إن اندلاع الحرب، سمح للفضائيات العربية بالاستفادة من المواجهة المباشرة التي فرضتها حالة الحرب، وإذا انحسرت حالة التمايز التي يوفرها تعدد المصادر، راحت التغطية المتنوعة تتمحور حول المواجهة بين "الغزاة والمقاومين" دون أي تخطيط مسبق، أو بفعل الموقف الرسمي الأميركي البريطاني، الذي فرض قيوداً صارمة على طريقة تغطية الحرب، فوجدت الفضائيات العربية نفسها أمام تغطية تتطلب تبني مواقف مسبقة، مع أو ضد الحرب..
فراحت قناة الجزيرة مثلاً تعمل تحت شعار "الحرب على العراق" وتستخدم مصطلح "الغزاة" وتبث مشاهد وصور القتلى والجرحى العراقيين والدمار، التي تُحدثها آلة الحرب الأميركية البريطانية.
بينما نرى قناتي "أبوظبي" و"العربية" وإن ركزتا على مشاهد القتل والدمار وانضوتا تحت شعار "ضد الحرب" فإنهما لم تظهرا بنفس النبرة السائدة في قناة الجزيرة.
لقد عملت الجزيرة على مراعاة الموقف الشعبي العربي العام المناهض للحرب، وقدمت نفسها على أنها القادرة على توفير تغطية شاملة من خلال شبكة مراسليها الواسعة في مختلف المناطق؛ إذ كان لها حضور في شمال العراق وفي بغداد العاصمة، وكذلك في المناطق الجنوبية.
وقد كانت الفضائيات الإخبارية العربية الرئيسية (الجزيرة، العربية، أبوظبي)، التي تتولى مهمة التغطية الرئيسية للحرب، تصطدم أيضاً بالمواقف السياسية للدول العربية التي تملكها أو تأويها.
ففي حين استطاعت الجزيرة أن تحضر، بحكم خبرتها السابقة واتساع شبكة مراسليها في مختلف مناطق الحرب في العراق، فإنها وبسبب مواقف بعض الدول منها، لم تكن موجودة في مواقع رئيسية مثل الكويت على وجه التحديد، وهو الأمر الذي توفر للعربية وأبوظبي، في المقابل ظلت العربية وأبو ظبي، غير قادرتين على توفير نفس المستوى من الأخبار الذي قدمته الجزيرة، خاصة فيما يتعلق بسياسات الدول تجاه الحرب، ولا سيما مصر والسعودية والكويت.
كما أن الجزيرة ركزت أكثر تغطيتها على إبراز حملات التعاطف والتضامن مع العراق، من خلال المظاهرات والاحتجاجات العربية المعارضة، مقارنة مع تغطية العربية وأبوظبي، اللتين لم تتوسعا كثيراً في التغطية مراعاة لمواقف الدول التي تملكها.
غير أن الرقابة الرسمية التي كان يفرضها كل من العراق والولايات المتحدة على طريقة تغطية الأخبار، وفرت للقنوات العربية فرصة للتخلص من الإحراج، الذي يمكن أن توفره معلومات وتحقيقات مستقلة. فقد ظل الخطاب الرسمي والمعلومات عما يجري في ساحة القتال ومسرح العمليات، مرتكزاً على ما تقدمه وزارة الإعلام والمسؤولين العراقيين من جهة، والقيادة الوسطى الأميركية والبنتاغون من جهة أخرى.
وباستثناء بعض التقارير المهمة المستقلة إلى حد ما، التي بثتها الفضائيات من داخل مناطق مثل البصرة والموصل، بقيت المواقع الرئيسية للمعركة خاضعة لرقابة الطرفين المتحاربين.
لهذه الأسباب وغيرها، رأينا أن التغطية الإخبارية انتقلت إلى المحللين والخبراء الذين وظفتهم القنوات العربية بكثافة، وبات التنافس بين الفضائيات منحصراً في كم التحليل، الذي بوسع كل محطة بثه على شاشاتها على خلفية الصور المتكررة، التي سمحت الرقابة العسكرية ببثها.
ويرى بعض المراقبين أن التغطية الإخبارية للحرب في العراق في القنوات الفضائية العربية والأجنبية، قد أفضت إلى العديد من الإشكاليات، وأثارت العديد من التساؤلات، ولعل من أهم هذه الإشكاليات العلاقة الوثيقة التي ربطت بين الأداء الإعلامي والتوجهات السياسية، حتى بدا أن القنوات الفضائية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الواقع السياسي والأهداف السياسية للأطراف المؤثرة في أحداث الحرب، إذ باتت توجه الحرب وتؤثر فيها من خلال المضامين المقدَّمة، بالإضافة إلى أن هذه الحرب عكست حقيقة تتمثل في أن مدة ثلاثة أسابيع هي المدة القصوى أو الحد الأعلى لحرب إعلامية مؤثرة؛ إذ يَقِل تركيز الجمهور على أحداث الحرب بعد هذه الفترة، خاصة إذا شعرنا أنها حرب مشتعلة ومستمرة وليست في سبيلها للانتهاء أو الحل.
فمن جانب آخر ظهرت على المستوى العربي بعض الإشكاليات في التغطية الإعلامية للحرب على العراق كالمبالغة في الخطاب الإعلامي ومحاولة كل طرف تصوير النزاع كأنه يسير في اتجاه مصالحه، حيث أصبحت هناك حرب إعلامية موازية للحرب العسكرية، وأصبح كل طرف يقدم صورة سلبية عن الطرف الآخر بغرض إظهار قوته، وكان هناك سباق بين القنوات الفضائية العربية بوجه عام وقنوات الجزيرة العربية وأبوظبي بوجه خاص، لتحقيق السبق الإخباري، إذ قُدم العديد من القصص الإخبارية، وأُهمل تفسير الأحداث وفق رؤية موضوعية بعيدة عن الأساليب الدعائية.
بالإضافة إلى تقدم إشكالية الحوار مع الآخر التي تواجه الإعلام العربي، انحصر خطابه على دوائر الوطن العربي، على الرغم من تحول القنوات الفضائية العربية كمصدر لأخبار الـ(بي بي سي) بعد التبعية الإعلامية في هذه الحرب للإعلام الغربي، وإن قوض حاجز اللغة هذا الإنجاز بشكل كبير. ومن بين الإشكاليات أيضاً: خلط الخبر بالرأي، والغوص في تفاصيل دقيقة للحرب من دون تقديم تفسير عميق لما يحدث، وتهميش الاستعانة بمحللين عراقيين في التعليق على الأحداث، بالإضافة إلى الانتقائية في اختيار الأحداث والصور.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.