كن مثل “عمر”!

عمر شخصية مدون تستحق الوقوف طويلاً أمامها، والنظر في تقلباتها الموزونة، وحتى في ردود أفعالها المُحكمة واتزان عباراتها، ونظرها إلى ما بعد الأحرف وبعد الكلمات، واستغراقها في قراءة الشخصية في لحظات من خلال بضعة أحرف وإتقان فن الرد، نمط فريد ومتميز كهذا بات نادراً بل على وشك الانقراض..

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/22 الساعة 04:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/22 الساعة 04:52 بتوقيت غرينتش

منذ مدة انتشرت المدوَّنات بمدونيها ومدوِّناتها، والأغلب منهم يطرح الأفكار رغم جودتها وبلاغة لغتها، إلا أنها تأتي من دون قدرة على مناقشة الآخر في طرحه، بل يعجز أحياناً عن التعليق أو الرد، ولا أنكر أن هناك كمًّا سطحيًّا من بعض التعليقات التي لا تستوجب الإجابة، لكن هنا لا أتكلم عن السطحي منها، بل أتكلم عن تلك التعليقات التي لا بد من احتوائها بجواب وبجواب متقن ذكي وسريع، وخصوصاً لمن كان online.

ورغم متابعتي للمدونين إلا أني أتابع منذ زمن مدوناً يُدعى "عمر" ورغم أنه غير مشهور على الصعيد الإعلامي، لأنه يحصر تدويناته في صفحته الشخصية، والحديث عنه هنا ليس من باب الدعاية لهذا المدون؛ لذا لن أذكر سوى اسمه الأول، إلا أن الملفت للانتباه في تدويناته ليس قدرته على الكتابة ببلاغة وإحسان، وانتقاء كل حرف وكل كلمة عدا بعض الهفوات التي لا أذكرها والتي تصادف كل كاتب في عمله، وخصوصاً الأعمال المباشرة الآن، إذ بات العمل من طباعتك إلى الجمهور، لا أن ينقح ويفحص كما كان سابقاً في المطبوعات الكلاسيكية الورقية، وإنما المثير للانتباه فعلاً هو قدرته الذكية على الرد واحتواء الآخر، وإن كان التعليق يحوي استهزاءً أو سباباً وشتائم اعتدنا على التعثر فيها كلما حاولنا متابعة الواقع العربي.

ل"عمر"، تلك القابلية على الاستماع، على الاستغراق في الاستماع، كأنك تراه بعينيك يقرأ فيبتسم، ثم يفكر للحظة، ثم يجيب جواباً لا تدري حقًّا كيف قفز من ذهنه إلى المدونة في تلك اللحظات الآنية التي تحتاج إلى تمرس وقابلية، لا يفاجئك وأنت تتابع مدوناً عربيًّا في منتصف الثلاثينات من العمر، له القابلية على أن يجيب شخصاً سبه وشتمه دون اللجوء إلى إجراءات كالحجب والمنع، بل يجيبه بكرم مستغرقاً، آخذاً من وقته وأعصابه ليرد على معلق أجده أنا او أغيارنا من الناس الذين تنفلت ردود أفعالهم بسرعة لا يستحق الإجابة، لكن مدون مثله يتمتع بالصبر ليرد، لا ليرد فقط بل ليحاول أن يُفهم الآخر أطر الحديث، بل تداعيات الواقع، وتفاصيله، ولا ينقصه حس الفكاهة، أو تنوع المواضيع، بل لا ينقصه شيئاً البته في عرضه.

هذا الصبر والتفنن في محاورة الآخر والنفس الطويل في الأخذ والرد والتحمل أجده صفة باتت نادرة في أغلب المدونات، بل حتى لدى بعض المشاهير من الكتاب يعيشون في عالم منفصل تماماً عن واقع المعلق، وأي تعليق فيه استفسار أو إبهام يلجأون إلى الخيارات القاسية دون إطالة النظر في حالة أو حالات يعيشها المعلقون..

عمر شخصية مدون تستحق الوقوف طويلاً أمامها، والنظر في تقلباتها الموزونة، وحتى في ردود أفعالها المُحكمة واتزان عباراتها، ونظرها إلى ما بعد الأحرف وبعد الكلمات، واستغراقها في قراءة الشخصية في لحظات من خلال بضعة أحرف وإتقان فن الرد، نمط فريد ومتميز كهذا بات نادراً بل على وشك الانقراض..

كم من عمر كهذا نحتاج في حياتنا.. في علاقاتنا؟
في تواصلنا مع الآخرين إلكترونيًّا أو فعليًّا؟

نفشل في التواصل في كثير من مواقف الحياة؛ لأننا ببساطة لا نملك الدراية ولا فن الدراية.. ولا محاولة على الأقل فهم الحد الأدنى مما يطرحه الآخر، هذا الواقع يشير إلى شرخ في قراءة العربية وفي فهمها، ثم في محاولة إلى تشاطر الأفكار مع ذوي جلدتنا، ومع مجتمعاتنا مع قادتنا وقياداتنا.

هذا الفهم السلس اللطيف الذي تخلينا عنه منذ زمن أطاح بعلاقاتنا وبواقعنا وبكل مستقبلنا أيضاً، فهذا التشوش في التواصل، لن يؤثر على فهمنا للحاضر بل للمستقبل دون شك..

كم رجلاً نحتاج ك"عمر".. لتستقيم حياتنا، علاقاتنا، ومجتمعنا؟
كن/ كوني مثل "عمر"!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد