الشيخ المهاجر وصبيان الإعلام والتنميط السلبي في الثورة السورية

إن إفراغ الثورة السورية إعلامياً من العنصر المحلي بقصد أو بدون قصد جريمة سنحصد ويلاتها لأعوام، فما يصنعه الإعلام زمن الحرب أشد وقعاً مما تحصده البندقية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/08 الساعة 07:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/08 الساعة 07:02 بتوقيت غرينتش

استهلالاً، وللنأي بالنفس عن تهم الردة والعمالة والطعن بالثورة، لا بد من توجيه الشكر لكل من وقف مع الشعب السوري من غير السوريين على وجه الخصوص، والذي كان وجودهم نتيجة وحشية النظام واتكائه على الحلف "الشيعي" الإقليمي الذي يتمحور حول طهران في مرحلة أولى، وطبيعة الساحة السورية التي اعتبرها التيار الجهادي العالمي أيضاً فرصة تاريخية له، لكسب خبرات وتجارب جديدة، ولتوسعة مناطق السيطرة والتأثير والإمداد في مرحلة لاحقة.

يُضاف إلى ذلك عوامل أخرى لا مكان لذكرها، منها تشجيع المجتمع الدولي والنظام العربي على ديمومة الحرب في سوريا، وحرصه على عدم حسم المعركة، مع ما أتاحه ذلك له من فرصة لتشجيع تحول الساحة السورية إلى بؤرة استقطاب للتيار الجهادي العالمي ليستطيع اكتشافه وحصره في مكان واحد وإجهاده في حرب قد تشكل محرقة للقيادات الجهادية.

لكن هل يحق لمن وقف منهم بجانب الشعب السوري أن يتحدث باسم السوريين؟ بدءاً من أيام الجهاد الأفغاني، حيث كان يدعو الشيخ "عبدالله عزام" إلى عدم التدخل في الشؤون المحلية للأفغان، بينما كان هناك من يدعو للمشاركة في الصراعات المحلية، إلى سوريا حيث تشكل مصادمة البعد المحلي ومحاولة تهميشه أو تذويبه خاصة ضمن المناطق التي اندلعت فيها الثورة، والتي تشهد صراعاً على السلطة الرمزية موازياً للصراع على السلطة الميدانية، حيث يلاحظ وجود مجموعات للمهاجرين ابتعدت عن الانخراط في أي نقاش سياسي أو إداري مكتفيةً بالدفاع ودورها الميداني في المعارك ومساهمتها في تدريب المقاتلين، وبين من يسعى بعض الإعلاميين تسويقهم كواجهة لسوريا.

دعونا نسقط فيديو" شرعي الكتيبة" على إعلامي الكتيبة الذي خصه القدر في يومٍ نحس على الثورة أن يكون مراسلاً لكبرى المحطات التلفزيونية، ومع الإمكانيات المتوافرة بين يديه لم يستطع بعد خمس سنوات أن يسَوِّق الثورة إعلامياً بالشكل المطلوب.

كانت الطامة الكبرى حين أُعلنت معركة تحرير مدينة إدلب قبل عام من الآن، الإعلام حينها عكس الثورة على أنها مجموعة من المهاجرين في غياب مهيب للثائر السوري عن المشهد! بل اختُصرت الثورة في شخص واحد، "الشيخ المهاجر" اليوم وبمساعدة صبيان الإعلام غدا عرّاباً للثورة السورية، تُسلَّط عليه الأضواء في حله وترحاله، حتى وصل الأمر بالزوج أن ينتظر (تغريدة) "الشيخ المهاجر" ليَحُل خلافه مع زوجته.

لمَ الإصرار على إظهار "الشيخ المهاجر" أباً روحياً للثورة والثوار؟ هذا التنميط السلبي للثورة من يقف خلفه؟ لمَ العنصر السوري الثائر يكاد يختفي إعلامياً؟ هل هي معركة السوريين أم المهاجرين؟ فالإعلامي إن أراد التعامل مع الثورة بمسماها كـ"ثورة" أو كما يطلق عليها آخرون بـ"تجربة الجهاد الشامي"، هو في الحالتين لا يحق له تسويق المهاجر على حساب السوري إعلامياً.

هل سأل هذا الإعلامي نفسه، لم لا تغطِّ المؤسسات الإعلامية -التي يأتي المهاجرون من البلدان التي تنشط بها تلك المؤسسات- لم لا تغطي أخبارهم وتلاحقهم بعدساتها؟ أليس أولى بهذه المؤسسات أن تظهرهم على شاشاتها؟ لماذا الثورة دائماً تقع في الأفخاخ التي ينصبها النظام؟ فالأخير ما فتئ من بداية الثورة وهو يتحدث عن جنسيات مختلفة تقاتله في سوريا، في إشارة منه للمجتمع الدولي، أن لا علاقة للسوريين بما يحصل، الأمر الذي عمل الإعلام الثوري على تكريسه.

لخصوصية المشهد السوري وتعقيده، كان لزاماً على الإعلام الثوروي أن يصنع قادة سوريين بدلاً من المهاجرين، هذا الخلل الوظيفي غير مقبول حتى من المبتدئين، فالأصل في العمل الإعلامي (للحالة السورية) إظهار ما يحدث في سوريا سوريًّا خالصاً وإن كان لا علاقة للسوريين به.

كثر هم الناس -وأنا منهم- من يحرصون على متابعة الشيخ المهاجر كـ"داعية" وليس عرَّاباً لسوريا، وللإنصاف لا علاقة له ولا للمهاجرين يهذه المهزلة، من يتحمل المسؤولية هي المؤسسات الإعلامية ومن يعمل لديها، وقادة الفصائل السوريين المنزوين بعيداً عن وسائل الإعلام.

إن إفراغ الثورة السورية إعلامياً من العنصر المحلي بقصد أو بدون قصد جريمة سنحصد ويلاتها لأعوام، فما يصنعه الإعلام زمن الحرب أشد وقعاً مما تحصده البندقية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد