يتساءل كثيرون كيف استطاعت أجهزة الأمن الإيطالية أن تحصل على أدلة إدانة لضباط بعينهم في قضية الإيطالي المغدور "جوليو ريجيني" رحمه الله؟
تقول القصة:
تعاقدت أجهزة الأمن المصرية مع شركة هاكينج تيم (Hacking Team) الإيطالية (وهي شركة متخصصة في مجال تكنولوجيا المراقبة والاختراق)، إنها شركة تعمل في صميم الأعمال القذرة المتعلقة بالتنصت لصالح الحكومات، والزبون الأول لهذه الشركة هو الأنظمة المتخلفة المستبدة، مثل النظام المصري!
وفي يوم 5 7 2015 تم اختراق شركة (هاكينج تيم) ذات نفسها، وتسربت وثائق وعقود بين حكومات مختلفة وهذه الشركة التي تقوم بــ (dirty job) لصالح الأنظمة المستبدة، وتم أيضا تسريب البرنامج الذي دفعت فيه الحكومات (ومنها حكومة العسكر في مصر)، ملايين الدولارات سنوياRemote Control System أو RCS!
يمكنك من خلال هذا اللينك الاطلاع على كامل التسريبات، ويمكنك أيضا البحث لترى نصيب كل دولة، اكتب اسم أي دولة وسترى جميع الإيميلات بين حكومة هذه الدولة والشركة، ولا تندهش حين ترى أسماء شخصيات أمنية رفيعة في الإيميلات، وتواريخ واتفاقات سرية للغاية لتفعيل هذه البرامج الخبيثة للتجسس على المواطنين ومراقبتهم.
يمكنك زيارة موقع وزارة الدفاع المصرية لتجد إيميلات رسمية بين الشركة ومسؤولين بوزارة الدفاع!
هذه خريطة الدول المتعاونة مع الشركة بالتفصيل.
حسب المعلومات السابقة … فالأجهزة الأمنية متورطة في شراء برامج خبيثة من هذه الشركة للتنصت على المواطنين، واختراق حساباتهم، وخصوصياتهم، وأشهر هذه البرامج هو برنامج RCS الذي يستهدف الموبايلات، وأجهزة الكمبيوتر، وكاميرات المراقبة، فبمساعدة هذه البرامج يمكن تسجيل المكالمات والرسائل، بل وتسجيل مقاطع فيديو وتحديد أماكن الموبايل الشخصي وغيرها.
بإمكانك مشاهدة هذا الفيديو القصير، وهو عبارة عن فيديو دعائي أصدرته شركة هاكينج تيم لتوضيح إمكانيات البرنامج.
شاهِدْه لترَ خطورة هذه الأنظمة التي اشترتها الدولة المصرية.
من أخطر التسريبات التي خرجت إلى العلن هو الإيميل المرسل بتاريخ 4 إبريل 2012 للشركة الإيطالية من محمد منعم بعنوان:
Egyptian Army Pilot – HT أي الجيش المصري مرحلة أولى أو تجربة أولى (pilot هنا ليست بمعنى طيار، ولكن في عالم التكنولوجيا معناها مرحلة أولى)، في هذا الإيميل تبليغ للشركة بأنه قد تم الاتفاق مع (ISP) أي مع مزودي الخدمة لبداية تنزيل البرامج في الأسبوع القادم، ويقصد بمزودي الخدمة هنا أو ISP هو المسؤول عن تزويد خدمة الإنترنت أو البيانات لمصر كلها (يعني الماسورة الأم بالبلدي)، أي إن هذه البرامج الخبيثة كانت تتجسس على كل مصر، ولا توجد كلمة ولا حرف ولا إيميل ولا فيديو ولا أي شكل من أشكال المعلومات يتم إرساله أو استقباله داخل مصر، دون أن يكون هناك إمكانية التجسس عليه من هذه الشركة (إلا ما رحم ربي)!
نص الإيميل الكارثة:
By the way the customer already arranged with the ISP for this implementation and almost budget is reserved and waiting for the pilot results.
Thank you
راجع هذه الوثيقة وفيها الإيميل
تتضمن التسريبات كذلك مجموعة من تذاكر الدعم الفني التي طلبها الجانب المصري من الشركة الإيطالية لكي يدخلوا على النظام ويصلحوا خطأ ما، أو دعمهم في تعديل أو تحديث لتلك البرامج الخبيثة، وهذا معناه أن الجانب الإيطالي كان يملك كل الصلاحيات من موقعه في إيطاليا، بمعنى آخر كانت مصر كلها في أيديهم تقنيا، وبإمكانهم التجسس على أي شخص وأي جهة دون حتى علم الطرف المصري، أي إننا منحناهم حق التجسس علينا واختراقنا ودفعنا لهم ملايين اليوروهات أيضا!
نص تسريب الدعم الفني من الجانب المصري بتاريخ 1 أبريل 2014.
عن طريق هذه البرامج تمكنت إيطاليا من معرفة آخر فيديو شوهد فيه المغدور "جوليو ريجيني" قبل تسلم ملفات القضية من مصر، وتمكنت من معرفة أسماء ضباط بعينهم متورطين في قتله، وكذلك ما قيل عن أن إيطاليا تملك أدلة ملموسة بالفيديو تدل على تعذيب الضحية، وكل ما يقال عن تسريبات تتعلق بتورط مناصب عليا في الدولة في هذا الموضوع مرجعه إلى أن أسرار الدولة المصرية كانت ملقاة على قارعة الطريق، تراها جميع أجهزة الأمن في العالم!
وهذا يفسر لنا كثيرا من الأحداث من ضمنها معلومات وصلت لأجهزة التخابر العالمية، تتعلق بوقت وكيفية حدوث حادثة الطائرة الروسية في سيناء، وكيف أنها قد سقطت داخل الأراضي المصرية، برغم إعلان السلطات المصرية عكس ذلك.
إن وجود هذا الاختراق الكبير يفسر لنا أيضا كيف انكشفت الدولة المصرية في حادثة الطائرة الروسية، وكيف أصبحت أجهزة المخابرات في العالم تتناقل المعلومات فيما بينها، بينما كان النظام المصري يتسول المعلومات منهم؟!
آخر التسريبات كان من عدة أيام، في يوم 6 إبريل 2016، حيث سرت أنباء عن أن الشركة الإيطالية توقفت عن دعم البرامج المصدرة لمصر لسبب غير معلوم حتى الآن، ويبدو أن مصر قد اكتشفت أخيرا أن مصدر المعلومات الذي تحصل عليه إيطاليا في قضية "ريجيني" هو شركة هاكينج تيم (Hacking Team)، ويبدو أن مصر هي التي ألغت التعاقد.
المضحك المبكي في الأمر أن أجهزة الأمن المصرية استعانت بهذه البرامج الخبيثة لكي توقع بالضحية "جوليو ريجيني"، أي إن "طباخ السمّ لا بد له من أن يتذوقه يوما"، ولا بد أن نقول لكل الدول التي تدعم مثل هذه الشركات ستدفعون الثمن أنتم أيضا!
يقول الخبراء إن هذا الاختراق من الصعب أن يمر على أجهزة الأمن المصرية، وأنه لا بد من وجود شخص أو مجموعة أشخاص خانوا البلد وسلموها لأجهزة التخابر العالمية بهذا الشكل المهين.
وهناك من يؤكد أن هذه الخيانة كانت من قيادات عليا، وأن الأوامر قد صدرت (من فوق)!
في نهاية هذه المقالة أحب أن أؤكد أن كاتبها ليس متخصصا، ولكنه قد نقل (بشكل دقيق) ما وصل إليه من شرفاء داخل النظام، ولا يفوت الكاتب أن يشكر جميع من تحركت ضمائرهم من ذوي الخلفيات المدنية أو سواهم لتوصيل هذه الرسالة لجماهير الأمة المصرية.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين…
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: arahman@arahman.net
ملحوظة:
هذه التدوينة نشرت للمرة الأولى في عربي 21
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.