للكاتب الأميركي جون شتاينبك مقولة شهيرة "الشعب الذي يسير على طريق الموت يحتمل الحاضر، وينبذ المستقبل، ويتمتع بالعظمة الماضية والمجد الذي لا يذكره جيداً".
هكذا قرر الشعب المصري أن يسير في نفس الطريق ليلقى نفس المصير..
عن العظمة عن المجد عن الحضارة البعيدة والبعيدة جدا.. فقط دائماً ما نتحدث، بينما يضرب حولنا الحاضر بحصار خانق! فتحاصرنا العشوائيات ويقتلنا التلوث ويفتك بنا الفساد من ناحية والظلم والقهر وغياب القانون والعدالة الاجتماعية من ناحية أخرى.. إذاً فإن حاضر مصر حاليًّا لا يمكن بأي حال أن يشبه من قريب أو من بعيد ماضي هذا البلد وتاريخه.
ففي ذلك الماضي الذي يعظِّم من قدراتنا -بني المصريون القدماء- حضارة تذهل العالم حتى الآن فاخترعوا الكتابة وبنوا الأهرامات وأنشأوا الأسطول النهري لنقل منتجاتهم، وازدهرت الزراعة والفنون الآداب وأنشأوا أول جيش قوي لحماية الحدود وصد غارات الأعداء ولتصبح مصر أول قوة عظمى.
مصر في عهد البطالمة لم تقل روعة.. فتم إنشاء أول ميناء وجد به منارة الإسكندرية القديمة إحدى عجائب الدنيا السبع ومكتبة الإسكندرية، عملاقة العلم والمعرفة في عصرها؛ لأنها ضمت ما يزيد عن 700 ألف من المؤلفات والكتب العلمية.
و حتى في عصور الاحتلال الروماني كانت سلة غذاء الدولة الرومانية وكان قمحها لا ينقطع عن تغذية إمبراطورية الرومان.
الدين المسيحي يدخل في مصر.. فكان المصريون يجدون فيه المحبة والسلام فسمحوا لها بالانتشار وواجهوا بطش الرومان بقوة وصلابة وكفاح، وتأسست أول كنيسة في مصر وفي إفريقيا بأكملها على يد القديس مرقس في الإسكندرية.
الإسلام يفتح مصر.. عمرو بن العاص القائد الفاتح يدخل ومعه مفتاح الخلاص من ظلم وقهر الرومان ليفتح أمام مصر عصر جديد لتكون بوابة الإسلام لإفريقيا.
صلاح الدين يرد من قلب مصر هجمات الصلبيين الهمجية.. قطز ينهي أسطورة التتار إلى الأبد و يعيدهم إلى حيث ما أتوا من أواسط آسيا.
مصر تدخل عصر جديد عصر الدولة الحديثة.. فبلغت قوة وسطوة الدولة المصرية مداها حتى أن الدولة العثمانية بالاتفاق مع إنجلترا وفرنسا لم يهدأ بالهم حتى تنازل محمد علي باشا عن الحكم وينتهي معه خطر الدولة المصرية في ذلك الوقت.. ورغم ذلك حاول من بعده إكمال خطوات النهضة.. فهذا الخديوي إسماعيل الذي أنشأ قناة السويس بعرق ودماء المصريين وحول القاهرة لقطعة من مدن أوروبا والتى ما زالت آثارها في المباني العريقة حتى الآن..
احتلال إنجليزي غاشم اغتصب من عمر مصر سنوات تخللها كفاح ونضال ضد الاستعمار ليأتي بعده تأييد شعبي للجيش في حركته للإمساك بزمام الأمور والتحول نحو الجمهورية والتطلع نحو مستقبل تكون فيه الكلمة العليا للشعب وحقه في تقرير مصيره.
ندخل نفقاً مظلماً بسبب عدوان إسرائيلي غاشم في 1967.. بطولات وتضحيات في ملحمة كبرى تنتهي بنصر أكتوبر 1973.
ندخل في نفق أشد ظلمة.. يواجهنا فيه الفساد والبطش والظلم.. سنوات أخرى لينتفض الشعب في 25 يناير ويطيح بأشخاص تصوروا أنفسهم للحظات أنهم آلهة لا قبل لأحد بمواجهتهم.
بالفعل.. تاريخ حافل الذي تحسده علينا الكثير من الدول الأخرى وتتمنى لو كانت تملكه.. لأنها تعلم أنها آنذاك ستقود العالم.
ولكننا نسعى بكل قوة لتدمير ذلك التاريخ.. بكل قسوة وكل حزم.. وبكل إصرار من عنف وحرب شوارع؛ لانعدام للأمن، لفساد ليس له نهاية، لصراعات دموية على مقاعد الحكم نقوم بعمليات تدمير ذاتية ومستمرة، لن تجرؤ أن تقوم بها أميركا أو إسرائيل أو حتى داعش، الجماعة الهمجية الإرهابية التي أفزعت العالم بأعمالها إذا دخلت مصر.. ذلك لأننا تقريباً نقوم بنفس الشيء كل يوم.. فهذا طفل يقتل وهذا رجل يتحرش وهذا يخون وهذه تسب وتلعن.. هذا إعلامي يزيف الحقائق وهذا مسؤول لا يهمه شيء قط إلا كرسيه الذي يجلس عليه فليحترق من يحترق وليتحطم كل شيء في سبيل منصبي.
فإن وصولنا لهذه المرحلة الحرجة يؤكد أن لا أحد سينجو.. فالكل مسؤول هنا ولن يجدي نفعاً أن نعلق آمالنا وأحلامنا على شخص أو نظام، فيجب أن نعمل ونتحرك في صالح مجتمعنا وحده ومستقبلنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.