لم تكن زيارة المفوض العام لوكالة "الأونروا" بيير كرينبول، إلى لبنان في التاسع والعاشر من شهر شباط/فبراير 2016 بهدف متابعة تصاعد احتجاجات اللاجئين الفلسطينيين بسبب تقليص خدمات "الأونروا"، وإنما جاءت لإعطاء دعماً معنوياً ولإقناع مدير مكتب لبنان في "الأونروا" الدكتور "ماتياس شمالي" بالعدول عن طلب إعفائه من منصبه بسبب الضغط الذي يتعرض له نتيجة المواقف السياسية والشعبية الموحدة للاجئين وعدم مقدرته على امتصاص مواجهة الاحتجاجات السلمية التي تطالب بتوفير حقوق إنسانية من صحة وتعليم وإغاثة.
و"شمالي" الذي عمل في عدد من المنظمات غير الحكومية، سواء في مؤسسة الصليب والهلال الأحمر الدوليين لعشرات السنين، وعمل في مجال العمل التنموي في إثيوبيا وتنزانيا والسودان وكينيا وزيمبابوي وألف عام 1993 كتاباً بعنوان "دور الجمعيات المحلية في التنمية، تنزانيا وزيمبابوي وإثيوبيا"، وشهادة الدكتوراة التي يحملها من جامعة برلين تتعلق بالاقتصاد والتنمية، يعلم جيداً المعاناة الإنسانية للاجئين لا سيما على المستوى الصحي.
لكنه يقف مكتوف الأيدي عاجزاً عن حل المشكلة، أو إقناع المفوض العام أو اللجنة الاستشارية للأونروا بضرورة العودة عن التقليصات، وبالتالي بات منزوع الصلاحيات وينفذ سياسة رسمتها له إدارة "الأونروا" بتوجيهات من الأمم المتحدة.
وهذا ما بدا واضحاً خلال اللقاء الأخير الذي جمع كل من القيادة السياسية الفلسطينية والسفير الفلسطيني "أشرف دبور" في مقر الأمم في بيروت بحضور ممثلة الأمين العام سيغريد كاغ وبرعاية مدير عام الأمن العام اللواء "عباس إبراهيم" يوم الجمعة 11/3/2016، ولا يريد الرجل أن ينهي سجل عمله التاريخي الإنساني بعمل لا إنساني يتنكر لأهم متطلبات العيش الكريم للاجئين!
معلومات طلب "شمالي" إعفاءه من منصبه، والتي سربتها مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في "الأونروا" أفادت بأن عدم لقاء المفوض العام خلال زيارته إلى لبنان للقيادة السياسية واللجان الشعبية كان مقصوداً كي لا يسبب المزيد من الإحراج والتأثير على الدكتور "شمالي"، وأن اختيار "شمالي" لهذا المنصب كان على عين بالتوافق بين المفوض العام للأونروا والأمين العام للأمم المتحدة السيد "بانكي مون"، وهو الذي تسلم مهامه في منتصف شهر نيسان/إبريل 2015 بعد شغور المنصب لحوالي ستة أشهر، وقبل موعد إطلاق المفوض العام لمؤتمره الصحفي بشهر واحد في 14/5/2015، وأعلن فيه عن التقليصات الحادة التي ستشهدها الوكالة نتيجة النقص في الميزانية، ظناً من إدارة "الأونروا" بأن خلفية العمل الإنساني للدكتور "شمالي" سيساهم في المزيد من تعاطف اللاجئين مع قرارات "الأونروا"، وسيكرس مفهوم بأن لا خلفيات سياسية للتقليصات.
بخلاف المدير العام السابق للأونروا السيدة "آن ديسمور" التي جاءت من خلفية سياسية، إذ عملت سفيرة لبلدها السويد في لبنان سنة 1999.. إلا أن الحسابات اختلفت مع توحيد رؤية وأهداف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على مستوى القيادة السياسية واللجان الشعبية والأهلية والمجتمع المحلي والحراك الشبابي في المطالبة بتراجع "الأونروا" عن تقليصاتها، وبما يحفظ منشآت وموظفي الوكالة.
وزاد الطين بلّة حجم التضامن الدولي مع مطالب اللاجئين، من خلال أنشطة مختلفة بدأت مع ألمانيا ثم مختلف الدول الأوروبية لاسيما في النمسا وبريطانيا، الأمر الذي وضع مصداقية "الأونروا" على المحك، عدا عن التعاطف الرسمي والأهلي اللبناني، وكذلك تعاطف بعض الدول المانحة.
وهذا ما عبرت عنه مؤسسات أهلية فلسطينية زارت سفارات الدول المانحة في لبنان مثل النرويج وتركيا والاتحاد الأوروبي وأميركا.. تلك السفارات التي كانت تستمع إلى رواية "الأونروا" -غير المكتملة- فقط، مما زاد من حجم الضغوط على الدكتور شمالي لطلب الإعفاء!
ولإعطاء دفعة معنوية إضافية للدكتور شمالي وللحث على الاستمرار في منصبه ما جاء على لسان المفوض العام للأونروا خلال مؤتمره الصحفي الذي عقد في الحادي عشر من شباط/فبراير 2016 عندما سُئِل عن مطالب اللاجئين الفلسطينيين بترحيل مدير "الأونروا" في لبنان قال "أي شخص في أي منصب عالٍ أو منصب قيادي يجب أن يواجه الصعوبات، ولا يجب أن يهرب منها وعليه أن يعمل على البحث عن حلول".
بعد مرور أكثر من شهر على زيارة المفوض العام للأونروا، وإعطاء فرصة إضافية للدكتور "شمالي.". لا يلوح في الأفق المنظور بأن هناك تراجعاً من قبل الوكالة، وفي المقابل لا تراجع من قبل اللاجئين، وكنتيجة يبدو بأن قرار طب الإعفاء من قبل الدكتور شمالي سيتكرر وهذه المرة ربما بشكل أقوى!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.