"إن جميع ما أكتبه أو أنشره لا يعبر إلا عني -أنا فقط – ليس بالضرورة أن يعبِّر عن والدّي أو معتقداتي الدينية أو خلفيتي الثقافية والفكرية.
إن ما أكتبه أو أنشره ما هو إلا حالةٌ عابرة من الأفكار والخواطر التي تمس القلب أو الروح في لحظة أمل أو ربما انكسار. لا يهمُّ أن تُعجب الجميع، المهم أنها تُعجبني في تلك اللحظة فأقوم بنشرها. لا تحكم عليَّ من خلال منشواراتي المؤقتة، ولا تحكم على اختياراتي وكتاباتي لأنك لم تعش ظروفي حينها. كان هذا لسان حالها بعدما لاقت نقداً لاذعاً لما تنشره على صفحتها الشخصية، كلماتٌ خرجت من صميم قلبها ومسّت أعماق روحها عندما شعُرت بأنهم يسلبونها حريتها. تلك الحرية التي تعدُّ حقًّا مشروعاً لها. أيعقلُ أن تُسلبك حرية التعبير التي تعد المتنفس الوحيد لها!"
إن طبيعة النفس البشرية التي خُلقت بعقلٍ يستوعب ما يدور حوله في المجتمع ويحلله وينقده -كل حسب توجهه ومعتقداته- هي التي تفرضُ علينا حق التعبير. فلكل شخصٍ حق التمتعِ بحرية الرأي والتعبير، ويشملُ هذا الحقُ حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة أو قيود.
وتعدُ حرية النشر الإلكتروني أحد مظاهر حرية التعبير، والتي بدأت تأخذ مكانها حديثاً نتيجةً للتطور الواسع في وسائل الاتصال وشبكات الإنترنت. وأتاح ظهور وسائل التواصل الاجتماعي للعامة مساحات واسعة لنشر المعلومات والآراء بضمان سرعة وصولها لأكبر عدد من المتلقين مع مدى ملحوظ من التأثير والتفاعل حول العالم.
ولقد باتت شبكات التواصل الاجتماعي اليوم توفر فرصةً للتعبير عن الرأي الشخصي وتدوين الخواطر أو لتفريغ طاقات وليدة لحظات ومواقف متباينة. فماذا لو وضعنا عليها قيوداً هي الأخرى؟ ماذا لو حرمنا تلك الطاقات الشابة من تفجير مواهبهم وإطلاق العنان لأفكارهم وخيالهم؟ ماذا لو سلبناهم حرية التعبير التي هي حقٌ مشروع لأي إنسان؟
إن حرمان الشخص من حق حرية التعبير تولِّدُ كبتاً وذلًّا بداخله، وتسلبهُ معاني إنسانية كثيرة كالكرامة. فإذا فُرضت المراقبة والقيود على شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً، فانتظر ما هو أقبح من مجرد كلماتٍ وخواطر تعبّر عن حالات يومية مؤقتة. انتظر كآبة وأمراضاً نفسيةً لا حصر لها. قد يعتقد البعض الآن أني أبالغ، ولكن التجربة ستثبت عكس ذلك.
إذا فُرضت الرقابة الإلكترونية من قبل الأهل أو المجتمع، سيكون الثمن غالياً جدًّا. فالإنسان الذي لا يمتلك حق التعبير هو إنسانٌ أبكم لا يستطيع الكلام. الذي يُسلب حق الحرية يُصبح كالآلة التي يُتحكم بها من خلال الريموت كنترول (قيود الأهل والمجتمع). الذي يُسلب الحرية يفقد ملامح روحه، يفقد قدرته على صقل مهاراته وأفكاره، يفقد قدرته على اتخاذ القرارات، يفقد استقلاليته وشخصيته، ويصدأ عقله المحروم من التعبير عما يدور بداخله من أفكار.
احذروا القيود والرقابة التي تحبس الإبداع وتخلق أناساً محبطين كارهين للحياة. فالإنسان تطوّره الفكرة والكلمة، ولو حُرم من التعبير عنها أصبح مقتولَ الروح. أما لو سُنحت له الفرصة ليطلقها لصنعت منه إنساناً مبدعاً أو على الأقل شابًّا بصحةٍ نفسيةٍ جيدة. احذروا القيود والرقابة التي تخلق القوالب والنسخ الكربونية، فقد مللنا النسخ.
لا شك أن الحرية هي التي تدفع الإنسان للإبداع والإنتاج، وبالتالي يدفع هو الدول إلى التقدم والرقي. ولا عجب في أن بلادنا متأخرة عن الركب المتقدم. حرية التعبير هي حق إنساني مشروع طالما يتم ممارسته ضمن الضوابط ودون التعدي على مصالح وحريات الآخرين. انشروا ثقافة حرية التعبير الإلكتروني بين الأهل والمجتمع، وإلا بتنا جميعاً ضحايا الريموت كنترول!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.