هل كانت المظاهرة الأولى يوم “خوزق” رفعت الأسد صديقي؟!

في اليوم التالي، وكما علمنا لاحقاً، تحركت جنازة شهيدنا من كلية الهندسة في جامعة دمشق باتجاه المقبرة، وشارك فيها الدمشقيون بكثافة، وكانت الطامة الكبرى على جامعة دمشق، إذ بعدها أمر حافظ الأسد بإنشاء فرع أمني في الجامعة يتبع إداريا للمخابرات العسكرية، ومنه تخرج كبار المخبرين السوريين

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/24 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/24 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش

كان ذلك في منتصف سبعينيات القرن الفائت.. يومها كان علينا كطلاب جامعيين المشاركة في معسكرين تدريبيين، يقام الصيفي منهما في إحدى القطع العسكرية، وكان البرنامج التدريبي حافلًا بكل ما يقض مضجع إسرائيل والإمبريالية والرجعية، وعلى ذمة ضباط التوجيه السياسي في الدورة، فإن تحرير فلسطين صار قاب قوسين أو أدنى، وأن القائد حافظ الأسد يحلف لزواره بأغلظ الأيمان، أنه يصل الليل بالنهار مع وزير دفاعه مصطفى طلاس "أبو نياشين"، وهما غارقان في وضع الخطط، ورسم الإحداثيات من أجل تحرير فلسطين وإعادة الفلسطينيين إلى ديارهم.

صحيح أن أكبر "الخوازيق" وأكثرها فتكاً بالفلسطينيين كانت على يد حافظ الأسد ووزير دفاعه، حيث لآحقهم من تل الزعتر في بيروت مروراً بتونس و حتى آخر خيمة في مخيماتهم المتناثرة، لكن هذا كله ليس مشكلة تستحق التوقف عندها(..!!)، المهم أن القائد يخطط ويرسم،وما أدرانا، فقد يكون هذا القتل والتنكيل بالفلسطينيين نوعًا من التمويه، كي يبعد الإسرائيليين و يبقر عيون الحسّاد ويحقق عنصر المفاجأة بنجاح؟!
"شوعرّفنا نحنا الغلابة" بالعقل الإستراتيجي"الذبّاح" للقائد؟!

ما علينا..يومها شاء القدر، ولكوني من طلاب جامعة دمشق، أن يكون المعسكر الذي يجب عليّ الالتحاق به هو معسكر "ضمير" للتدريب الجامعي، الذي يقع بجوار مطارها العسكري حيث حاك فيه "القائد حافظ الأسد" ،مؤامرات الصبا الأولى حين كان قائدًا لسلاح الجو السوري، ويومها كان قد بدأ مسيرة "خوزقة" رفاقه وإزاحتهم من الطريق ومن ثم الاستيلاء على السلطة، واختراع فكرة"توريث الجمهورية" ، كما قام بتسليم الجولان للإسرائيليين، فيما قام وريثه لاحقاً بدكّ بيوت أهالي " الضمير"ببراميل الموت، وشردهم في أصقاع العالم!

هناك في المعسكر، كان عملنا الأساسي ملاحقة العقارب السوداء التي تخرج من بين الرمال، أو من خلف الصخور والحصى المدببة في شمس تموز الحارقة – "معليش كلو فداء لفلسطين وخطط القائد"- وكنا نقضي نهارنا ونحن نتدرب على معرفة وفك طلاسم البندقية الإنكليزية، التي تعود سنوات صنعها إلى ثلاثينيات القرن الفائت، والتي حين تطلق طلقة من طلقاتها الخمس، فإنها"تدفرك" إلى الخلف أمتارًا، وتخلع كتفك من جذره، أما الكلاشينكوف الروسي فهذا كان بعيد المنال عنّا، لأن حكمة القائد والقيادة ارتأت أن هذه البندقية الإنكليزية كفيلة لوحدها لإنجاز التكتيكات الأسدية في الحرب، على قاعدة :
اضرب وتراجع مخلوعَ الكتف كي يملأ عدوك الفراغ!!

