أعلن الكرد في سوريا الخميس 17 مارس/ آذار عن إقامة نظام فيدرالي من طرف واحد في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال البلاد، الأمر الذي أثار موجات من الرفض سواء من قبل المعارضة والنظام السوري أو القوى الإقليمية أو الدولية.
ولكن بعيدا عن كل ما يحيط بملابسات ما يحدث في سوريا، ربما تكون هذه هي فرصتك للتساؤل عن ما هو النظام الفيدرالي؟ وكيف تم تطبيقه عربيا؟
بعيدا كما قلنا عن ملابسات الحالة السورية، فإن النظام الفيدرالي، في حالة الاتفاق عليه بالتراضي وليس بمنطق فرض الأمر الواقع، ليس إلا شكلا من أشكال التنظيم السياسي، بموجبه تتوحّد الدول أو الولايات المنفصلة أو الأنظمة السياسية من خلال نظام شامل يسمح لكل إقليم أو دولة تحت مظلته ببناء نظام سياسي خاص بها.
يتم توزيع السلطات بين الحكومة المركزية الفيدرالية وبين الحكومات الإقليمية من خلال الدستور، إذ يسمح للحكومات والولايات داخل الدولة الفيدرالية بتحديد قوانينها وسياستها الداخلية، في حين تتمتع الحكومة المركزية في معظم الأنظمة الفيدرالية بسلطة تحديد السياسة الخارجية والدفاع، كسلطة حصرية لها.
وتعود فكرة النظام الفيدرالي إلى الفيلسوف الألماني غوهان ألتيزيوس (1557-1638)، في حين تعود الفيدرالية بمفهومها المعاصر إلى اختراع أميركي، فالفيدرالية المعاصرة تعود أصولها إلى تأسيس الولايات المتحدة الأميركية عام 1789م، وانتخاب جورج واشنطن ليكون أول رئيس لها، ومن المبادئ السياسية التي يقوم عليها النظام الفيدرالي، هو أولية المفاوضة والتنظيم بين مراكز القوى، إذ يرى تقسيم السلطات على أنه حماية للحريات الفردية والمحلية.
وبالتراضي، وجدت العديد من الدول شكلا مناسبا لمراعاة التباينات الناتجة عن سعة رقعتها الجغرافية أو تعدد خلفياتها الثقافية من خلال النظام الفيدرالي، وعلى الرغم من أن قرابة ثلاثين دولة هي التي تعتمد ذلك النظام من حوالى مئتي دولة في العالم إلا أن أكثر الدول الكبرى في العالم تعد دولاً فيدرالية، مثل: أميركا، وروسيا، والهند، والبرازيل، وأستراليا.
محاسن النظام:
1- يسمح النظام الفيدرالي بالتنوع، حيث تتعامل الحكومات المحلية مع مشاكلها بشكل مباشر، فالدولة كلها ليست مقيدة بسياسة واحدة تفرض على كل ولاية حلّ مشاكها من خلالها، فالحكومات المحلية من خلال هذا النظام تستطيع حل مشاكلها من خلال حلول خاصة ومحلية.
2- يساعد النظام الفيدرالي على التخفيف من النزاعات الداخلية، إذ يسمح للولايات والمجتمعات أن تدير أمورها الخاصة واتخاذ القرارات الداخلية دون الرجوع إلى العاصمة، مما يقلص من فرص النزاع بين الحكومة المركزية وبين الولايات.
3- تجنب الاستبداد ودعم التعددية، فتوزيع السلطات يعد ضمانة قوية ضد حدوث أي نوع من الاستبداد، كما أن توزيع السلطات على مستوى محلي يعطي فرصة أكبر للناس للوصول إلى رؤسائهم وقادتهم المباشرين والفرص للتعامل مع حكوماتهم مباشرة.
4- تحسين الكفاءة، إذ يضمن النظام الفيدرالي قدراً من سهولة التبادل التجاري والاقتصادي بين مكونات الدولة، كما يتيح الإبداع والتنوع في الممارسة الإدارية بين الوحدات الفدرالية، وهو ما يُنتج نماذج أكثر تطوراً وقادرة على ابتكار أساليب فعالة لتقديم مزيد من الخدمات وبجودة أفضل.
مساوئ النظام:
1- يعطي النظام الفيدرالي الفرصة لأصحاب المصالح لحمايتها، ففي الولايات المتحدة مثلاً، استغل داعمو سياسات التفرقة العنصرية نظام الولايات لتجنب قانون فيدرالي يقضي على التفرقة العنصرية ويضمن المساواة بين جميع المواطنين.
