.. وقد ذكرت لنا الأخبار أنه في عامي أربعة عشر وخمسة عشر بعد الألفين، قد أصيب أغلب سكان أرض الشام بمرض مزمن عُضال، أعيا الألباب، وحارت في طبه العقول؛ أصيب الناس بمرض خطير أثَّر على الأفكار والتفكير، وأثَّر على قوانين السير والمسير، وغَيّرَ وجهات الكثير.
وقد عُرِفَ هذا المرض بـ(الفيزا ـ فرينيا) بكسر الفاء الأولى وتشديد الياء الثالثة، أي: متلازمة نقص الفيزا غير المكتسبة، وقد قال عنه بعض الفلاسفة وعلماء النفس، كابن الحَنَافي، بفتح الحاء والنون، نذير بن هاشم، وهو من أهالي هَجين، بفتح الهاء ومَد الياء وسُكون النون:
"إنه عُقدة الحُصول على الفيزا، وقد قصد الأطباء والمؤرخون بالتفييز حصول المحظوظ على تأشيرة لدخول بلاد أوروبا، وهي في التصنيف القديم (بلاد الفرنجة)، كما أوردها أبو نسيم صهيـب بن إحسان وغيره".
قد صنفته بعض المراجع تحت اسم (طاعون أوروبة)، نسبة إلى البلاد التي كانت سبباً في ظهوره.
وقد ذكر ابن كاطع عبد العليم بن علاء الدين، في مصنفه الكبير (رحلة المواطن العاثر وصولاً إلى قرية السنافر)؛ حيث أورد في مجلده التاسع في "باب طاعون أوروبا" في فصل "أحوال البشر والناس في زمن الشدة والبأس"؛ حيث قال: "مرت على الناس أعوام من الحرب، وسنون من الجدب، وجاء على العرب ربيع أقحط، ذاقوا بطش حكامهم، وويلات بُعدهم عن دينهم، حَارَ الناس في مقاصدهم، وتاه ذو اللب بلُبه، وتعب ذو المال بماله، وازداد الفقير فقراً، والجاهل جهلاً.
إلى أن جاء بعض الأعراب من أراضي أوروبا، يحكون عن بلاد جميلة، يُنصَف بها الإنسان، ويعيش بالكرامة حتى الحيوان.
كثيرة فيها العلوم والأرزاق، ويسودها الصدق والأخلاق، جمال نسائهم رهيب، ودلالهم عجيب، بلادهم نظيفة، وعقولهم رهيفة، ويعطون كل ذي حق حقه، ويعطفون على جميع بني البشر ويمدون يد العون لكل لاجئ، ويساعدون كل محتاج، وأجادوا في الوصف وبالغوا بالحوادث، وسار حديثهم بين الخلائق والناس، وصار يردده الجميع، يتداولونه في المجالس والجلسات؛ الكبار والصغار، والنساء والرجال، والجاهل والعالم، والغني والفقير.
حتى صار هذا الحديث شُغلَ الناس الشاغل، وتفكيرهم الدائم، وحديثهم الأوحد، وصارت تلكم البلاد مطمع العباد، ومنتهى أحلام الأولاد".
وبعد أن سمع الناس هذا الكلام، ورأوا أن حياتهم لم تعد على ما يرام، ازدادت رغبتهم في السفر إلى أوروبا، وشد الرحال إليها؛ حيث صارت قِبلة لطلاب العلم، ووجهة للتجار، ومقصد كل حائر.
طمع الناس في تلك البلاد، وقرروا حمل الحقائب والأولاد، وترك أراضي الآباء والأجداد، وبدأوا رحلة السندباد، يبحثون في شركات الطيران والرحلات البحرية، ويسألون بشكل جاد، فتفاجأ الناس والعباد، بأن تلك الأراضي والبلاد، بلاد مغلقة ويشترطون على كل داخل من المسلمين والعرب أن يحصل على فيزا للدخول.
وكما أوردنا سابقاً بأن الفيزا كما أوردها ابن سعدون ماهر بن غالب في مجلده الكبير (وحي القلم في نص البلم):
"هي تأشيرة للدخول إلى بلاد أوروبا وبعض بلاد العرب"، وقد عَرفها أبو سمير أحمد بن سمير الجَلبي، بتفخيم الجيم وفتحها، في مصنفه (التفييز إلى بلاد إبليس)، في المجلد الثاني، في باب تفاعلات الاندماج في وضع الحنّة والمكياج؛ حيث قال: "والفيزة بكسر الفاء مُعَرفها هي عبارة عن خَاتمٍ يُطبَعُ على جواز السفر، وأصبحت بعد عَهدٍ لصاقة تُلصق على إحدى صفحات الجواز، وجاء هذا الترتيب بعد حرب طاحنة عاشتها تلك البلاد سنوات طويلة، عُرفت في كُتب التاريخ بالحرب العالمية الثانية، وقامت تلك البلاد رويداً رويداً بتضييق الخناق، وشد الوثاق، ومنع التفييز على المسلمين والعرب، من بعد ما أحدثه بن لادن وفرقته في عام واحدٍ بعد الألفين".
وتاه العباد أياماً وشهوراً أمام أبواب المكاتب والسفارات، وتشردوا في الشوارع والحارات، وكانت تلك البلاد السعيدة، صاحبة الأخلاق الرشيدة، دعاة الحقوق والأخلاق، يرفضون كل من يتقدم، بعد أن ينهك في الطلبات والأوراق والأموال.
حتى التجأ الشباب وأصحاب العقول والألباب إلى رهطٍ من البشر، ومجموعة من الناس من مختلف البلاد والأجناس، برعوا في التهريب والتزوير، وأجادوا فن الحيل والتدليس، وكان أكثرهم من النصابين والدجالين والفشلة، على أمل الحصول على فيزا مضروبة، أو الوصول إلى البلاد المحبوبة.
وقد أورد هذا ابن عساف محمد بن ضرار في مجلده العاشر في مصنفه الكبير (النصب العجيب في كل أنواع التهريب)؛ حيث ذكر بشكل دقيق، وتفصيل عميق، أخبارهم وأحوالهم، وحيلهم وأسعارهم.
وحارت الناس في أحوالها، وتعب الشباب من أحلامهم، وتاه ذو العيال بعياله، وضاق الفقير بفقره، حتى أصبح الموضوع مرضاً يسلب العقول، ويعيش صاحبه في ذهول وخمول، عافانا الله وإياكم من كل بلاء ومرض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.