يواجه رئيسا البرازيل -الحالي والسابق- احتجاجات هائلة في الشوارع بسبب اتهامات بالفساد.
وقدَّم رئيس الوزراء الروماني فيكتور بونتا استقالته العام الماضي وسط تظاهرات مُنددة بالفساد. وأضرم البوعزيزي، بائع الفاكهة التونسي، النار في نفسه في عام 2010 احتجاجاً على الفساد والبطالة المتفشية؛ ليُشعل ثورةً في العالم العربي، كان وقودها المواطنون الذين ضاقوا ذرعاً بالحُكَّام الفاسدين.
إنَّ القادة السياسيين الفاسدين المُتورطين في قصص تشد الانتباه مثل هذه لا يعملون وحدهم؛ فغالباً ما تُمكِّن لهم الأمر شركات عالمية مثل "أونا أويل" (Unaoil) النفطية، التي ملأت جيوب المسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء شمال أفريقيا، والشرق الأوسطـ، وآسيا الوسطى لتأمين عقود مربحة لها.
لماذا تتخذ أميركا موقفاً حازماً من الفساد؟
الكسب غير المشروع على المستوى الدولي هو الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية في العقود الأخيرة للسعي إلى القضاء على الفساد، وهو مسألة قد حان الوقت للنظر إليها باعتبارها مشكلةً كبيرة تُهدد الأمن القومي بحسب تقرير لـ"هافينغتون بوست".
يقول "أندرو سبالدينغ"، الخبير في قوانين مكافحة الفساد الأميركية في كلية الحقوق بجامعة "ريتشموند"، إنَّ العديد من الدول تتبنَّى إصلاحات جادة، وتفرض قوانين نافذة لمكافحة الفساد بسبب الجهد الذي بذلته الولايات المتحدة الأميركية، وشاركتها فيه دول غريبة أخرى، لمدة 35 عاماً؛ ويشعر المسؤولون الحكوميون بضغطٍ هائلٍ نتيجةً لذلك".
يعود الموقف الشديد الذي تتَّخذه أميركا حيال الرشوة والفساد لفضيحة "ووترغيت" التي أسقطت الرئيس ريتشارد نيكسون. فقد كشفت تحقيقات الكونغرس مساهمات غير قانونية قدَّمتها شركاتٌ لحملة نيكسون الرئاسية، ووجدت أنَّ شركات أميركية -بما في ذلك شركة "لوكهيد مارتن" و"موبيل أويل" و"نورثروب"- فتحت حسابات مصرفية بغرض تقديم رشى لمسؤولين أجانب من أجل تأمين عقودٍ لها في الخارج.
ورداً على ذلك، أصدر الكونغرس قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة
(Foreign Corrupt Practices Act) في عام 1977؛ وهو الذي جعل الولايات المتحدة أوَّل دولة تمنع الشركات من تقديم رشى للمسؤولين الحكوميين الأجانب.
نادراً ما طُبِّق القانون في البداية، ولكنَّه سبَّب قلقاً للشركات الأميركية. وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي، دفعت الشركات للكونغرس لإلغاء القانون أو إضعاف نصوصه، بحجة أنَّ القانون قد وضع الشركات الأميركية في موقف ضعفٍ أمام منافسيها الدوليين. وجاء الحلُّ الوسطُ الذي يُوجبُ على الرئيس أن يتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OEC)، وهي منظمة للتجارة الدولية، في الضغط على الدول الأخرى لتبني قوانين مكافحة الرشوة.
استغرق الأمر تسعة أعوام أخرى لتُقنع الولايات المتحدة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى بسن اتفاقية مكافحة الرشوة التي تتماشى قوانينها مع الولايات المتحدة. وفي عام 2003، أنشأت الأمم المتحدة نظام مكافحة الرشوة الخاص بها؛ لتفرض المزيد من القيود على الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
لهجمات 11 سبتمبر دورها أيضاً..
أعادت هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، تشكيل طريقة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد العالمي بصورةٍ كبيرةٍ؛ فقد خلق الردُّ على الهجمات طرقاً جديدةً للسلطات الدولية للتعاون ضد شبكات الإرهاب. هذه الطُرُق المُتَّبعة لإنفاذ القوانين يُمكنها أن تُطبَّق أيضاً على العمليات التي تنفذها الشركات بغرض غسيل الأموال وعلى قضايا الفساد.
وأوضح "جون أشكروفت"، المدعي العام إبَّان عهد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش من 2001 إلى 2005، في ورقة بحثية صدرت عام 2012، أنَّ هذا التنسيق العابر الحدود الذي تمخَّض حديثاً "زاد تبادل المعلومات، وخفض العوائق التقليدية المُتعلقة بقضايا الحدود" لإنفاذ القانون.
وفي الوقت نفسه، بدأ القادة السياسيون الأميركيون يدركون أهمية جهود مكافحة الفساد بالنسبة للأمن القومي؛ فقد ساهمت الأنظمة الفاسدة في تحويل المواطنين إلى مُتطرفين، وغرست بذور زعزعة الاستقرار العالمي. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ بإمكان الأنظمة المالية الفاسدة أن تكون مصدراً لتمويل شبكات الإرهاب. وعبَّر "أشكروفت" ووزير الخارجية الأميركي جون كيري عن هذا الرأي المُشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام.
ما علاقة الفساد بالتطرف؟
وقال كيري: "إنَّ الفساد هو أحد العوامل المُحفِّزة للتطرُّف؛ لأنه يُدمر الثقة في السلطة الشرعية". وأضاف: "إنَّه يفتح فراغاً يسمح للمُفترسين بالتحرُّك بحريةٍ داخله. ولا أحد يعرف ذلك أكثر من الجماعات المتطرفة العنيفة، التي تستخدم الفساد بانتظامٍ بوصفه أداة لاجتذاب المزيد من الأعضاء".
حدث شيء آخر بعد وقت قصير من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 صعَّب مهمة الشركات في إخفاء مدفوعاتها غير المشروعة: انهيار مزدوج لـ"إنرون" (Enron)، واحدة من أكبر شركات الطاقة الأميركية آنذاك، و"آرثر أندرسون" (Arthur Anderson)، شركة المُحاسبة الكبرى. كانت هذه أكبر فضيحة احتيال مُتعلقة بالشركات في التاريخ، وأدَّت إلى تغييرات كبيرة في مجال مُحاسبية الشركات وفي سياسات الادعاء بوزارة العدل الأميركية، بالإضافة إلى آثار كبيرة في إنفاذ قوانين الرشوة الخارجية.
كيف تعاملت الولايات المتحدة مع الشركات "الفاسدة"؟
استجاب الكونغرس في عام 2002 بإقرار قانون "ساربينز-أوكسلي"
(Sarbanes-Oxley Act)، محاولاً إصلاح الممارسات المُحاسبية للشركات. ووفقاً للقانون، تعيَّن على مديري الشركات أن يكونوا على اطِّلاع بالمخالفات، وشجَّع المحاسبين والمديرين على إبلاغ المسؤولين بالمشاكل المحتملة.
طُويت صفحة شركة "آرثر أندرسن" بعد إدانةٍ (أُلغيت في وقت لاحق من قبل المحكمة العليا) أدَّت إلى جعل 85 ألفاً من موظفيها بلا عمل. أثارت هذه الأضرار الجانبية أسئلة كبيرة في وزارة العدل؛ فقد تساءلت سُلطة الادعاء عمَّا إذا كان ينبغي لها توجيه الاتهام للشركات إذا كانت آثار الإدانة الجانبية تضر بالاقتصاد ضرراً بالغاً.
دفع هذا وزارة العدل إلى إعلان سياسة جديدة في عام 2003، تسمح بعدم الملاحقة أو تأجيلها بتسوياتٍ مع الشركات؛ لتكون وسيلةً لفرض القوانين المهمة دون التسبب في انهيار الشركات.
أدَّت سياسة التسويات الجديدة وتعيين فريق أكثر تشدُّداً في وزارة العدل لإنفاذ قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة بدايةً من عام 2007 بطريقةٍ أكثر صرامةٍ. في الفترة من 2004 إلى 2006، لم يكن هناك سوى 29 إجراءً لإنفاذ القانون سالف الذكر. وفي عام 2007، كان هناك 38. وفي عام 2008، كان هناك 33.
لحظة حاسمة
وجاءت اللحظة الحاسمة لإنفاذ قانون مكافحة الرشوة في عام 2008، عندما أُدينت الشركة الهندسية الألمانية "سيمنز" بدفع 1.4 مليار دولار أميركي رشوةً لمسؤولين حكوميين في الأرجنتين، وإسرائيل، ونيجيريا، والصين، وروسيا، وغيرها من البلدان، بغرض تأمين عقود مربحةٍ لها.