2- إحباط سياسة وطنية موحدة، حيث يمكن إحباط سياسات عامة للحكومة المركزية تتعلق بالطاقة أو مخططات القضاء على الفقر والتلوث على سبيل المثال.
3- توزيع التكاليف والمكاسب المالية الحكومية بشكل غير متساوٍ، إذ تنفق بعض الولايات أكثر من ضعفي نصيب الفرد على التعليم مقارنة بالولايات الأخرى، حتى أنه في نفس الولاية تنفق بعض الأحياء الغنية الضعف أو الثلاثة على العملية التعليمية مقارنة بالمناطق الفقيرة، كما تكون الضرائب في بعض الولايات أعلى من ولايات أخرى، في حين قد لا يوجد دخل ضريبي في بعض الولايات.
4- الفيدرالية تعيق اتخاذ القرارات بشأن القضايا الوطنية، فبالرغم من مساهمة اللامركزية في التخفيف من حدة الصراع بين الحكومة المركزية الفيدرالية والحكومات المحلية بخصوص بعض المسائل، فإنه قد تطرأ مسائل تحتاج إلى قرار موحد بين جميع الحكومات المحلية.
الفيدرالية في العالم العربي:
العراق
بعد سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، أظهر الكرد في العراق رغبتهم المتجددة خلال العقود السابقة، في تبني دستور جديد على أساسه يكونون فيدرالية قومية تمكنهم من إدارة الأقاليم الشمالية، ضمن دولة العراق.
وفي 8 مارس/ آذار 2004، صدر قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، والذي ينص في المادة الرابعة منه على أن نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي فيدرالي، يجري فيه تقاسم السلطات بالاشتراك بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان والمحافظات والبلديات.
الإمارات
في 18 يوليو سنة 1971 اجتمع حكام الإمارات السبع لإجراء مباحثات تستهدف إيجاد شكل متين للتعاون فيما بينهم، حيث توصل حكام الإمارات إلى قرار بالتوقيع على وثيقة قيام دولة اتحادية باسم (دولة الإمارات العربية المتحدة)، لتكون نواة لاتحاد شامل.
ويعتبر نظام الحكم في الإمارات، نظاما اتحاديا فيدراليا، فهناك الحكومة الاتحادية ولها دور محدد وهناك الحكومات المحلية ولها دور ضمن حدود إمارتها. وبحكم الدستور فإن الحكومة المركزية لها سلطات محددة، في حين تركت مساحة غير محددة من السلطات المفهومة ضمنياً للإمارات كل على حدة، وتحتفظ كل إمارة بالسيطرة على نفطها وعلى ثروتها المعدنية وعلى بعض مظاهر أمنها الداخلي.
الصومال
تعود فكرة النظام الفيدرالي في الصومال إلى مؤتمر المصالحة الصومالية المنعقد في كينيا 2002- 2004 والذي أفرز بعد سنتين من انطلاقه أول حكومة فدرالية في الصومال بزعامة الرئيس الراحل عبد الله يوسف في أكتوبر/ تشرين الأول 2004، ومنذ ذلك الحين ظهرت آراء متباينة حول ملاءمة مشروع الفدرالية للشعب الصومالي بتعقيداته القبلية الموروثة من حقبة الحرب الأهلية.
وبسبب قيام المجتمع الصومالي على النظام العشائري القبلي، فإنه يلقى قبولاً من العشائر التي تتخوف من قيام دولة مركزية في العاصمة مقديشو، وخطورة سيطرة عشيرة أو مجموعة معينة على مقاليد الحكم ومفاصل الدولة، وما يمكن أن يلحقه ذلك من أضرار بالغة بالعشائر الأخرى، كما أنها تتخوف من أن يؤدي النظام المركزي إلى تركيز العاصمة واستئثارها بمعظم مخصصات التنمية، وتهميش المحافظات والأطراف.
السودان
يوصف السودان بأنه بلدٌ ذو ثقافات وعرقيات متنوعة، وعندما وصلت حكومة "الإنقاذ" إلى الحكم بعد انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989، بدأت في تأسيس الحكم الفيدرالي في 1991.
لكن عقب الحرب الأهلية الثانية وبسبب الصراع الدائر في دارفور، عرفت السودان من خلال سياساتها على أرض الواقع بأنها دولة مركزية رغم نظامها الفيدرالي، فكل السلطات السياسية الفعالة في يد الرئيس عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، رغم نصّ الدستور على وجود حكم إقليمي يمثله ولاة الولايات (وعددها 17 ولاية) والحكومات الولائية.