلال الصحفي، نجاحي في الولايات المتحدة يكفي من كل النواحي تقريباً، إذاً "أب يورز".
أزمة "الداخلية":
غير أن أحداث النقابة الأخيرة لفتت نظري إلى أمر مهم وهو أن ذلك المجلس تخطى حدود المهنة إلى إحداث الضرر فعلاً، وأنه لا يجب تسليم رقبة الصحفيين المصريين لمثل هذا المجلس المخرب للمهنة.
مجلس عبدالرحيم يتصرف في المكان كسيارة ملاكي موديل العام.
شعارات الحرية والصحافة التي رفعها في الأزمة الأخيرة مع الداخلية هي حق يراد به باطل، وهي ابتزاز دنيء للنظام الحاكم في مصر، بغض النظر عن الاتفاق معه سياسياً أم لا.
إن قرار معاداتي من مجلس النقابة لم يكن مجرد حقد مهني، لقد فتحت النقابة إذاً أبوابها لغير الصحفيين في الاحداث الأخيرة، بل تحرك يحيى قلاش ودفع جموع شباب الصحفيين من أجل موقف سياسي محض لا مهني.
إذا كان المجلس يدافع عن الصحفيين حقاً فما موقفهم من وجود نقابيين في السجن مثل الأستاذ مجدي حسين مثلاً؟
ومجلس النقابة إذاً المكون من 12 شخصاً يسمح لصغار المبتدئين بالانضمام إلى النقابة في خطة ممنهجة -لإحلال النشاط السياسي اليساري محل المهني- طالما انتموا لهذا التوجه.
دور موضوعات التمويل والفساد:
إن الأحداث الاخيرة فتحت عيني أيضا على أن الانتماء السياسي لمجلس عبدالرحيم هو السبب الفعلي في معاداتي وفي الموقف الأخير مع الداخلية؛ حيث إن وكالة "أميركا إن أرابيك" التي أسستها في واشنطن كانت الكاشف لتمويل النشطاء السياسيين في مصر في سلسلة الموضوعات الرائعة التي لاقت رواجاً جماهيرياً منقطع النظير في أواخر 2011 وبدايات 2012، والتي كشفت الوكالة فيها أسماء المنظمات التي تتلقى تمويلاً أميركياً مستتراً.
كما كشفت وكالة "أميركا إن أرابيك" أسماء بعض الصحفيين والناشرين الممولين وأسماء بعض النشطاء في أقصى اليسار الذين يهيمنون أيديولوجياً الآن على مجلس نقابتي.
وهنا اتضح أن نقابة الصحفيين تحولت لمجلس انتقامي يعاقب -على إمكاناتهم المهنية المتواضعة – المخالفين لهم في العمل المهني والمخالفين لأيديولوجيتهم السياسية، بل والمتفوقين عليهم صحفياً.
لقد استطاع المجلس الحالي إخافة الصحفيين من الداخلية على الرغم من أن انعدام هيبة المجلس وانخراطه في العمل السياسي وتجميع الصغار والمساخيط حوله هي من جرأت الضباط على دخول النقابة في المقام الأول.
وعلى السابق أحب أن أشرك الجمهور في الأخبار التالية:
أولاً: عزم وكالة أنباء "أميركا أن أرابيك" على استئناف سلسلة التمويلات الأجنبية قريباً رغم كل الصعاب والمشاكل، فولاؤنا للجمهور المصري لا لمجلس النقابة مهما بلغت "ألاعيبه" السياسية ودسائسه وطعناته من الخلف.
ثانياً: سيتم الكشف عن تمويلات أجنبية طالت وسائل إعلامية مصرية تدعم مجلس النقابة الحالي.
ثالثاً: الانضمام لأي مجهود لحل المجلس الحالي وسحب الثقة منه ومحاسبته واعتبار قراراته السابقة غير مهنية وملغاة.
رابعاً: الاستمرار في خطط المشاريع الصحفية في مصر وجذباً لشباب الصحفيين من محبي العمل المهني الحقيقي. فلا يمكن للصحفي المعلوماتي الحقيقي أن يكون ناشطاً سياسياً له أجندته ويحصل على حماية المجتمع والقانون في نفس الوقت.
خامساً: الدعوة إلى مجلس نقابة جيد وجديد يساعد في ترسيخ القيم الصحفية والحصول على تعهدات من المؤسسات المصرية بما فيها وزارة الداخلية باحترام العمل الصحفي والنقابي الحقيقي وتقديم كافة التسهيلات لأداء الصحفيين لأعمالهم.
إن مجلس النقابة فر من الكبار والعمالقة وارتمى في أحضان "المساخيط"، ولن نسمح أن تتحول الأدوار الثلاثة الأولى في مبنى نقابة الصحفيين في "ش عبدالخالق ثروت" إلى "وادٍ كامل للمساخيط".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.