نرى ونسمع يومياً أخباراً حول العالم عن جرائم وأفعال عدائية يندى لها الجبين؛ لأسباب عنصرية بحتة، من قبل متطرفين وأشخاص لا يمتّون للإنسانية بِصِلة، ولكن للأسف هذه التصرفات السلبية المفضوحة ما هي إلا قِمّة جبل الجليد الظاهرة للعيان.. وما خَفِيَ أعظم..
هناك أفكار عنصرية دفينة داخل كل شخص لا يكاد يسلم منها أحد، فالعنصرية تبدأ بالاستكبار (بنظرة الإنسان لنفسه على أنه أفضل من غيره) وهي صفة موجودة داخل النفس البشرية الأمّارة بالسوء، ربما لا يمكن التخلص منها بنسبة 100%، ولكن من الممكن مجاهدتها ومغالبتها. هذا الاستكبار يفرز أفكاراً تجاه الغير الأقل مرتبة (بحسب رأي المستكبر) وهذه الأفكار إن غُذّيت قد تترجم لأفعال.. تختلف حدّة الأفعال من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، بحسب قوة أو ضعف الشخص، وبحسب التزامه بمبادئ وأمثلة عليا أو عدم التزامه.
للأسف الشديد، معظم مجتمعاتنا هذه الأيام جُبِلَت على أفكار سلبية عنصرية بشكل أو بآخر (لن نتطرق في مقامنا هذا للأسباب)، وهنا نأتي لعنوان المقال، فهناك في حياة كل شخص منا قوالب جاهزة معدّة مسبقاً، قام بتفصيلها بحسب معاييره الخاصة، نُلبسها لأي شخص نراه، سواء بعلمه أو بدون علمه، شاء أم أبى، وقد نظلمه أو نبخسه حقوقه بناءً على قوالبنا هذه، سواء صَغُرَ هذا الظلم أو كَبُر، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
ننظر لشخص معين نظرة دونيّة، فقط لأنه يرتدي زيّاً تقليدياً لجنسية معينة، فمن شكل ملابسه فقط حكمنا عليه بأنه مِن هذه الجنسية الأدنى منّا مرتبةً (بحسب قالبنا الجاهز).
نفرض مسبقاً على شخص بأنه فقير أو غني من نوع المركبة التي يستقلّها، وقد نترجم هذه الفرضية لأفعال، فغالباً لن نعامل الاثنين بنفس المعاملة.
فلانة ليست أهلاً لوظيفة معينة فقط لأنها أنثى دون النظر لخبراتها.
لا يمكن أن نقبل بفلانة زوجة لابننا لأنها من بلدة صغيرة أو من عائلة (ليست كبيرة) أو لأنها مُطلّقة فهي حتماً دون المستوى، دون النظر لباقي الصفات.
إن زيداً أو عمراً من عائلة (فقيرة) أو (محدثة النعمة) أو والده أو أحد أجداده لم يكن شخصاً جيداً فهذا مأخذ عليه.
إنّ فلاناً كان ميسور الحال، ولكن تجارته خسرت مؤخراً ورُفِعت عليه دعوى قضائية في المحاكم، فاقرأ عليه السلام، لا يمكنك الوثوق به مطلقاً مرة أخرى (طبعاً دون التبحر في أسباب خسارته).
فلان يُحكى عنه أنه يعامل زوجته بالسوء (قيل عن قائل دون تثبّت)، فنظن به السوء وخصوصاً أنه رجل، وكل الرجال سواء.
فلان لم يكمل دراسته، من المؤكد أنه غير متفتح وغير مثقف ولا ينفع لشيء.
والأمثلة عصيّة عن الحصر، ولكن خلاصتها كالتالي:
لدينا قوالب جاهزة، كل قالب له صفات محددة مسبقاً (غالباً سلبية)، يكفينا أن نرى في شخص ما صفة واحدة من هذه الصفات حتى نُلبسه باقي الصفات ونحكم عليه بناءً عليها، ونبني تصرفاتنا تِبَعاً لحكمنا عليه جوراً وعدواناً.
نحن لا نعلم الغيب، ولا نعلم أسرار البيوت وخفاياها وما تحويه صدور الرجال وعقول النساء، فكم من أُناسٍ بذلوا حياتهم لتحقيق هدف معين، ولكنهم فشلوا، ليس لتقصير من قِبلهم ولكن لظروف مرّوا بها.
كم من شابٍ ترك مقاعد الدراسة ليعمل وينفق على أهله لسبب أسمى من العلم، ألا وهو كفاية أهله وإخوته شرّ السؤال.
كم من فتاة اضطرها الزمان للعمل، وخسرت فرصاً كثيرة لكونها أنثى لا أكثر.
كم من رجل قضى عمره بطلب العلم والعمل واكتساب الخبرات، ولكنه لم يستطع التخلص من سوء الصيت الذي لازم عائلته بسبب تصرّف قام به أحد الأجداد منذ عقود من الزمن..
من الظلم بمكان محاسبة الإنسان على أمور لم يكتسبها بعمل أو بتقصير، فلم يختر مكان ولادته ولا العائلة التي أنجبته ولا شكله أو لونه أو جنسه، إنما العبرة بما قدّم وفيما قصّر.
الناس ليسوا سواسية، فاختلافهم كاختلاف بصمات الأصابع، كلُّ شخص مكون من مجموعة صفات وخبرات مختلفة اختلافاً جذرياً عن غيره، حتى ولو تشابه اثنان في صفاتهما، يبقى التطابق مستحيلاً، علينا أن نؤمن بهذه الفكرة ونجاهد أنفسنا التي تُسرع بإصدار الأحكام العرفية يمنةً ويسرة، وعلينا تعلّم معاملة كل شخص على أنه كينونة فريدة من نوعها، ونغرس ذلك في أبنائنا عسى أن ننهض بمجتمع بعيد عن العنصرية ونرفع ظلمنا لأنفسنا، كثيره ويسيره، وما ذلك على الله بعزيز.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.