يومها أيضاً.. كان رفعت الأسد شقيق "القائد" في أول سنوات نجوميته، وكاد تدربه بنا نحن الشعب "اللي مابيعجبو العجب" ينتهي، ولم يكن صيته قد ذاع بين الركبان، كما جرى لاحقا، حين أنزل " صباياه المظليات المائسات" إلى شوارع دمشق في غزوة مشهودة، قمن فيها بخلع الحجاب من على رؤوس العجائز والنساء الدمشقيات المستورات..!!، ذلك لأن حكمته قد قضت أنه لا يمكن تحرير فلسطين برؤوس"تغطيها الإشاربات"!

ولم يكن الفتى"رفعت الأسد"، شقيق حافظ وذراعه الضارب، يومها مشغولًا بالإهتمام بنساء ضباطه حين يغيبون ليشتغلوا بالتحضير لاستعادة الجولان، ولا اكتملت إمبراطوريته المالية المتأتية عن طريق بيع الآثار و"لهط" سمسرات عقود شراء الأسلحة، ولم يكن قد أعلن عن ابتكاره المشهود في"كيف تحصل على شهادة دكتوراة حسب الاختصاص الذي ترغب وتريد؟، دون أن تدرس و تبحث أو تدافع عن رسالة، لآنها تأتيك بالطائرة من موسكو الى حيث تكون..!!.

المهم يا سادتي.. في يوم قائظ من أيام المعسكر التدريبي، وبعد أن أكل"الوسخ" والقمل من أجسادنا"حتتاً حتتًا"، وأصبح الجلوس في الخيمة يشبه القعدة في بركان، خطر لشاب دمشقي من عائلة الرفاعي من زملائنا، أن يتجاوز أسلاك المعسكر، ليذهب إلى منزله كي يغتسل ويعود، بعد أن رتب عملية هروبه مع صديق له أتى من دمشق التي تبعد نحو أربعين كيلو مترًا على موتوسيكل صغير..ما أن تحركا حتى لمحهما المجند حارس المعسكر، الذي لقم بندقيته، وصاح بهم أن يقفوا وبسرعة البرق عاجلهم بطلقة من بندقيته حطت وسط رأس الشاب فأردته قتيلا!

وصلنا الخبر إلى داخل المعسكر، وبسرعة البرق – أيضاً – بدأنا تكسير أعمدة الخيم، وضب حقائبنا، ويا"مهون"..لقد جاءت الفرصة لنحتل حمامات دمشق للتخلص من أوساخنا..خرجنا جماعات من المعسكر، بعد أن فر الضباط وقبعوا كالفئران في مكاتبهم..خرجنا نمشي نحو دمشق الياسمين!

بعد ساعات وصلنا قريبا من منطقة "عذرا" وكان الوقت مساء، ونسائم دمشق العليلة تلفحنا..إصبح طول "طابورنا" على الأسفلت أكثر من كيلو متر.. لكن ماهي إلا لحظات حتى برزت لنا سيارات " الزيل الروسية "، وخرج منها "جنود رفعت" مدججين بكامل عتادهم الحربي..ويا فرحة ما تمت!

بدأ فلم الرعب الرفعتي الأسدي بضغط رتلنا الطويل إلى أن تم حصرنا، نحن الذين تجاوز عددنا الألفين، في مساحة لا تتجاوز مئات الأمتار المربعة، ثم وضعونا بعدها في شاحنات "الزيل" أكداساً فوق بعضنا،( وياسلام سلم على الروائح التي انبعثت من أجسادنا وثيابنا..الله..!!)، ووقف مجموعة من "حماة الوطن..!!" ممسكين بأطراف الشاحنات ببواريدهم المصوبة علينا، وبعضهم يدفرنا بالأبواط التي أكلت من لحم أجسادنا.. وعادوا بنا إلى المعسكر وإلى عقارب "ضمير" الحبيبة!

