جولة في عقل مؤيدي الديكتاتورية

فريق يري أن البلاد تتجه بسرعة الصاروخ نحو الهاوية، إذا لم نكن بالفعل في الهاوية منذ زمن. والفريق الآخر يرى أننا نتجه نحو مستقبل أكثر إشراقاً من اليابان وتركيا وربما كندا أيضاً.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/02 الساعة 03:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/02 الساعة 03:49 بتوقيت غرينتش

هناك قصة قرأتها منذ زمن عن شخص يستطيع قراءة الأفكار، وكان يصف نفسه أثناء حالة "نبش" عقول الناس هذه، أنه كما لو كان يمشي في ردهات مليئة بالغرف، هنا غرفة ذكريات الطفولة، وهناك غرفة ذكريات الحب الأول، وهنا غرفة فراق الأحبة، وهناك غرفة الهجرة من الوطن وإلى آخره من الذكريات التي يختزنها الإنسان بداخله، وكانت الموهبة التي منحه الله إياها تجعله يملك مفاتيح كل هذه الغرف، فيفتح ما يشاء ويأكل حتى يشبع من الذكريات والأفكارالمتراكمة أمامه.
الحقيقة أن نظرية ردهات العقل هذه تعتبر الوحيدة التي قرّبت لي مفهوم العقل والذكريات والأفكار، فهي الأكثر منطقية من بين كل المئات من النظريات عن العقل والأفكار.. والحقيقة أيضاً أن اقتناعي بهذه النظرية يزداد أكثر فأكثر، كلما تجولت في مواقع التواصل الاجتماعي، وقرأت تعليقات الآخرين على ما يحل بالبلاد.. كلنا نعلم أن جميعنا ينقسم لنوعين تجاه هذه الأخبار: فريق يري أن البلاد تتجه بسرعة الصاروخ نحو الهاوية، إذا لم نكن بالفعل في الهاوية منذ زمن. والفريق الآخر يرى أننا نتجه نحو مستقبل أكثر إشراقاً من اليابان وتركيا وربما كندا أيضاً.

أعتقد أن النظرية السالف ذكرها تنطبق على هذا النوع الثاني.. للتوضيح أكثر سأعرض عدداً من الغرف الموجودة في عقول هؤلاء:
1- تحيا مصر:
هذه العبارة ليست فقط الشعار الخاص بالحملة الرئاسية، ومن بعدها انتخابات مجلس النواب، ثم أصبحت الجملة الشهيرة لكل العروض الغنائية الوطنية، ولكنها أصبحت التعليق الوحيد الذي ستراه على أي خبر، سواء كان خبراً إيجابيًّا أو سلبيًّا.
على سبيل المثال، إذا قرأتَ خبراً عن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، الذي هو كارثة اقتصادية بكل المقاييس، ستجد تعليقات كثيرة مكتوب بها: "تحيا مصر".. عظيم، ولكن ماذا بعد؟ كيف نتصرف لحل تلك الأزمة؟ وما سبب وصول عملتنا لهذا الوضع المزري أصلاً؟.. ستجد آخرين يجاوبونك بتعليق مبتكر بعض الشيء: "أبداً لن تسقط مصر"، والحقيقة لا أعلم كيف ستحيا مصر وسعر الجنيه ينخفض كل ساعة عما قبلها؟ وكيف لم نسقط بعد، وسعر عملتنا أصبح لا شيء هكذا؟ لا أحد يجاوب.. وإذا جاوبوا، تكون الإجابة أيضاً "تحيا مصر"!
أما إذا كان الخبر إيجابيًّا على غرار: أسر قائد الأسطول السادس الأميركي أو البدء في إنشاء المفاعل النووي، وعلى الرغم من لامعقولية هذه الأخبار، ولكنك ستجد المغردين يعلقون بحماس: "تحيا مصر" وأحياناً يكتبونها ثلاث مرات أو أكثر، وأحياناً أخرى يكتبونها هكذا: "تحيااااااا مصررررررر" على اعتبار أننا لو زودنا عدد الحروف أو الكلمات سيكتمل إنشاء المفاعل بين عشية وضحاها، أو ربما يوفقنا الله، ونتمكن من أسر قائد الأسطول السابع الأميركي هو أيضاً.

2- أمك:
تعتمد هذه الفئة على ذكر الأم اعتماداً أساسيًّا في الرد على المنتقدين لأي جهة مسؤولة في مصر.. فمثلاً، كلما تساءل أحد عن الصلاحيات المبالغ فيها التي في يد الجيش، أو انتقد أسلوب تعامل الشرطة مع المواطنين، كان الرد الشهير المفحِم لكل المتسائلين: "خلي أمك تقف على الحدود".. والحقيقة لا أعلم ما دخل والدتي في إدارة شئون البلاد التي دائماً ما تكرر السلطات أنها على قدر مسؤوليتها؟ وما شأنها في الزيادة اللانهائية لمرتبات الضباط والقضاة، وإنشاء منتجعات سياحية خاصة بهم؟ حسناً، إذا كان وقوف أمي على الحدود سيجعل مقاليد الحكم والاقتصاد والموازنة العامة كلها في يديها، ويبني لها مجمعات سكنية وأندية رياضية ومستشفيات خاصة بها وحدها، سأناديها من المطبخ لتحزم أمتعتها وتتجه إلى الحدود على الفور.

3:- اعتبره أبوك يا أخي:
دائماً ما تجد هذه العبارة في التعليق على أخبار الفاسدين أو القتلة.. فقد بدأها حسام حسن في المظاهرات المؤيدة للرئيس المخلوع مبارك إبان ثورة الخامس والعشرين، مندداً بالخارجين عن نظام مبارك، لمجرد أنه في سن والدنا، إذن فهو يرى أن من حق مبارك ومن على شاكلته أن يفعلوا بنا وبالوطن كل ما يحلو لهم، وليس من حقنا الاعتراض لمجرد أنه بلغ من العمر أرذله!
منذ عدة أشهر عندما كانت تجتاج الإسكندرية أمطار غزيرة، انتشرت صورة لضابط مرور بدين واضعاً يديه خلف ظهره وأمامه بحيرة كبيرة من الماء.. هذه الصورة لاقت سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. ثم بدأت حملات الدفاع المستميتة عن الرجل، حتى أن البعض قال إنه كان لاعباً للتايكوندو، ثم أصابه حادث عندما كان ينقذ أطفالاً يعبرون الشارع، ومن بعدها أهمل الرياضة، فأصبح جسمه هكذا.. ثم تعرفوا عليه أهل الإسكندرية قائلين إنه ضابط مرتشٍ وكثيراً ما سحب رخص سيارتهم دون وجه حق من أجل الحصول على الرشوة.. بالطبع السخرية مرفوضة لأي شخص، خصوصاً لو كانت سخرية من الشكل الذي خلقنا الله به، ولكن لماذا كل هذه المبالغة في حب الرجل وهو لا يستحقها؟! كان من الممكن أن نرفض السخرية وحسب، ولكن لا بد من ذلك الحنان المبالغ فيه تجاه الفاسدين الذين لا يعبأون بآرائنا فيهم أصلاً.

4- مفيش شماتة في الموت:
هذه هي الغرفة الأشهر على الإطلاق في عقول تلك الفئة.. فدائماً ما نسمعهم يرددون هذه المقولة عند وفاة أحد محبينهم، الذين هم دائماً ما يكونون ديكتاتورين أو قتلة أو فاسدين أو ساكتين عن الحق ومناصرين للظلم مثلهم.. فنجدهم هنا وهم يتجلون في أسمى معاني الإنسانية والطيبة، متهمين من يتنفسوا الصعداء بزوال من عذبهم وظلمهم بأنهم تجردوا من كل معاني الإنسانية والأخلاق: "كيف لكم أن تفرحوا بموته، مفيش شماتة في الموت يا حيوانات".. إذن تعالوا لنبحث في أصل هذه الجملة الرقيقة لنرى من أين جاءوا بها.

مرت جنازة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأثنى عليها الناس بخير حتى تتابعت الألسن فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجبت.. قال ومرت به جنازة فأثنى عليها الناس بشر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجبت.. فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله قلت في الجنازة الأولى حيث أثني عليها خيراً وجبت، وقلت في الثانية كذلك.. فقال -صلى الله عليه وسلم-: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم شرًّا فوجبت له النار، إنكم شهداء الله في الأرض.
إذن لو كانت الجملة من أحاديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- فلماذا لم يَنْهِ الصحابة في هذا الموقف عن ذكر مساوئ الرجل الميت؟
يقول الله عز وجل في سورة التوبة: "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".
مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه بجنازة، فقال: (مستريح ومستراح منه)، قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال: (العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب).
ذكر رسول الله أن العبد الفاجر يستريح منه الجميع حتى الشجر والدواب، فما بالكم بالمظلومين عندما يتوفي ظالمهم؟
حتى أن التاريخ الإسلامي يخبرنا بردود أفعال منهم أكثر منا جميعاً تقوى وإيماناً عند موت الظالمين، فعند موت الحجاج بن يوسف الثقفي سجد "الحسن البصري" شكراً لله وقال "اللهم عقيرك وأنت قتلته، فاقطع سنّته وأرحنا من سنّته وأعماله الخبيثة" ودعا عليه، وكذلك فرح عمر بن عبدالعزيز وسجد سجدة شكر للمولى سبحانه، وعندما سمع بموته الإمام طاووس بن كيسان اليماني سُرّ بذلك وقرأ قول الله تعالى: "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".

الأغرب أن هذه الفئة التي تحرِّم الشماتة في الموتى الذين غالباً ما يموتوا ميتات طبيعية، معظمهم من يبتهج ويفرح إذا سقط شباب قتلى في أي مظاهرة لمجرد أنهم لا يحبون المظاهرات لأنها توقف عجلة الإنتاج.
ثم بعد كل هذا يلقون المواعظ والحكم عن لاآدمية الشماتة في الموتي! الشيزوفرينيا اللعينة تفعل أكثر من هذا!
5- إيه اللي وداهم هناك:
الحقيقة أن هذه الغرفة لا تشغل فقط أكبر حيز في عقول هؤلاء ولكن في قلوبهم أيضاً، فهم يرددون هذه الجملة على مدى خمس سنوات دون توقف!
بدءاً من يوم 28 يناير عام 2011 عندما أطلقت الشرطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين وهم يصلون على كوبري قصر النيل، وهم يهاجمون هؤلاء الهمج الذين لا يراعون هيبة الصلاة ويصلون في الشارع هكذا دون الاهتمام باتجاه القبلة حتى، مروراً بموقعة الجمل وأحداث ماسبيرو ومحمد محمود حتى تجلت الجملة في أجمل صورها أثناء أحداث مجلس الوزراء وواقعة ست البنات الشهيرة، وثم وثم وثم.. حتى في حادثتي ستاد بورسعيد وستاد الدفاع الجوي، اللتين هما بعيدتان كل البعد عن السياسة.. فهم تساءلوا في الأولى عن سر ذهاب المشجعين إلى بورسعيد، رغم علمهم بوجود ضغائن مسبقة بين جماهير ناديهم وجماهير نادي المصري؟ أما عن الحادثة الثانية فهم تساءلوا عن دخول الجماهير للملعب دون تذاكر؟ أسئلة ذكية وأسباب مقنعة للقتل حقاً!

لا تتعجب إذن عندما تقرأ خبر يقول إن وزير التعليم العالي اعتمد قراراً بفصل الرئيس الأسبق "محمد مرسي" من عمله كمدرس جامعي، نظراً لانقطاعه عن العمل!
كما لو كان الوزير يود أن يقول: "وإيه اللي وداه السجن وسايب شغله؟" ولكن يبدو أن محرر الخبر نسي كتابة هذه الجملة.

6- يا كلب يا خاين يا عميل:
لا، هذه ليست الجملة التي قالتها العاهرة لـ"عادل امام" في فيلم "السفارة في العمارة" عندما فوجئت أنها في نفس عمارة السفارة الإسرائيلية، ولكنها نفس الجملة التي ستسمعها إذا انتقدت أي شيء في مصر.
الغريب أن أول من بدأ هذه الجملة هو من يسمى "بالدكتور توفيق عكاشة" نفس الرجل الذي أُسقطت عضويته من البرلمان مؤخراً على خلفية استقباله للسفير الإسرائيلي في منزله.
الأغرب من هذا أن البلد الذي يتهمنا إعلاميوه ومسؤولوه بالعمالة هو البلد نفسه الذي صوّت لإسرائيل في لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي بالأمم المتحدة!

7- المهم نبقى كدا:
ليس المقصود هنا هو السخرية من كلمة الرئيس السيسي، ولكن المقصود هو أسلوب الحياة نفسه الذي أصبحتْ تتعامل به هذه الفئة مع الوطن!
حصلت مصر على المركز الـ139 على مستوى العالم في جودة التعليم من أصل 140 دولة، وذلك حسب تقرير التنافسية العالمي لعام 2015.. "وإيه يعني، أصلاً التقرير دا مشكوك فيه".
مصر تأتي في المركز الأول عالميًا من حيث عدد الصحفيين المعتقلين حسب التقرير السنوي للمرصد العربي لحرية الإعلام لعام 2015.. "أكيد ماكنش معاهم تصريح مزاولة المهنة، يستاهلوا".
مصر المركز الأول عالميًّا في الإصابة بفيروس (سي)، والأولى عربيًّا في نسبة الأمية، والثانية عالميًّا في نسبة التحرش، والسادسة عالميًّا في معدلات التلوث، والأولة عالميًّا في حوادث الطرق.. "مش مشكلة، مصر أم الدنيا ومذكورة في القرآن الكريم".
أعتقد أن جملة "المهم نبقى كدا" أعم وأشمل من هذه الحجج الواهية.

8- مصر أكبر من تركيا:
لا ليست هذه إحدى الغرف السابقة، ولكنها مقولة ساخرة سمعتُ والدتي تغمغم بها عند متابعتها لمسلسلها التركي المفضل، والذي اضطر فيه البطل الذي يعمل ضابطاً بالشرطة لأخذ قرض بنكي لترميم سطح منزله الذي انهار جراء المطر الشديد، تذكرتُ أمي في مرارة كيف يعيش أقل أمين شرطة هنا، وكم يتقاضى فاستغفرتْ ذنبها على الفور، وأخذت تردد تلك الشعارات الوطنية المخلصة.

9- لا تجادل ولا تناقش:
لم أرقم تلك الغرفة لأنها لا توجد في عقول الفئة السالف ذكرها، على العكس.. فهم يعشقون الجدال والمكابرة في الحوار، ولكن تلك الغرفة يجب أن تكون في عقلك أنت إذا صادفت أحد هؤلاء المعلقين، فمرارتك وضغط دمك وقولونك، تستحق التضحية والصمت بالتأكيد…

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد