لم تكن "أليس" وهي في بلاد العجائب تتخيل أن يأتي زمان يصبح فيه ما رأت عيناها، شيئاً أقلَّ من الطبيعي، فمهما بلغ ما رأت من العجائب فلن يكون إلا جزءاً صغيراً من عجائب أم الدنيا في هذا الزمان.
فمن المؤكد أن "أليس" لو تأخر بها الزمن ورأت ما نحن فيه لكانت رفعت القبعة اعتذاراً لما سمته ظلماً بلاد العجائب، لأنها سترى في مصر كل أنواع الغرائب التي لا يمكن أن يتخيلها عقل فمن برلمان ليس له مثيل على مدار التاريخ إلى وحش مصري ذهب خيال صاحبه بالتفاهة إلى أبعد من ما ذهب إليه علاء الدين ببساطه السحري في أحلامنا.
ومن طرد للعلماء والمثقفين واحتضان للسفهاء وتصدرهم المشهد، إلى حالة من الغثيان الإعلامي إلى انتشار للبذاءة والانحلال، أضف إلى ذلك ما رأيناه وسمعنا عنه من بيع لحجارة الأهرامات آخر ما يمكن أن نفتخر به وما نعتبره الادّخار الوحيد للأجيال القادمة التي من المؤكد أنها ستستلم البلد خاوية على عروشها أكثر وأكثر.
دعونا نترك هذا الخيال البغيض ونحاول أن نبني لأنفسنا واقعاً من الحقيقة، لنواجه أنفسنا. ما هو السبب فيما يحدث وهل هذا الوضع وليد اللحظة؟
فمنذ أن نجحت ثورة يناير في أن تجعل الشعب المصري يقوم من سباته العميق، والبعض من المنتفعين من الفساد والمناوئين لكل صلاح يحاولون تلفيق تهمة الفوضى والانحدار في كل شيء إلى الثورة، وكأن الثورة في بضعة أيام أخرجت أسوأ ما في الشعب المصري!
كيف هذا وما يحدث الآن ما هو إلا نتاج تراكم سنوات من الجهل والاهمال والتخلف نجحت في ترسيخه حكومات متعاقبة لم تكتفِ بأن كانت عاجزة أمام المشكلات في بداياتها بل ساعدت في نموها واستفحالها وذلك بالفساد والرشوة والمحسوبية..؟!
وبعد كل هذا يرمون الثورة بالباطل، لم تكن الثورة يوماً سبباً فيما نحن فيه، فالثورة لم تكن هي من قال لتوفيق عكاشة أن ينشر العبث والتخلف والتفاهة في حلقات امتدت على مدار سنوات، ولم تعطِ الثورة لمرتضى منصور الضوء الأخضر لإهانة هذا أو تهديد ذاك، ولم تكن الثورة هي من يجلب الإعلانات لبرنامج ريهام سعيد. وغير ذلك الكثير من أوجه العبث وبعد كل هذا يتهمون الثورة!
ماذا ننتظر من نتاج ما صنعت أيدينا، فلننظر إلى الخيط الذي كانت حياكة حياتنا اليومية به طيلة سنوات طوال.
إن ما يحدث في مصر هذه الأيام ما هو إلا انفجار لبركان يغلي منذ سنوات طوال، كان من الممكن تداركه قبل ذلك، لكن للأسف فات الأوان كما فات على أشياء كثيرة انهارت قيمتها ولن نستطيع العودة بها إلى سابق عهدها من القيمة والمكانة فيكفي أن أذكر مثالاً واحداً يلخص ما نحن فيه من إسفاف وانحدار وعدم مبالاة فلقد تفاجأت اليوم بواقعة كارثية، وهي أن إحدى الأعضاء في برلماننا المبجل تجمع أموال من باقي الأعضاء لتجهز لرحلة للإمارات، وذلك خلال جلسة اليوم التي من المفترض أنها تناقش بعض القوانين المهمة، فذكرتني هذه السيدة بفنانات الثمانينات عندما كن يجسدن دور الموظفة في القطاع العام، وهي تجمع أقساط الجمعية الشهرية من الموظفات.
صحيح أن برلماننا الحالي لم يكن يوماً مصدر فخر لأي مواطن ذي عقل، إلا أن هذه الواقعة كانت رصاصة الرحمة لأي أمل في تحسين صورته المشوهة أمام العالم فأضحى أضحوكة بلا نقاش.
لا أعرف إنْ كنتَ متشائماً أو أنني أتعامل بواقعية مع وضع سيعامل المتفائل فيه معاملة المجنون وسيكون مساره إلى العباسية ولا عزاء للعقلاء في بلاد العجائب. يُتبع…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.