كثيرة هي التناقضات التي نعيشها في حياتنا اليومية، وغريبة تلك التي نسمع عنها هنا وهناك في هذا العالم المتغير، لكنَّ التناقضاتِ في بلدي باتت أعمق أثرًا وأشد حزنًا لأنها أصبحت ظالمة لنا، مؤثرة على مصيرنا وحياتنا ومستقبل أجيالنا!
العراق كعادته، متفردٌ في كل شيء، فهو المكان الأول لنشوء الحضارةِ والأبجديةِ، إلا أنه يعاني حاليا من ضعف التعليم و انتشار الأمية..!
ووالعراق بلد ما بين النهرين إلا أنه يعاني العطش و يستورد الطعام!
ومما يؤسَف له أن المسؤولين وطوال السنين العجاف الماضية، قادوا البلد إلى منحدر جعله الأول من حيث الفساد، ولكن يُصرح دوما ومن خلال "الإعلام المتناقض" بأن العراق حقق تقدمًا وإنجازًا و"إننا البلد الأول إستقرارًا في المنطقة"!!
في حين العراق أخطر الدول في العالم للجريمة المنظمة، والموت في العراق أصبح مجانًا، ولا ضيرَ ولا غرابة في أن يجد المواطن العراقي يوما ما جثة لشخص ما، وفي مكان ما، وحتى لو كانت قرب داره أو محل سكنه، هذا الموت المستخفّ به، جعل كلّ وسائلهِ ممكنة ومشروعة، ضمن إطار ما يعيشه العراق من ويلات ملغومة..!!
ويصرحون دون كلل وملل:
"إننا بلد الحضارات"… وأعِيدَ البلدُ إلى القرون الوسطى!
"إننا بلاد النهرين" والمياهُ النقية أملٌ صعبُ المنال!
"إننا بلد موحد تسوده المحبة" ونحن عالم تسوده النزاعات والصراعات، وتحكمه شريعة المتخاصمين على المصالح!
"إننا أرض خصبة للزراعة والنماء والخير" وبتنا نعيش على أرض خصبة للفوضى الدموية وعمليات القتل المتكررة؟!
"إننا بلد غني" … وشعبه يعيش على المساعدات الدولية للأمم المتحدة والصليب الأحمر والجمعيات الخيرية!
"نحن الديمقراطية الجديدة" .. ونحن من يقمع الديمقراطية ؟!
"نحن أصحاب الإنتخابات النزيهة"..ونحن ومنذ أقدم العصور أصحاب الفوز والترشيح القسري لولاية ثانية ورابعة وعاشرة، وأصحاب نسبة النجاح بنسبة 99.99% ويبدو أن المرشح حينها لم يصوت لنفسه لتكون النسبة 100% ؟!
"إننا عراق الأمةِ" وأصبحنا عراق الطوائف!
و"إننا، ونحن، ونحن، وإننا..!!؟"..وبين "نحن" و "إننا" تتسع قائمةُ المتناقضات ولا يمرّ يوم في العراق، إلا وفيه من الغرائبِ والعجائب ما يثير فصلًا جديدًا من الكوميديا السوداء، التي تجعل هذا البلد بلدَ المفارقاتِ بامتياز، فإن ما يمرّ به من ظروفٍ، وعزلةٍ خانقةٍ جعلت شعبَهُ فريسةً سهلة للأحداث التي تبنى على أساس الاستغلالِ البشع للناس وأحزانِهم وحاجياتِهم الإنسانيّةِ الكثيرة.
مئات من المتناقضات عصفت وتعصف بالعراق وشعبهِ وكيانه منذ سنين عجاف مضت وحتى الآن..هذه المتناقضات يقف ازاءها الفردُ المتعلمُ والمثقفُ والدارك لما حوله من أمور، عاجزًا أن يفهمَها وغيرَ قادرٍ على أن يجد لها مبررا!؟ فالفقرُ والجهل والفسادُ الإداري والرشوة والجريمة وغيرُها من الأمور السلبيةِ أصبحت عنواناً وسمةً يتميز بها العراق عن باقي البلدان، فما هذا التناقضُ وهو البلدُ الاغنى وهو بلد الخيراتِ والحضاراتِ والتحضر فيما مضى ؟!!..اما الآن فالكلام عن هذه القيم هو نقيض للواقع المؤلم بشكل سافر!!
