لربما سيرى البعض في العنوان استفزازاً لقناعاته، وسيكون من الصعب عليه أن يوفق بين المعطيات على الأرض وما نهل فكره من تثقيف تحكمت به توجهات حكومية وحزبية عملت على شيطنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهذا ما أكده الباحث الدكتور عبد الله النفيس حين قال:"إن حكومات عربية تعمل على إسقاط أردوغان وتجربة حكمة عبر تمويل حزب العمال الكردستاني لإثارة القلاقل."
أردوغان لم يتسبب بالحرج لبعض القادة والرؤساء بسبب مواقفه من قضايا الأمة فحسب، بل بات يؤرق أنظمة بعينها بسبب حضوره الشعبي، وهذا ما ذهبت إليه صحيفة فرانكفورتر ألغيمانية تسايتونغ، والتي كتبت في عددها الصادر بتاريخ 3 من نوفمبر/تشرين الثاني، قائلة "فوز العدالة والتنمية سيكون له إشعاع في العالم العربي، فالتركي أردوغان بات بطل الشارع العربي وملهمهم، بعد أن سمح لهم بما يتوقون له في بلاده ألا وهو الحرية".
وهو ما دفع بدول خليجية أن تعادي الإسلام السياسي، للحيلولة دون تحقيق ما تطمح له تركيا في أن تكون قوة عظمى مؤهلة لتشكيل اتحاد إسلامي بحلول عام 2020.
هناك قول مأثور مفاده "إنْ أردت أن تعرفني فسأل من هو عدوي"، وغيرهم قال "لتعرفنهم بنوائحيهم"، ولست هنا للتمسح بأبواب السلاطين تزلفاً لتزويق وتجميل ما قبح من قول وفعل، عافانا الله وإياكم من هذا الداء الذي تفشى بمنطقتنا العربية، ولكن هناك التزامات أدبية وأخلاقية تفرض علينا عرض الوقائع للجمهور ويترك له بعده الخيار ليحتكم لصوت الضمير المستتر خلف النعرة الجاهلية وليس الأنفة العربية.
الغريب في الأمر أن معظم من يوجهون فوهات أقلامهم ويطلقون العنان لألسنتهم عِبر كيل الاتهامات صوب أردوغان هم من الميسورين معيشيًّا، سواء أكانوا جماعات أو أفراد، فيغلظون له في القول ويهاجمونه في مناسبة وغير مناسبة، وليس كما يذهب البعض في وصفه بأنه "رجل إسلام البيزنس" وإنه يتاجر بالأزمات.
كما أن الوقائع على الأرض تشير لغير ما ذهب إليه أولئك، فتركيا ما زالت تعمل بقانون "الحماية المؤقتة" الذي أقره البرلمان التركي في نيسان/إبريل عام 2013 لتتنتهج أنقرة سياسة الباب المفتوح التي استضافت على أثرها أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ من عدة دول، ومنها سوريا والعراق ومصر وليبيا، والتي وفرت بموجبها الظروف اللازمة لتأمين حياة كل من يهجر بلاده لأسباب باتت معروفة، يأتي هذا في وقت اعتمدت فيه دول عربية سياسة غلق المنافذ وتضييق الخنادق وإغراق الأنفاق والمعابر بقوانين المساءلة والمتابعة.
وللحديث صلة، لنستذكر هنا قيام إحدى دول الخليج العربي بالاحتفال في رأس السنة الميلادية عبر إضاءة سماء عاصمتها بنحو 40 ألف مفرقعة من الألعاب النارية، احتفالات تزامنت مع ضرب عاصفة ثلجية قادمة من سايبيريا لمخيمات اللاجئيين السوريين جنوب تركيا، لتسارع أنقرة حينها بتوزيع أكثر من 50 ألف ملحف وغطاء على هؤلاء.
التنظير السياسي وإطلاق حزم من التُّهم بأن أردوغان يدعم الإرهاب ويمول تنظيم الدولة في سوريا عبر شراء النفط منه، بات أقرب إلى الهراء الذي تمتهنه الصحافة الصفراء منذ عقود مضت.
فاستنباط المواقف وتحليل الأحداث ما عادت حكراً على ما قيل إنهم سياسيون وخبراء إستراتيجيون يتسول الكثير منهم عند طرقات الفضائيات ويميلون بالقول ذات اليمين وذات الشمال بحسب توجه مستضيفيهم ومقدار ما يدفع لهم من عملة صعبة، فحتى بائع "الجرجير" بسوق الخضار بات قادراً على تبني موقف واضح وصريح، وكي ندرك هزالة وتفاهة عالم السياسة، يكفينا أن نقرأ تصريحاً لسياسي عراقي معمم ينصح بترك تناول النستلة "الشكولاته" لمنع انهيار اقتصاد البلد، وفي برلمان دولة ليست ببعيدة، يؤجل النواب نقاشهم حول تبني قرار يجيز زواج المثليين لغرض تأدية الصلاة التي كان قد حان وقتها.
الطفرة النوعية التي قفزت بتركيا من دولة مديونتها تجاوزت الـ16 مليار دولار، لتصل قيمة صادراتها اكثر من 500 مليار خلال أقل من 6 سنوات ليعلن بعدها أردوغان تسديد آخر قسط مستحق بذمة بلاده لصندوق النقد الدولي عام 2013، دفع لبروز العديد من الخصوم، خصوصاً وإن أيدلوجية الحزب الحاكم هي إسلامية.
فالتهم جاهزة والبيئة المكانية والزمانية وفرت الظروف لتسويقها، ومن السخرية بمكان، أن هؤلاء الخصوم تقاسموا الأدوار، ففريق يتهم تركيا بتوفير الغطاء لمنظمات ومجموعات إرهابية، فيما يرى الآخر أن تركيا تقاتل الأصوليين وتسمح للغرب باستخدام قواعدها العسكرية لشنّ الحملات ضد قوى ومجاميع إسلامية.
فإن كان نجاشي الحبشة قد أسرّ إسلامه، خوفاً من بطش حاشيته بمائة مهاجر مكي لجأوا لدياره، فكيف بمن استجار به أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ.
فأقول إلى الحكومات التي نصبت العداء لتركيا، رفقاً بأردوغان ولا تحملوه ما لا طاقة له به، فهو اليوم حمالٌ لخطاياكم وحماقات سياساتكم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.