وافقت الشركة لاحقاً على دفع 1.6 مليار دولار للسلطات الأميركية والأوروبية لتسوية الاتهامات؛ وهو أكبر رقم يُسجَّل في تاريخ القضايا المماثلة.
دفعت تسوية "سيمنز" المزيد من إجراءات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة التي تستهدف الشركات الأميركية والأجنبية. يُمكن لكلٍّ من وزارة العدل ولجنة الأوراق المالية والبورصات، توجيه اتهامات بناءً على قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة ضد أيَّة شركة مدرجة في البورصات الأميركية، أو تمارس عملاً عبر البنوك الأميركية، أو تُجري معاملاتٍ بالدولار الأميركي.
تجارة رابحة..
منذ عام 2008، حقَّق المسؤولون الأميركيون للدولة مليارات الدولارات من التسويات مع الشركات الكبرى، وأُودع بعضٌ من كبار المسؤولين التنفيذيين السجن.
توصَّلت شركة "هاليبرتون" وKBR إلى تسويةٍ بقيمة 402 مليون دولار في عام 2009 عقاباً على خطةٍ استمرت عشر سنوات لرشوة مسؤولين نيجيريين للحصول على عقود للشركتين. وسوَّت الشركة البريطانية "بي أيه إي سيستمز" (BAE Systems) قضيتها مقابل 400 مليون دولار في عام 2010، بسبب اتهامات برشوة مقابل صفقات عسكرية. وجاءت تسوية شركة "دايملر" (Daimler) الألمانية لصناعة السيارات بعد تحقيق أثبت دفعها رشى في 22 بلداً.
اختبار بريطاني..
اختبرت قضية "بي أيه إي سيستمز" في عام 2006 قوة اتفاقية مكافحة الرشوة الدولية بعد أن تم كشف النقاب عن أنَّ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وجَّه مسؤولي إنفاذ القانون بإجهاض التحقيق.
وقال مارك بيث، الذي شغل منصب رئيس فريق عمل مكافحة الرشوة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين عامي 1989 و2014، إنَّ المنظمة هدَّدت بقطع التعامل مع بريطانيا باعتبارها دولةً غير متعاونة؛ الأمر الذي من شأنه أن يُحتّم على كل الشركات التي تتعامل مع نظيرة بريطانية تحمُّل عناء تحقيق دقيق ومكلِّف.
وأضاف: "كان هذا الأمر ليُقلل حظوظهم في العطاءات التنافسية. كان ليضُر ببريطانيا بصورةٍ بالغةٍ. ومن المفهوم أنَّهم لم يريدوا أن يذهبوا في هذا الطريق".
وقال بيث، إنَّ المنظمة قد أطلقت حملةً إعلاميةً كبيرةً؛ وهدَّدت بريطانيا بعقوبات تجارية. تراجع القادة البريطانيون في نهاية المطاف ووضعوا قانوناً جديداً لمكافحة الفساد "يُمكن وصفه بأنَّه أكثر قوانين العالم تشديداً آنذاك".
وانتهى المطاف بتحقيقات "بي أيه إي سيستمز" في أيدِ السلطات الأميركية. وفي عام 2010، أُدينت الشركة ووافقت على دفع 400 مليون دولار أميركي.
دول قليلة الالتزام بقوانين مكافحة الرشوة
أبرزت محاولة "بلير" لحماية "بي أيه إي سيستمز" مشكلةً كبيرةً في اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة، وهي أنَّ دولاً قليلةً هي التي تضع قوانين مكافحة الرشوة الخاصة بها موضع التنفيذ.
ذكرت منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة غير حكومية تراقب الفساد، أنَّ أربعاً فقط من 41 دولة عضوة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تُنفذ قوانينها بصورةٍ كبيرةٍ، وست دول أخرى تُنفذها بصورةٍ متوسطة. ومع أنَّ قضية "بي أيه إي سيستمز" قد أثارت غباراً كبيراً (أو ربَّما بسبب ذلك) تُعَد بريطانيا من الدول الأربع التي تُنفذ القوانين بصورةٍ كبيرةٍ، بينما تبقى اليابان دولةً تُمثِّل مشكلةً في هذه المساعي.
ويقول بيث: "أعتقد أنَّ دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يُمكنها أن تعمل معاً لتصبح أكثر حزماً بكثير".
انتقادات لواشنطن
وفي الوقت نفسه، يواجه مسؤولو الولايات المتحدة انتقادات متزايدة لغضهم الطرف عن مخالفي القانون الأفراد.
في عام 2012، على سبيل المثال، قرَّرت وزارة العدل ألَّا تُعاقب أيَّ فردٍ في تسويتها مع البنك البريطاني HSBC بشأن مزاعم غسيل الأموال لصالح عصابات المخدرات والدول الواقعة تحت العقوبات الدولية، بما في ذلك إيران.
وفي سبتمبر/أيلول 2015، أصدر نائب المدعي العام "سالي ييتس"، مذكرة جديدة ترسم سياسة عامة تضع ملاحقات الأفراد في قلب جهود مكافحة الفساد.
تُحتِّم "مذكرة ييتس" على الشركات التي تُقدِّم تقارير بالانتهاكات التي تحدث في داخلها تقديم أسماء جميع الأفراد الواقعين تحت طائلة المسؤولية للمحاكمة، حتَّى يتسنى للشركة أن تُكافَأ على تعاونها.
وقال "شروتي شاه" من قسم الولايات المتحدة في منظمة الشفافية الدولية، إنَّ قدرة المذكرة على إحداث تحوُّل كبير في السياسة المُتَّبعة هو أمرٌ سيكشفه الزمن.
وقال "شاه": "لا أعرف كم من تغيير حقيقي في السياسة سيحدث؛ لأنَّ هذه هي الإجراءات التي يُفترض من الشركات، من الناحية الفنية، القيام بها على أيَّة حال. إنها (المذكرة) تظهر تحولاً في اهتمامات الادعاء الأميركي، وهو أمرٌ مهمٌ حقاً".
إجراءات عملية
تتفاخر وزارة العدل الأميركية بمضاعفة موظفي التحقيق في قضايا الرشوة الأجنبية مؤخراً. وعلى الرغم من أنَّ عدد إجراءات إنفاذ القانون قد انخفض في عام 2015، تركز وحدة قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة جهودها على "قضايا أكبر حجماً، وأكثر تأثيراً، بما في ذلك قضايا ضد الأفراد الواقعين تحت طائلة المسؤولية"، كما قال المتحدث "بيتر كار".
وفي عام 2010، بدأت وزارة العدل مبادرةً لاستعادة الأصول المسروقة عن طريق الفساد. استعادت الوحدة الجديدة مئات الملايين من الدولارات في السنوات الخمس الأولى، بما في ذلك 480 مليون دولار اختلسها الدكتاتور النيجيري السابق "ساني أباتشا" وأُعيدت إلى الشعب النيجيري. وفي الوقت نفسه، أنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ثلاثة فرق لمكافحة الفساد الدولي.
وما تزال عشرات التحقيقات معلقةً ضد الشركات الأمريكية، بما في ذلك "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) و"جيه بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase)، بشأن توظيف أبناء مسؤولين في الحكومة الصينية. وقد وافقت "كوالكوم" (Qualcomm) في الأول من مارس/آذار على دفع 7.5 مليون دولار لتسوية قضية تتعلَّق توظيف أقرباء مسؤولين صينيين. ويخضع بنك "إتش إس بي سي" (HSBC) لتحقيق بشأن الممارسة نفسها.
ولروسيا حصتها من الرشى
وتُظهر التسوية التي تمَّ التوصُّل إليها مؤخراً ضد شركة المحمول الروسية "فيمبلكوم" (VimpelCom) عناصر جديدة تستخدمها الولايات المتحدة لفضح الفساد واسترداد الأصول المسروقة. دفعت "فيمبلكوم"، سادس أكبر شركة اتصالات في العالم، 114 مليون دولار رشوةً لابنة رئيس أوزبكستان "إسلام كريموف" عن طريق سلسلة من شركات وهمية وجمعيات خيرية زائفة لتأمين عقودٍ لها. استلزم التحقيق تنسيقاً مع المملكة المتحدة، وبلجيكا، وإيرلندا، وسويسرا، والسويد، ولوكسمبورغ، وهولندا، وقامت وزارة العدل الأمريكية بالتفاوض على التسوية واستردَّت الأموال المسروقة. وتسعى الولايات المتحدة إلى مُصادرة أرباح غير مشروعة إضافية.
وتكشف قضية "فيمبلكوم" حجر عثرة أمام إنفاذ القانون؛ ألا وهو قدرة المسؤولين والشركات الفاسدة على الاختباء وراء شركات وهمية مجهولة.