فهل هذا التناقض في التصريحات هو خوف من الشعب أم من العالم أم هو استخفاف بمقدرات العراقيين ؟
أما بخصوص الديمقراطية وحق إبداء الرأي -وهي أسوأ تناقض يظهرالمسؤولون به- خاصة قبيل التظاهرات السلمية بالقول: "يجب اتخاذُ التدابيرَ الفعالة لحماية المتظاهرين، والدستور أقر التظاهرات ويحميها".. وبعد خروج الناس بتظاهرات سلمية يتم اطلاق النار على المتظاهرين المسالمين إن تعالت أصواتهم واتسعت رقعت تظاهراتهم! تليها احتجازُ المتظاهرين في مناطق معينة ومنعُهم من الوصول إلى الساحات الرئيسة، وحظر التجوال للأشخاص والمركبات والدراجات في ساعات مبكرة!..ووضعُ حواجزَ وغلقُ منافذَ مؤديةٍ إلى الساحات العامة..! وتوجيهُ شركات الاتصالات بقطع اتصالات الإنترنت البيتي وحجبُ مواقع الفيس بوك أو إضعافها، ناهيك عن الرعب الذي يدب في النفوس، والهلع الذي يصيب الشارع العراقي عند سماع كلمة (مظاهرة ،،، فهل باسم الديمقراطية يجب أن يكون العراق ساحة ًللاضطهاد وخنق الرأى !؟
وآخرُ خدعة ديمقراطية، هو اعتصام بعض النواب داخل قبة البرلمان في محاولة منهم لإقناع الشعب بهذا الإعتصام، وهذا الموقف، لإلغاء الرئاسات الثلاث، وهم يعلمون جيدًا أنهم موضع شك ونقد وإتهام من الشعب، وما اعتصامهم إلا تناحر على المنصب وتصفيات سياسية وشخصية لا أكثر…اليس هذا تناقضًا كبيرًا !!
قواعد عسكرية، أجنبية، غربية، غريبة، في العراق ونقول: إن سيادةَ العراق محفوظة والعراق بلد مستقل، ولا سيادة، لا لأرضنا، ولا لسمائنا … أليس في هذا تناقضٌ مخزي !!
يتأسفون بتصريحاتهم عما تشهده بعض الدول من أحداث أمنية خفيفة طارئة..! -رغم تأسفنا الحقيقي كشعب محب لباقي شعوب الأرض- وأجسادنا تنزف دمًا دون انقطاع ولا أحد يتأسف علينا، فهل دم الشعوب المجاورة للعراق دم… ودماء العراقيين ماءًا..؟؟!! أليس في هذا تناقض كبير!؟…نبكي على حالنا ولا أحد يبكي علينا….وهم يتباكون على حال الغير ونحن في ظلم و قهر و قتل أكثر من أي دولة في العالم… فلنتفرغ لحل مشاكلنا وبعدها ننتقل لحل مشاكل الغير؟!! ولنكن متوازنيين بتصريحاتنا وأفعالنا بدل من أن نكون متناقضين ..!
لماذا كل هذا القحط وما هذه اللعنة التي حلت على أرض العراق وما هذا التناقض ؟
ولماذا يتقبل العراقي كل تلك المتناقضات ؟!
وما هو الحل وبلدنا يمر بأسوء حالاته ويتقلب من ظلم الى ظلم ؟
ملايين الشهداء..ملايين من النازحين واللاجيئين في أصقاع الأرض ..أكثر من سبعة ملايين عراقي ما بين مهاجر ومهجر داخل وخارج العراق!
ملايينُ من العراقيين الذين يطحنهم الجوع وتطاردهم الفاقةُ والعوز في يقظتهم وفي منامهم، قررت حكوماتهم سابقا، تعويض بعض الأمريكيين بمبلغ الأربعمائة مليون دولار فهل ننسى هذا الموقف الأليم؟!، ولا أحد يعوض العراقَ واهلـَه كل تلك الخسائر؟ ولا يعوض العراقي عن مآسيه وحرمانه..أليس هذا تناقضا كبيرًا وظلمًا..!!
الحسرةُ والوجع العراقي وفقدانُ الأمل يزداد يوما بعد يوم، والفساد في العراق أصبح مآردًا كبيرًا جدًا، والشارع مَلَّ كلامَ الحكومة ووسائل الإعلام وكلام الساسة، ومع ذلك كله الشعب متمسك بوطنه وأرضه وتراثه وهو ضد المتمسكين باطراف القتل والتشريدِ والتهجير ومسخٍ للتراث الإنساني، ويريد التغير بقوة السلام والمحبة والاحتجاج السلمي، خصوصًا أن روح الشعب ولدت من جديد، وهي تموج في المنطقة تطالب بالتغير، ويحدوه الأمل بأن يحصل ذلك حقا وقريبا، وأن نتغير كشعب ومجتمع وقادة وسياسيين نحو الإيجابية لا أن نتغير سلبا!!
وتبقى الأسئلة الأخيرة لمن "لا" يهمه الأمر: متى تنتهي المشاكل، في بلد المتناقضات الجريح، بلد الأزمات والمحن والويلات؟ هل ما يمر به العراقي كابوس سينتهي؟ ومتى ينتهي؟ بعد نهاية حياتنا والقضاء على أجيالنا أم ماذا؟
إن هؤلاء الصابرين تحملوا من الأعباء ما لم يتحمله إلَّا شعب واحد من شعوب الله في الأرض ألا وهو شعبنا العراقي، لذلك نناشد أصحاب القرار بالاهتمام بمطالب الشعب بإعتباره صحاب حق مغبون…ساعدونا كي نخرج جميعا من دوامة عدم فهمنا لما يجري؟..وهذه التناقضات هل تجدون لها مبررًا!!؟؟ أسئلة وتناقضات ومتناقضات ومفارقات كثيرة كثيرة، نتمنى أن تنتهي وأن لاتكون الأفعال والأقوال والإجاباتُ عنها متناقضةً وعالقةً لمدةٍ طويلةٍ …!!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.