ما إنْ تأكد حافظ الأسد من اكتمال انقلابه وتمكنه من الاستيلاء على الحكم، حتى قام بجلب كارلوس المجرم الفرنسي الشهير، بعد أن اختبره وكلفه بعملية تفجير مقر مجلة "الوطن العربي" في باريس، وأسكنه في شقة فارهة في منطقة المزة بدمشق، ووفر له كل الاحتياجات ليصوغ له برنامجاً إجراميًّا، عماده التنفيذي الأساسي العائلة/ العصابة /الطائفة!
ومنذ انتهى كارلوس من وضع برنامج العمل، لا يكاد يمر يوم على السوريين، دون أن يشهدوا جريمة لفرد من عائلة/ عصابة الأسد، سرعان ما يبزغ نجمه سريعاً في عالم الجريمة.
امتاز حكم عصابة/ عائلة الأسد لسوريا بصفات خاصة تفرقها عن عائلات العصابات، التي مرت في تاريخ الإجرام، ونتيجة طول فترة استباحتها لسوريا (أكثر من خمسة عقود) يصبح من الصعب حصر الصفات التي تمتاز بها دون غيرها، أو تشترك معها، لهذا فإن وقفتنا هذه لا تكتمل إلا بالتعليقات، التي يكتبها السوريون مستذكرين فيها بعض ما عانوه من إجرام هذه العائلة/ العصابة.
قبل عدة أسابيع نشرت مواقع إلكترونية جزءاً من وثيقة تتضمن أسماء بعض أفراد العائلة مع إشارة موثقة إلى جرائمهم https://www.zamanalwsl.net/news/67591.htl، وأول ما يلفت النظر في هذه الوثيقة، شمولية حالة الإجرام في هذه العائلة/ العصابة، فالجد يورث الإجرام لابنه والابن يورثه للحفيد، إضافة إلى أنها عامة يتشاركها ذكور العائلة وإناثها!
ما نعرفه أن لعائلات المافيات الشهيرة مرجعيات تفصل ما بينها عندما تختلف، ولها قيم تنظم علاقاتها البينية، على العكس تماماً من عائلة/ عصابة الأسد المنفلتة من عقالها، والتي لا تحكمها قيم، وليس لها مرجعيات، فأي قيمة تلك التي يحترمها فواز الأسد عندما يعتدي على طالبات الجامعة في الشارع، أو يخرجهن من بيوتهن ويجبرهن على أفعال رذيلة تحت تهديد السلاح، وتحت بصر الجهات الأمنية وحمايتها؟! أو عندما يَخرج صبيٌّ من العائلة/ العصابة من سيارته، ويقتل بدم بارد لواءً في الجيش لمجرد أنه "دوبل" عليه، ثم يتابع سيره؟! أو حين يأتي ماهر الأسد شقيق رأس العائلة/ العصابة بممثل مشهور دنيء النفس ويعريه "ربي كما خلقتني"، ليتأكد من صدق ادعائه أن عضوه الذكري بحجم كبير، كي يُضْحِكَ جلساءه ومرافقيه على هذا الممثل/ الكراكوز؟!
كذلك تشير الكتب التي تؤرخ لعائلات الإجرام عبر التاريخ إلى احترام كل منها لاختصاص العائلات الأخرى، فالعائلة التي تتاجر بالبشر لا يمكن لها أن تتاجر بالخمور، ومثلها من تتاجر بالحشيش والكوكايين لا يمكنها المتاجرة بالدعارة والسلب، لكن الأمر مختلف لدى عائلة/ عصابة الأسد، فكل مجموعة منها يمكنها تنويع بضاعة دكاكينها لتشمل كل أنواع الاجرام والاحتكار، وتبين قراءة أولية للوثيقة المتداولة تنوع الإجرام الذي تمارسه هذه العائلة ليشمل التهجم وإطلاق النار، ومحاولة الخطف، والسب والشتم واعتراض طريق، والتخلف عن السوق إلى الخدمة العسكرية، وتشكيل عصابة أشرار، ودخول قاعات امتحانات البنات دون إذن مسبق، وتهريب وحيازة أسلحة مهربة ومسروقة، وإطلاق أعيرة نارية، وتهديد وإيذاء، وجرائم تجارة مخدرات، ومشاجرات وسلب، واغتصاب تحت التهديد بالسلاح، والتزوير والشروع التام بالقتل وانتحال صفة.. إلخ.
وفي هذا الصدد يتذكر السوريون الفشل الذريع، الذي واجه دعوة بعض الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني إلى مقاطعة رامي مخلوف (بن خال رأس العائلة/ العصابة)، إذ اكتشفوا أنه لإنجاح مقاطعته، عليهم أن يمتنعوا عن شراء السكر والشاي والطحين والملح والمكيفات والخليوي والأسانسيرات والألبان والأجبان والزيوت والسيارات ومواد البناء والأفلام الإباحية وحفاظات الأطفال و.. و.. لأنها كلها محتكرة له أو لبعض من أزلامه!
وما نقرأه عن عائلات الإجرام يشير إلى بعض الترفع في سلوكها، وعدم نزولها إلى مستوى متدنٍ من الإجرام، بينما نجد أن عائلة/ عصابة الأسد، تمتهن كل الأفعال وبكل المستويات، فالعنصر فيها يمكن أن يستولي على إنتاج موانئ ومطارات سورية، والمقدر بمليارات الليرات، لكن "عينه الضيقة وفجعنته" تجعله لا يترك مئات ليرات، يمكن له جنيها من إزالة مخالفة مرورية لزبون ما، أو الحصول على ثمن موافقة استثنائية لشراء طن من الإسمنت يحتاجه الزبون لترميم منزله. بل وتضيق عينه حين يرى محل فلافل ناجح، فتراه إما أن يجبر صاحب المحل على إشراكه دون دفع شيء، أو يفتح بجانبه محلًّا مماثلاً لينافسه ويجبر زبائنه على الشراء من فلافله!
لا أذكر أحداً -على الأقل بحدود اطلاعي- ذكر أن عائلة من عائلات الإجرام تاجرت بالدين، إلا عائلة/ عصابة الأسد، التي تاجرت به وباعت مقامات دينية، وأبرزها عملية بيع مقامات السيدة زينب والسيدة رقية وعمار بن ياسر للإيرانيين، ويعتبر جميل الأسد (عم رأس النظام/ العصابة) رائداً في هذا المجال المثري بسرعة صاروخية، بدءاً من تأسيسه لجمعية المرتضى، التي يعرفها السوريون جيداً، وعبرها قام بـ"جرقدم" الإيرانيين إلى سوريا، وبيعهم حقوق استثمار هذه المقامات وصكوك ملكيتها!
إذا حدث أن تشابهت بعض أنواع الإجرام التي تمارسها عائلة/ عصابة الأسد مع غيرها، فإنهم يختلفون بقدرتهم الفائقة على تطوير هذا الإجرام. فإذا كانت بعض العصابات العائلية العالمية -مثلاً- تتاجر بالآثار الوطنية خلسة، فإن عائلة/ عصابة الأسد تاجرت بها علانية، ووظفت مؤسسات الدولة والأمن لحماية تجارتها، وقد كان رفعت الأسد ومن بعده باسل الأسد من رواد وأساطين هذه التجارة الإجرامية، وكلنا يتذكر كيف أن معرضاً أثريًّا متجولاً في عدة عواصم ومدن عالمية (طوكيو، نيويورك، فيينا، باريس)، ضم أهم قطع الآثار السورية، تم شحنها بطائرات الدولة ورعته وزارة الثقافة، وعاد بعد الجولة نسخاً مزورة، بعد أن بيعت القطع الأصلية لحساب العائلة/ العصابة، دون أن يجرؤ أحد على الحديث عن هذه الفضيحة ولو همساً!
لكن، والحق يقال، لأنهم يرون البلد مزرعة أورثها لهم حافظ الأسد، فإنهم يتركون بعض الفتات لمعاونيهم من خارج العائلة/ العصابة/ الطائفة، والفتات هنا مليارات الليرات والدولارات.. إنه فتات عشرات السنين من التحكم بكامل مقدرات وثروات سوريا العظيمة.. ومن رموز هذا "الفتات" -على سبيل المثال لا الحصر- نائب الرئيس الأسبق عبد الحليم خدام وعجيانه، ووزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس وصهره وعجيانه، ورئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي وعجيانه، ومحمد حمشو ونبيل طعمة وبهاء حسن وصائب نحاس وعشرات آخرين يعرفهم السوريون جيداً!
اللافت -أيضاً- في إجرام عائلة/ عصابة الأسد، أن كل ما تمارسه كان يجري بتناغم قلّ مثيله، وقليلة جدًّا وتكاد لا تذكر الخلافات بينهم على مناطق النفوذ، أو على نوع تجارة معينة، وهذا لأنهم متفقون، ويعلمون جيداً أنهم مثل "لعبة البزلPuzzle Games" إذا انسحبت منها قطعة واحدة، فإنها تنفرط وتنهار بسرعة!
أخيراً.. لا تخلو كتب تاريخ العصابات التي تقودها عائلات شهيرة -عادة- من إشارة إلى وجود فرد فيها يرفض إجرامها، ويتخذ طريقاً مخالفاً، ويعمل على الهرب منها، إلا عائلة/ عصابة الأسد -التي استولت على سوريا نحو خمسة عقود، وحكمتها بالحديد والنار، والترويع والتجويع، وكل وسائل الفساد والاستبداد- إذ لا يمكن للسوريين أن يتذكروا فرداً واحداً من هذه العائلة/ العصابة اختطّ لنفسه طريقاً مخالفاً لما درجوا عليه!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.