لا تتعجب من رسالتي.. فأنت بالطبع لا تعرفني، لكني أعرفك جيداً، فأنا من سرقت حياتك وطريقة معيشتك، فعندما كنت أنت ذاهباً الى مصر بلدي حتى تساعد المصريين في البحث عن حريتهم، وتكشف للعالم ما يدور داخل مصر من انتهاكات بحق شعبها، كنت أنا أخطط للذهاب الى بلدك بحثاً عن حريتي الشخصية وهرباً من جحيم نظام لا يعرف الرحمة ولا الرأفة، نظام ينتهك كل معاني الإنسانية والديمقراطية.
لقد وصفتُك بالشجاع لأني أعرف أنك شجاع بالفعل، وقفت أمام القتلة والسفاحين من ضباط أمن الدولة، وبلغ بهم الحنق عليك وعلى شجاعتك مبلغاً عظيماً، وبتحديك لهم وعدم انكسارك أمام أدوات تعذيبهم القميئة حتى فعلوا بك ما فعلوا، لدرجة أن أمك المسكينة لم تتعرف عليك إلا من طرف أنفك، كما صرحت فى لقائها بالإعلام الإيطالي.
أخي جوليو لست الوحيد الذي فقد حياته بحثاً عن إنسانية فقدها العالم، فقبلك كان هناك شاب مثلك يملك حلماً قريباً من حلمك في توفير الكرامة للإنسان والحق في الحياة، اسمه سيد بلال قتله مَنْ عذبوك، قتله ضباط أمن الدولة في نظام مبارك الذين مازالوا في وظائفهم ولم يحاكمهم أحد.
ولعلكم الآن أنت وسيد بلال تتقابلان سوياً تتبادلان أطراف الحديث عن قصتكما المتشابهة.
"أخي جوليو" أنا أعلم من عذبك وأعلم ماذا قالوا بعد أن فارقت الحياة، لقد كانوا أنذالاً لدرجة أستطيع أن أتخيلها، فقد أخبرتك بأنك لست الوحيد الذي مات تحت وطء التعذيب، فهناك الآلاف مثلك ماتوا.
لقد فزع الضباط لموتك وأخبروا المسؤولين عنهم أنك قُتلت، والمسؤولون أبلغوا من يحكم مصر الآن، وقال لهم افعلوا به مثل من سبقوه، لم يزعجهم سوى أنك إيطالي الجنسية فسوف يكون موتك سبباً كافياً لإزعاجهم لفترة وجيزة.
أخي جوليو أعلم أنك واجهت مصيراً لا تستحقه كذلك من ماتوا مثلك ومن اعتقلهم النظام العسكري، هل تعرف أخي جوليو أن هناك 50 ألف معتقل، وأنهم كل يوم يواجهون التعذيب صعقاً بالكهرباء في أماكن حساسة وجلداً بالكرابيج والسلاسل الحديدية والاعتداءات الجنسية بالعصي.
هل تتخيل أخي جوليو أنهم يقطعون ألسنة المعتقلين في السجون.
آه اعذرني نسيت فقد تعرضت مثلهم لذلك، لكن دعني أخبرك وأعترف لك لأول مرة وقد تتفاجأ من اعترافي هذا:
أخي جوليو نحن من قتلناك نحن ثوار 25 يناير الذين خرجوا في عام 2011 طلباً للحق والحرية والعدالة، قتلناك أخي عندما تفرقنا واختلفنا وقرر كل واحد منا أن يخون الآخر ويلقي التهم جزافاً على أصدقائه الذين اختلفوا معه في الرأي السياسي، لقد قتلناك وقتلنا مثلك الآلاف عندما عجزنا أن نواجه النظام العسكري الذي يحكمنا الآن، فقد سمحنا له بتفرقنا واختلافنا أن يسرق ثورتنا، وأن يقتلك ويقتل إخوتنا وأخواتنا ويعتقل أبناءنا وبناتنا في سجون الغدر والخسة والوضاعة.
أخي جوليو أنا أعرف الآن أنك في السماء، وأنك مت من أجلي ومن أجل وطني ومن أجل أبناء مصر الأحرار، وأنك الآن تخلصت من عذاب عظيم تعرضت له وأنك الآن في مكان أفضل.
أخي هل تراك تسامحنا كثوار 25 يناير على ما فعلناه بك وبغيرك بضعفنا واختلافنا وتفرقنا، أعتقد سوف تكون قرير العين إذا بذلنا ما في وسعنا حتى نتخلص من النظام الذي عذبك وأنقذنا مئات الآلاف من المصريين المعرضين الآن للموت مثلك.
سامحنا أخي الشجاع جوليو ريجيني..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.