وقال "شاه": "أكبر قضايا الفساد في هذه الأيام هي الحصانة التي يتمتَّع بها هؤلاء المسؤولون الفاسدون، وأحد السبل التي يمكننا أن نوقف ذلك بها هي جعل عملية نقل أموالهم والتمتُّع بثرواتهم أكثر صعوبة. ويشمل ذلك رفض منح تأشيرات للمسؤولين الحكوميين الفاسدين، ولكنه يشمل أيضاً تضييق الخناق على هذه الشركات المجهولة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى".
قضية "أونا أويل"
ونُقل عددٌ من المدفوعات إلى مسؤولين حكوميين التي كشفها التحقيق الذي أعدته "هافينغتون بوست" بالاشتراك مع "The Age" بشأن قضية "أونا أويل" عَبرَ شركات وهمية مجهولة.
تم تدوير بعض الدفعات من قبل "أونا أويل" من خلال شركات وهمية مقرُّها ولاية "ديلاوير" الأميركية، وهي ولاية تحكمها بعض قوانين تأسيس الشركات الأكثر تساهلاً في العالم. ومما يُكسب الولايات المتحدة سمعةً متزايدةً باعتبارها ملاذاً للتهرُّب من الضرائب والخدمات المصرفية خارج الإطار الرسمي هو هذا التراخي في إنفاذ القوانين، والقوانين الفضفاضة في تأسيس الشركات مثل تلك الموجودة في ولايتي "ديلاوير" و"نيفادا".
اقترحت وزارة الخزانة الأميركية قاعدة في عام 2014 لزيادة الشفافية حول شركات وهمية عن طريق إلزام المؤسسات المالية بتحديد المستفيد الفعلي من الشركات المجهولة. وبعد مرور أكثر من 18 شهراً، لم ينتهِ إصدار هذه القاعدة.
وبعد التحقيق الذي أجراه "60 دقيقة" والمنظمة غير الحكومية "غلوبال ويتنس" (Global Witness) التي كشفت عن السهولة التي يمكن لمحاميي الشركات في "نيويورك" أن يساعدوا بها في إنشاء هذه الشركات الوهمية، قدَّم أعضاء في الكونغرس تشريعاً يُلزم الشركات بإدراج هوية المستفيدين منها علناً.
عقبات ومشاكل
ما تزال ثمَّة عقبات أخرى في طريق إنفاذ القانون. ومثل الشركات الوهمية المجهولة، تُستخدم المعاملات العقارية على نحو متزايدٍ لإخفاء المعاملات الفاسدة. تتطلَّب عملية جمع الأدلة عبر حدودٍ متعددةٍ، وقتاً طويلاً، وهي عملية صعبة؛ مما اضطر الباحثين للتنقُّل بين القوانين المُنظمة لخصوصية البيانات وتبادل المعلومات في كل بلدٍ. ونتيجة لذلك، وجد التقرير الدولي 2014 أنَّ قضايا إنفاذ القانون تستغرق متوسط سبع سنوات للتوصُّل إلى نتيجة.
وثمَّة مشكلة أخرى تواجه بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ ألا وهي عدم إشراك الاقتصاديات الصاعدة، مثل الصين والهند، في هذه الجهود.
وتم تأكيد التركيز الأميركي على إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في 16 مارس/آذار عندما تحدَّثت النائب العام "لوريتا لينش" في الاجتماع السنوي لاتفاقية مكافحة الرشوة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وقالت "لينش": "لقد تحوَّلنا في أقل من عقدين من عالمٍ كان يعتبر رشوة المسؤولين الأجانب استراتيجية تجارية سليمة، إلى عالمٍ يتم التعامل فيه مع الرشوة بما تستحقه باعتبارها جريمة مدمرة. إنَّ هذا يُعَد إنجازاً هائلاً يمكننا أن نفخر به كل الفخر، وإنَّه شهادة على ما يُمكن لجهود التعاون متعدد الجنسيات أن يُحققه".
تدل شبكة الفساد العالمية التي تملكها شركة "أونا أويل"، مع ذلك، على أنَّ الرشوة ما تزال تجري على قدمٍ وساقٍ. وتقوم الشركات التي ضمنت عقوداً من خلال رشى "أونا أويل" في البلدان التي وقَّعت على اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، وكندا، وألمانيا، واليونان، وإسبانيا، وتركيا.
ستكون استجابة هذه الدول الاختبار التالي للالتزام الدولي بوقف الفساد.
– هذه المادة مترجمة عن النسخة الأميركية من Huffington Post للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.