نجحت حركة حماس منذ تأسيسها عام 1987، في قيادة المقاومة الفلسطينية بطريقة استثنائية، أسهمت في إثراء المشهد التاريخي الفلسطيني، ورسمت صورةً مميَّزة للمقاوم المرتبط مع جمهوره، يَحْمِلُ هَمّهُم، ويعرف حاجتهم، ويسعى لِخدمتِهِم، وأضافت تجربةَ حماس في حكمها لقطاع غزة المحاصر، جوانب جديدة في فن المزاوجة بين السياسة والرصاصة.
كشفت تجربة حماس في الحكم جوانبَ فريدة في طبيعة الحركة وعوالمها، من خلال ممارساتها التي حاولت أن تُعلي فيها قيمةَ المقاومة الشعبية ذات التوجه اﻹسلامي المعتدل، واستطاعت أن تكون مدرسةً نموذجيةً في كل مرحلة عاشتها، وقادت أزماتها وحروبها مع الكيان الإسرائيلي بكل مرونة.
باختصار، إنَّ "حركة حماس" اليوم آخر الجدران الصامدة التي ما زلنا نستند عليها، ولذلك مطلوب منا أن نسعى ما استطعنا كي لا نخسره.
حماس والربيع العربي
في ظلِّ الثورات العربية التي عصفت بالدول وأدَّت إلى تغيُّرات جوهرِّية، انقسمت وجهات النظر بين من اعتبر ما يحدث ربيعاً عربيًّا يتحدى خريفَ الهزائم، وبين من يعتبرها مؤامرة كبيرة لتفتيت العالم العربي وإضعافه وإبعاده عن قضيته الجوهرّية فلسطين، رأت حماس أنَّ الثورات العربية، جاءت من رحم معاناة أبناء اﻷمَّة حتَّى اعتبر السيد إسماعيل هنية عضو المكتب السياسي للحركة، أنَّ "الربيع العربي مستمر حتى يتحرر المسجد الأقصى"، ولستُ اﻵن في صدد الحديث إذا ما كان هذا من التفاؤل الزائد الذي طالما اننتظرته حماس.
في واقع الأمر أصبح واضحاً لكلِّ متابع أنَّنا مقبلون على تغييرات إقليميَّة ودوليًّة وحروب تُقاد بالوكالة، لا سيَّما الحرب المستعرة في سوريا، وهذه التغيرات ستطالُ كلَّ العناصر المؤثرة في العالم العربي واﻹسلامي، وحماس غير مستثناة من هذه اللعبة، وخاصةً أنَّ الربيع العربي أفقدها شيئاً جوهريًّا، وهو أنَّ القضية الفلسطينية لم تعد مهيمنة على الرأي العام العالمي، والجماهير لم تعد تنظر لجريمة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني بعين الاندفاع كما كانت، وخاصة بعد صور المجازر اليومية التي فاقت حد التصور اﻹنساني.
وإذا كانت ظروف الفوضى والعنف والتغيرات أمراً مرفوضاً في عرفنا الحقوقي واﻹنساني، فإنَّها بالمقابل فرصة سانحة للدول التي تعمل بمنطق كل الحروب المفيدة!
فلماذا لا يتم اغتيال حماس؟
نعم، اغتيال حماس فكلّ الظروف مواتية لذلك.
. الواقع العربي متشتت، على نحو يستحيل فيه أن تلتقي روافد دوله في بحر واحد.
. حماس محاصرة من القريب والبعيد، تعاني حصاراً اقتصاديًّا هو اﻷصعب في تاريخها.
. الانقسام الداخلي ما يزال ينهك الحركة.
. فقدت الحركة الدعم اﻹيراني نتيجة موقفها اﻷخلاقي في سوريا.
. لم تجد الحركة احتضاناً عربياً إسلامياً بمستوى التي كانت تجده من الحلفاء السابقين.
هذه المعطيات وغيرها تشكل عنواناً مناسباً لتصفية الحركة العنيدة التي تقاوم إسرائيل ولا تخشاها، وتشكل نموذجاً سُنيًّا فريداً في المنطقة.
كيف يريدون اغتيال "حماس"؟
أولاً: منذ سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007 دخل القطاع مرحلة مواجهة مع عدة أطراف، الاحتلال الإسرائيلي، السلطة الفلسطينية، النظام المصري، ومن وقتها وحتى اﻵن هناك سعيٌ حثيث في تخليص الحركة من سيطرتها على رقعة جغرافية تقلق الاحتلال وتديره إداريًّا وعسكريًّا، وحتّى أكون صريحاً فإنَّ كل مسميات الوحدة والمصالحة هدفها فقط الوصول لهذا الهدف، وأرجو أن لا يُفهم من كلامي محاولة ضرب المصالحة، ولكن لا بدَّ أن نُمعن النظر ونتعمَّق أكثر في مآلات اﻷحداث.
ثانياً: اغتيال حماس إعلاميًّا ويتمُّ عبر حَملات منظَّمة، تهدف ﻹضفاء صفة اللبوس الديني على الحركة، ووسم المقاومة بنكهة الجهاد في محاولة للمقاربة بينها وبين منظمات متطرفة لاسيما "داعش" وليس ببعيد ما تمارسه وسائل إعلام توصف بالعربية لهذه المهمة.
ثالثاً: السعي لإخراج حماس من إطار أنَّها فصيل فلسطيني، واعتبارها حركة غير وطنية وجزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين العابر للدول، وما حدث في مصر من إلصاق التهم المستمرة للحركة جزءٌ من هذه الحملة.
رابعاً: استمرار حصار غزة وتجويع أهله، لمحاولة تركيع الحركة للرضوخ، ولعلَّ أهم أسباب الحصار تأليب الشارع الفلسطيني في غزة على حماس، وضرب حاضنتها الشعبية.
وعليه فإنَّ حماس؛ يجب أن تدرك أنَّ إسرائيل ومن معها لا يُفصحون في كثير من اﻷحيان عن مخطَّطاتهم، ولكنَّ المطلوب من حماس اليوم العمل وفق رؤية منظَّمة وواسعة تشمل اﻹعلام والسياسة والعسكر، وعدم الاستهانة بالحاضنة الشعبية في العالم العربي، واعتماد قراراتها ورؤيتها، بناءً على فهم التوازنات والتحالفات والاصطفافات السياسية، وإيجاد مقعد مناسب يضمن لمشروعها الصمود.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.