رسالة إلى كل سوري حول العالم

أرجوكم لا تقبلوا أن تكونوا أشخاصاً عاديين تحيون وتموتون بصورة عادية دون بصمة تُذكر، تعيشون أغراباً وتدفنون في نهاية المطاف بأرضٍ بعيدة وغريبة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/10 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/10 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش

شاءت الأقدار أن تضع الحرب أثقالها على بلد الياسمين، كما وضعت ثقلها في قلب كل سوري، فأخذت منه ما أخذت من أشخاص وأموال وذكريات، ولم تُبقِ منهم إلا القليل، ولكن جل ما أتمناه أنها لم تأخذ كرامته وأحلامه..

لقد كان وما زال هنالك حق مشروع للكثيرين بالسفر هرباً من الموت، ومما هو أسوأ من الموت بكثير. لكن ماذا عن أولئك الأشخاص الآمنين نوعاً ما، القادرين على العيش في موطنهم الأصلي في منازلهم وعلى رأس عملهم؟ أناس أعمت أعينهم جنسية ألمانية وأخرى إسبانية، ومبلغ من المال دون جهد أو عناء، وبيت ومدارس للأطفال، فما كان منهم إلا أن أداروا ظهورهم لأنفسهم أولاً، ولكرامتهم وكبريائهم وأحلامهم الكبيرة ثانياً، ولوطنهم وعائلاتهم أخيراً، ركضوا وراء الأسهل وركنوا عقولهم وأحلامهم جانباً.

أيها السوري في أي مكان كنت.. أرجوك لا تنسَ أصلك، ولا تهن نفسك، ولا تذلها، لا تجلس بانتظار راتب يأتيك آخر الشهر دون عمل. لا تكن عبئاً على أحد، فأنت لم تخلق لهذا، بل خلقت للعمل لتحقق ذاتك أينما أقمت.

انهض.. ففي وطنك عملٌ ينتظرك حين عودتك، وهناك حيثما أنت نجاحٌ مخبوء لك في مكان وزمان لا يعلمه إلا الله، فإنك لم تهرب من الموت لتموت حيًّا في المهجر.

ضع بصمتك في هذا العالم وابحث في ثنايا عقلك لا تجعله مستودعاً للترهات، فجر طاقاتك الكامنة داخلك، شغِّل حواسك، لكن لا تقعد ملموماً محسوراً خالي الوفاض مركوناً بزاوية مقهى هناك مجهولاً وحيداً.

أنتم أيها السوريون أصحاب الهمم، أصحاب العقول والإبداع افتحوا الطرقات لآفاقكم لكي تنمو وتزدهر املأوا المعامل والشركات الصحف والمجلات، أثبتوا لأنفسكم وللعالم أجمع أننا شعب يستحق الحياة، جديرٌ بها، ينتج أينما زُرع، ويثمر أينما غُرس، لا يقبل عطفاً ولا شفقة، كان وسيبقى مرفوع الرأس جديراً دوماً بالاحترام.

بالتأكيد أنا لا أتحدث عن المستحيل، فهناك العديد من السوريين الذين أثبتوا أنفسهم في هذه المحنة، وحجزوا لأنفسهم مكاناً في المقاعد الأولى للتميز والإبداع، حيث إنهم لم يَرضوا بأن يكونوا مجرد لاجئين أو رقم زائد في سجل دولة أجنبية، بل عملوا بجد، ومثلوا بأخلاقهم واجتهادهم بلدهم أحسن تمثيل، فكانوا مناراً يُحتذى به في الغرب قبل الشرق، وقدوةً لكل شخصٍ أقنع نفسه بأنه الخاسر الأكبر في معركة الحياة ليبرهنوا له العكس تماماً، حيث إن الجميع يمتلكون نفس الفرصة بالنجاح والشهرة، فمادمت أنت حيًّا إذاً أنت موجود في ساحة الحياة، قادراً على الإنتاج والعمل وتمتلك عقلاً كالجميع بإمكانك إدارته بموجة جديدة لم تكن قد أدرتها من قبل.

أرجوكم لا تقبلوا أن تكونوا أشخاصاً عاديين تحيون وتموتون بصورة عادية دون بصمة تُذكر، تعيشون أغراباً وتدفنون في نهاية المطاف بأرضٍ بعيدة وغريبة.

جالسوا أصحاب العقول النيرة أصحاب الهمم، من فهموا معنى الحياة والسبب الحقيقي لوجودهم بها، فلم يركنوا أنفسهم جنب الحائط مستكينين لواقعهم، شاكين همومهم طوال الوقت متحسرين على ما فات.

فربما أغلق الله لك باباً ليفتح عوضاً عنه ألف بابٍ آخر، وما عليك أنت سوى أن تكتشف المفتاح الأنسب له.

حرروا أنفسكم من طاقاتكم السلبية، واستبدلوها بأخرى إيجابية، افسحوا المجال للنور كي يدخل إلى عقولكم وانفضوا عنه غبار الإحباط والكسل.

كلمة أخيرة.. أرجوكم لا تبدلوا جلودكم، ولا تخجلوا من أنفسكم، ولا تتبرأوا من أصولكم، وتغركم حياة الغرب، فتأخذكم إلى شواطئ بعيدة، وتعيدكم في نهاية المطاف منهكين مستنزفين لا أنتم منهم ولاهم كانوا يوماً منكم، فلقد أتيتم من ثقافتين مختلفتين من أصول مختلفة ومن جذور مختلفة، مهما حاولتم الاندماج بهم أكثر ونسف هويتكم أكثر ستكونون الخاسرين الأكبرين، إلا بالعلم والعمل، فوحدهما القادران على جعلكم أشخاصاً ناجحين وجديرين فعلاً بالفرصة التي مُنحت لكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد