هي أرض اللبان، مثلما يسميها الكثيرون لاشتهارها به وتفرّدها بأجود أنواعه وأزكاها رائحة. ولمن لايعرف اللبان فهي شجرة ذات أفرع مستقيمة قليلة التفرع يصل طولها إلى (6) أمتار، ولنباتها أزهار كثّة جميلة ذات لون وردي جذاب، تعطي هذه الأزهار بعد التلقيح ثمارًا قرنيةً طويلةً تحتوي كل ثمرة على عدد من البذور في صف واحد، البذرة كبيرة وتشبه إلى حد ما الفستق، وللبان عدّة أسماء منها: اليسر، والحبة الغالية، ويسار الباب، وغالباً ما ينمو على سفوح الجبال وحواف الوديان ذات التربة الصخرية.
اللبان تغنى به الشعراء والأدباء ومضى في استخدامه الطب الشعبي علاجًا ناجعًا لكثرة من الأمراض والأسقام حتى قال عنه أحدهم، وهو "داود الانطاكي" في البان: "إنه شجر مشهور كثير الوجود، له زهر ناعم الملمس، مفروش، يخلف قرونا داخلها حب يميل إلى البياض كالفستق، ينكسر عن حب عطري إلى صفرة ومرارة، يدخل في الغوالي والأطياب، وأهل مصر تشرب من زهر هذه الشجرة زاعمين التبريد به، وجميع أجزاء هذا النبات تمنع الأورام والنوازل، وتطيب العرق، وتشد البدن، وتدمل الجراح، ودهنه ينفع من الجرب، والحكة والكلف والنمش وينقي الأحشاء بالغاً مع الماء والعسل والخل، ويذهب الطحال مطلقاً ". ويصعب أن تدخل سوقاً أو مجمعاً أو حتى ( بقالة ) في صلالة فلا ترى فيها هذا اللبان، إما عرضاً للبيع أو تطييباً للمكان.
وكنت مع عائلتي في الإجازة الصيفية في ربوع مدينة صلالة قبل حوالي عامين، قضيت في أجوائها بضعة أيام اكتشفت جزء يسيراً جداً من طبيعتها الآسرة، ومشاهدها الخلاّبة التي حباها الله بها فامتدّت على جلّ أراضيها مساحات خضراء على مدّ البصر، بل إنها غطّت جبالها وحوّلتها إلى حدائق وجنان.
ونظراً لما تتميز به صلالة من أجواء هادئة ومساحات خضراء واسعة وأمطار ( رذاذ ) على مدار الساعة وغيوم تستطيع أن تلامسها في أعالي الجبال فضلاً عن مياه البحر بأمواجها الهادرة فقد صارت ملتقى العائلات الخليجية وواحدة -صلالة- من أهم المصايف التي يتنامى ارتيادها وشدّ الرحال إليها بحيث أنني وجدت آنذاك صعوبة بالغة في ترتيب حجز التذاكر والسكن وعرِفت هناك حجم الإقبال والتواجد الخليجي الذي ملأ الفنادق والشقق إلى أعلى مستويات الإشغال.
تمتاز صلالة بوجود عيون كثيرة حوّلتها الدولة إلى منتزهات لاتكاد تخلو من الزوار خاصة خلال الصيف، عيون مثل: دريات وطيق وصحلنوت وحمراء وزرات وغيرها مما تشاهد فيها ينابيع مياه صافية بين الجبال التي غطاها اللون الأخضر حتى قمتها.
ومن الواضح أن جهود الدولة العمانية كبيرة وفعالة في استقطاب المزيد من السياح إلى جنّة الخليج حيث لم تقتصر على توفير المرافق والاستراحات اللازمة في عموم العيون والمنتزهات والشواطيء وإنما شملت أيضاً الآثار والمتاحف هناك.
على أن أبرز تلك الجهود هو تنظيمهم لمهرجان صلالة السنوي الذي هو مكان تجمع السيّاح في الفترة المسائية بعدما يكملوا رحلاتهم اليومية للشواطيء والعيون وسفوح الجبال، فيكون المهرجان محلاّ لاستراحتهم واستمتاعهم بالأجواء العمانية الساحرة، هذا المهرجان؛ لاتملّ من زيارته، شخصياً زرته برفقة عائلتي لمدة ثلاثة ليال متتالية. يتنوّع العرض فيه -بالإضافة إلى ملهى الألعاب- مابين التعريف بسلطنة عمان، تاريخاً وقيادة وشعباً وحكومة واستعراض إنجازات بعض الوزارات وجهودها الخدمية وكذلك يجري عرض الفنون والرقصات الشعبية العمانية التي تعبّر عن الهويّة وتحفظ الانتماء الذي تلمسه في كل جانب من أنحاء المهرجان، اعتزازاً بالهويّة العمانية وتعريفاً بها وسط جهود وتنظيم أيادي حريصة استحقت أن تحظى مدينتهم -صلالة- بهذه الحشود من السياح والزائرين.
ويجدر -بالتالي- لمن يخطط الآن السفر لقضاء الصيف القادم في مكان ما، في الشرق أو الغرب؛ أن تكون هذه المدينة الرائعة في صلب أجندته.
سانحة:
لعلّ أبرز نواحي الاستقطاب والارتياح في مدينة صلالة هو أهلها الذين هم -كباقي العمانيين- أهل كرم وحفاوة بالغة وأخلاق رفيعة أضافت لمدينتهم البهيّة بعداً آخر من الجمال لايقلّ عن طبيعتها الغنّاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.