عزيزي كاميرون..أرجوك لا تستقيل

عزيزي كاميرون، لا تستقيل، على الأقل حتى يرد اسمك في ما بين سبع إلى تسع فضائح ثقيلة، لأنه معدل الفضائح المطلوبة عندنا لإمكانية البدء في التفكير في.. فتح لجنة تحقيق في الموضوع!

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/16 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/16 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش

عزيزي "ديفيد كاميرون" رئيس وزراء بريطانيا: أرجوك لا تستقيل ..أرجوك لا تفعلها. أعلم أنك رئيس وزراء دولة راسخة القدم في الديمقراطية، وأعلم ما تواجه من ضغط شديد من الشارع والصحف والمعارضة، بعدما اعترفتَ أنك استفدت من أموال الأسرة المخبأة بين الشمس والبحار، وأعلم أيضاً، وهذا أمرّ، أنك رجل مثقف ولديك ضمير، وغالب الظن أنك تحس بالإحراج السياسي والأخلاقي والوجودي بعدما ما تسرب عنك من وثائق بنما، وأزعم أن مشاعر الحرج وتأنيب الذات والحياء من الشعب تتكثف في داخلك، وربما تستفحل وتقودك للاستقالة لا قدر الله..

أرجوك لا تدع هذه الأفكار والهواجس تسيطر عليك، أرجوك لا تفعلها، لا تعمق واقع الحسرة والأسف وعقد النقص في دواخل من يعيشون في أنظمة لا يوجد في قاموس سياسييها مفهوم الاستقالة، ساسة مهيئون بشكل مرضي ومتوحش للتعايش مع الفضائح والزلازل السياسية وتبريرها وتعليلها بإسهاب ولذة، من تلك التي يجدها الكاتب فيما يصنع من قصص خيالية يتعلق بها الجمهور..

عزيزي كاميرون ألم المقارنات صعب. أحياناً يخيل إلينا أنكم من كوكب آخر، وأحياناً نعتقد أن الإعلام يتلاعب بعقولنا ويغيظ صدورنا: لماذا تتقاسم معنا هذه الشعوب والأنظمة نقيصة الخطأ، وتفضلنا في مزية الاعتذار والاستقالة؟ كيف تتخلى وزيرة العدل الفرنسية "كريستيان توبيرا"، عن منصبها دفاعاً عن مبدأ؟ لمعارضتها تعديلًا دستورياً يخون مبادئ الجمهورية الخامسة في نظرها؟ لو ترى عزيزي كاميرون كم القوانين التي تخون كل مبادئ الكون وتمر دون ضجة أو استقالات عندنا..

لو تتذكر معي كيف استقالت "ميشيل أليو ماري"، وزيرة الخارجية الفرنسية من منصبها في 2011 بسبب عطلة مشبوهة قضتها في تونس قبل الثورة، ثم تلقي نظرة على كم العطل والسفريات المشبوهة لدبلوماسيينا وسياسيينا في كل بقاع العالم.. لو ترى كيف لم يعاند زميلك في آيسلندا، ولم يخرج حزبه ولا التحالف الحكومي ليبرر أمواله أو يحميه.. ثم لو تنظر إلى مهرجانات الدفاع عن المفسدين عندنا، للبيانات والبلاغات والقلاع التي تبنى حول المشبوهين سياسياً.. لو تنظر لكل ذلك، ستعلم أن الاعتذار وكشف الأموال والحسابات في أفق تسديد المستحقات لبلادك يكفي من جانبك كما وعدت بذلك، وأن الاستقالة مجرد مزايدة في الديمقراطية منكم على سياسيينا القنافذ المساكين..

عزيزي كاميرون، سياسيونا يتألمون من هذه الأخبار أكثر من الصحفيين وكتاب الرأي والمدافعين عن الشفافية والمحاسبة بالبلدان العربية، لذا كن رحيماً بهم أيضاً، هم الذين لا يفترون عن زيارتك ويقولون لنا على مضض إنهم يتقاسمون الخبرات والتجارب معكم، كن عطوفاً بهم لأنهم يقتاتون على اليأس الانتخابي، على الأصوات التي لم ولن تشارك يوماً في الانتخابات، على الغفلة الجماعية، على كم معتبر من الأصوات مدفوعة الأجر، لذا فهم لا يشعرون بالشعب بمعناه الوارد في شقي "ديموس وكراتوس"، والشعب ما عاد يلقي لهم بالاً ويرى في الشوارع والساحات العامة حليفه ضدهم في أغرب علاقة تمثيلية ممكنة، علاقة جوهرها التضاد و"التمثيل" (الدرامي) بين الممثِّل (بالكسر) والممثَّل (بالفتح)، لذا فاستقالات زملائك في الغرب تفسد هذه العلاقة التي يراد لها أن تظل عجيبة، وأظن أن الأمور قد اتضحت لك الآن، وتعلم لم تصبح الاستقالة في بيئة حقوقية عن بكرة أبيها كبريطانيا محض دلال ديمقراطي..

عزيزي كاميرون، لا تستقيل، على الأقل حتى يرد اسمك في ما بين سبع إلى تسع فضائح ثقيلة، لأنه معدل الفضائح المطلوبة عندنا لإمكانية البدء في التفكير في.. فتح لجنة تحقيق في الموضوع!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد