تعرّض الناقد اللبناني "عبدو وازن" خلال الأيام الماضية لحملة غير مسبوقة؛ لمجرد أنه كتب متبرمًاً من الاحتفاء الغربي المبالغ به الذي نالته "سمر يزبك" بعد ترجمة كتابها "بوابات أرض العدم"، الذي إتكأت فيه على المأساة السورية، وساخراً من آراء كتّاب ونقاد غربيين إلتفوا على إبداء آراء نقدية حقيقية في قيمة كتابها، بكلام مجامل مثل: "كتاب جريء كتاب نبيل"وهذا الكتاب جعلني اضطرب، وكتاب الإنشقاق والمقاومة…إلخ.
فور نشر مقالته قامت القيامة ضد عبدو وازن، وشارك في الحملة ضده كتاب، وصحفيون، ونشطاء، وأنصاف أميون، أنا على ثقة بأن أغلبهم إن لم يكن كلّهم لم يقرؤوا لا كتاب "بوابات أرض العدم"، ولا من قبله "تقاطع نيران" ولا أيًا من كتب "سمر يزبك" السابقة، ومن قرأ منهم أياً من كتبها، رأيه في أعمالها أشد وأقسى بما لا يقاس من رأي عبدو وازن، ولذلك لم يصدر عن أيٍ من الذين هاجموا "عبدو وازن" ودافعوا عن "يزبك" كلمة دفاع عن قيمة كتابها الأخير أدبيًا، أو الذي قبله، أو ماقبلهما، أو قيمتها ككاتبة، وبدلاً من ذلك استلّت كلمة شقراء من هذه الجملة في مقال "عبدو وازن"، "وانتشرت صور الكاتبة الشقراء في لقطات فنية جميلة في الصحف والمجلات وعلى الشاشة الصغيرة" ورُكّبت لها أيدي وأرجل ليصبح "عبدو وازن" فجأة عنصرياً، واستٌعِينَ بكونهِ لبنانياً للتأكيد على عنصريةٍ عانى منها اللاجئون السوريون في لبنان وشدّ عصبيةٍ سوريةٍ لشيطنةٍ الرجل أكثر فأكثر.
بعض الآخرين الذين شاركوا في الحملة ضد "عبدو وازن" وحاولوا أن يظهروا بمظهر الأكثر عقلانية، اتهموه بالغيرة من شهرة "يزبك"، ومنهم من تلكك له لاستخدامه كلمة "اللعنة السورية" في مقاله، وآخرين عابوا عليه عدم انسياقه السائد والمتعارف عليه حيث يحتفي الإعلام والنقد العربي بالكاتب العربي إذا نال شهرة في الغرب، فلماذا شذ "عبدو وازن" عن هذه القاعدة؟ لكن حتى من بين هؤلاء "العقلانيين" ومنهم كتّاب، لم يقل أحد رأيه الصريح في الكتاب أو أدب الكاتبة التي يدافعون عنها، ليدحض كلام "عبدو وازن" بإبراز قيمة "يزبك" الأدبية، وفضلوا اتهامه، وتخوينه، وتنسيق هجوم منظم عليه إلى درجة خُيّل لي أنه سيصلون لحد المطالبة برجمه وإقامة الحد عليه.
مثل هذه الحادثة ليست فريدة في الأدب السوري، خاصة عندما كانت تتبنى جماعات حزبية أو طائفية كاتباً ما وترفعه إلى مصاف التقديس، ففي يوم ما اعتبر الشيوعيون شاعراً رديئاً مثل "أيمن أبو شعر" "مايكوفسكي" جديداً، وقارنوا شاعراً ساذجاً مثل "صقر عليشي" ب "بابلو نيرودا"، وقالوا عن حكواتي بليد مثل "خطيب بدلة" بأنه "عزيز نيسين"، و"طوّب وليد معماري" "غوغول" العرب، وذات يوم كتبت "بثينة شعبان" مقالاً تقول: إن "سعد الله ونوس" خط أحمر يُمنع الاقتراب منه، بعد أن هوجمت مسرحيته الرديئة "منمنمات تاريخية" إثر العرض الذي قدمته نائلة الأطرش في قلعة دمشق.
وكان الزمن وحده كفيلاً بكشف موجات من الكُتَّاب الذين دخلوا الحركة الأدبية وسط بروباغندا إعلامية غير مسبوقة، تستطيع أن تصنع شهرة مؤقتة لكنها لم تصنع في حياتها أدباً.
عودة إلى مقال "عبدو وازن" عن "سمر يزبك" المنشور في جريدة الحياة (18 أبريل الماضي) أستطيع أن أقول إن ما أزعج كل الذين شاركوا في الحملة ضده ثلاثة أفكار وردت فيه سأنقلها بالحرف من مقال "عبدو وازن" كي لا أتعثر بمن يقول لي أنك تصرفت في كلامه:
الأولى: بما يخص قيمة كتابها نفسه ومدى الاحتفاء به حين صدر في طبعته العربية، حين يقول: "لم يلق كتاب "سمر يزبك" (بوابات أرض العدم) نجاحاً استثنائياً عند صدوره بالعربية".
والثانية: بما يخص استثمارها لانتمائها الطائفي في القصص التي أوردتها في الكتاب حين قال: "أما اللافت فهو تركيز معظم المقالات التي كتبت عنها عن انتمائها، هي المناضلة في صفوف المعارضة، إلى الطائفة العلوية، الطائفة الحاكمة التي اضطهدتها، وعرفت هي كيف تضرب على هذا الوتر في بوابات أرض العدم".
والثالثة: بما يخص فبركتها لبطولات وهمية في تقديمها لنفسها حين يقول: "وركزت المقالات أيضاً على تجربة السجن التي عاشتها "سمر"، والإهانات التي تعرضت لها على أيدي السجانين، وهذا ما ينكره معظم أصدقائها في سورية، والكتاب والصحفيون السورية، وفي حسبانهم أنها اخترعت حكاية السجن هذه لتقطف ثمارها إعلامياً وغربياً".
في السابق كان الإتحاد السوفييتي وملحقيه المحليين في الأحزاب الشيوعية كانوا يصنعون الكذبات الكبرى في الأدب والفن في بلادنا كجزء من التهم الدعائية، ويبدو أن الغرب اليوم قد تحمّل هذه المسؤولية، كجزء من حملته لمكافحة التطرف في العالم العربي من جهة، وحماية الأقليات من جهة أخرى، وهو لا يعنيه في النهاية إن كان ما يروّج له أدباً جيداً أم رديئاً.
أخيراً جوائز المرأة الشجاعة والمدافعة الحرة والكرة البلورية هذه جوائز ترضية تمنح للعلاقات العامة وللتوجه السياسي وللترضية وإن كانت بعضها تهتم بالكتابة والأدب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.