ساعات مرت علينا كأنها دهر، ونحن منهكون واقفون باستعداد، بعد تعب هذا اليوم الطويل، وكلما سقط منا واحد، تقدم الجنود وحملوه ليرموه جانبا كما ترمى أكياس الزبالة..!!.

بعد ساعات من الصمت والوقوف والتعب..ظهر"سبع البرنبو" بقده الميّاس..رفعت الأسد بشحمه ولحمه وبدلته العسكرية، فيما نحن بدأت فرائصنا ترتعد وتهتز من هول الموقف..أكثر من ساعة مرت علينا، وهو واقف يتملانا مقفهر الوجه صامت وجمر عينيه يضئ من بعيد..كل دقيقة تمر كان يسقط أحدنا من التعب فيحمله "جند الأسد" ويرمونه إلى جانب أو فوق من سبقه!

بعد ساعة الصمت الذي لو رميت حينها إبرة لسمعت صوتها..أمرنا بالجلوس ..كانت أرض الساحة مليئة بالحصى والأحجار من قياسات وأحجام مختلفة.. بعضها كبير مدبب الطرف..وما أن جلسنا حتى سمعت صوت"آخخخخخخ" مبلوعة مكتومة، تابعت مصدرها بطرف عيني وإذا بزميلي الذي بجواري قد شاء حظه التعيس، أن لا يتمكن من إبعاد مؤخرته عن حصاة مدببة كبيرة، تشبه رأس الخازوق "العصملي"، فجلس عليها كاظما ألمه خوفا من عقوبة لا يعلم غير الله إلى أين قد تودي به.. !!، كان مشهداً مرعباً..صاحبي جالس على الحصاة/الخازوق، ورفعت الأسد يتحدث، وهو "يشوبر" بيديه متوعدًا ومهددًا، الرجعية العربية، والإخوان المسلمين، وبعث العراق، ودورهم جميعاً في شرائنا عملاء لهم، و مادفعوه لنا كي نخرج في هذه التظاهرة ضد أهداف البعث، في الوحدة والحرية والاشتراكية، وضد أخيه "قائد الوطن"، وضد خططه لتحرير فلسطين قبل الجولان؟!

رفعت يهدد و يتوعد، ونحن واقفون باستعداد، لانستطيع هزّ أجسامنا التي عاث فيها القمل، ولا أن "نفعس" عقربًا رجعياً إخوانياً عراقي الهوى قد يظهر أمامنا.. !!

ومن أجل إحقاق الحق، نؤكد أن خطيئة صديقنا الشهيد كانت أنه لم يكتشف سر المعسكر وقادته، فربما ما استشهد لو أنه عرف أن كل الضباط المسؤلين عن المعسكر من "المعترين" الذين فشلوا في الدفاع عن فلسطين (..!!)، فنقلوهم من جبهات القتال إلى معسكرات الطلاب، وأن لعاب ذممهم يمكن أن يسيل مقابل بعض الهدايا الصغيرة..!.

لا يفوتنا أخيراً الاشارة إلى أنه في اليوم التالي، وكما علمنا لاحقاً، تحركت جنازة شهيدنا من كلية الهندسة في جامعة دمشق باتجاه المقبرة، وشارك فيها الدمشقيون بكثافة، وكانت الطامة الكبرى على جامعة دمشق، إذ بعدها أمر حافظ الأسد بإنشاء فرع أمني في الجامعة يتبع إداريا للمخابرات العسكرية، ومنه تخرج كبار المخبرين السوريين، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر وزير الإعلام لاحقا محمد سلمان، ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، وسفير النظام في بغداد المالكي ديب أبو لطيف، وسفيرالنظام في القاهرة ومندوبه في الجامعة العربية وصهر عائلة الأسد يوسف أحمد .. وغيرهم وغيرهم ..!!.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد