الشباب العربي بين طاقتيه الكامنة والحركية

العقول إن لم تنشغل تصدأ، تحركها الأفكار، وينظمها المنطق، فلنترك لها المساحة الأوسع من الحرية لتقبل أو ترفض، ثم تترجم ذلك بأساليب خلاقة تغني التجربة الإنسانية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/08 الساعة 06:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/08 الساعة 06:31 بتوقيت غرينتش

إذا وقفت أمام صنبور ماء، فإن الماء بداخله له طاقة يطلق عليها الطاقة الكامنة، وإذا أدرت هذا الصنبور سيتدفق منه الماء فتصبح طاقته حركية، هذه من أبسط قوانين الفيزياء، وإذا ما أسقطناها على الواقع فإن الماء هنا يمثل حالة الشباب العربي اليوم، والذي يقف بين محاولة الانطلاق والعوامل المقاومة لها فيتأرجح بين ما يملك وبين ما يريد أن يفعل، أي بين طاقتيه الكامنة والحركية.

تمثل فئة الشباب نسبة كبيرة من سكان الوطن العربي فتعد شعوبنا شعوباً فتية، ويمتلك الشباب بشكل عام الطاقة والاندفاع والرغبة في إحداث التغييرات في المجتمعات وأساليب الحياة، لكن تبقى هذه الطاقة كامنة في ظل عوامل عديدة مثل عمالة الأطفال ووصولهم لمرحلة الشباب بدون تعليم، التعليم العربي السيئ بكافة مراحله، البطالة وسواد ظاهرة الفساد في أغلب مفاصل الدول العربية.

وعلى الرغم من كل الصعوبات التي تواجه تطلعات الشباب العرب، لا تزال مجموعة منهم تحاول التغلب عليها للوصول إلى ما يطمحون إليه، ضاربين بكل الحواجز عرض الأرض مفجرين ينابيع إنجازاتهم بعد أن بقيت مواهبهم جوفية لسنين طوال.

ولتخطي العقبات بمواجهتها إن كانت بالغة الأهمية أو من خلال تجاهلها إن لم تكن تشكل خطراً حقيقاً على الأهداف الشبابية، أعتقد أنه علينا كشباب عرب أن نصل إلى اتفاقية تفاهم ضمنية مع أنفسنا أولاً ومع الدوائر المحيطة بنا من أهل ومربين ومشرفين ثانياً، وحتى مع الذين لم يروا بعد أيّ جدوى من الانخراط في العمل لتحقيق أهداف شخصية أو عربية.

من أبرز المشاكل التي تعيق فئة لا بأس بها من الشباب هي التقييم غير المنصف لأدائهم العملي والحياتي من قبل فئة الكبار، التي ترى الأمور من منظور الشخص الذي صقلت شخصيته التجارب واتسمت بالثبات وعدم الرغبة في التغيير، فالكثير ممن يشرفون على العمليات التربوية والتعليمية في الوطن العربي يسعون لمقارنة تصرفات الشباب بتصرفاتهم هم الحالية لا بتصرفاتهم عندما كانوا شباباً، وإذا كان التقييم خاطئ وغير منصف، فإن التقويم الذي سيبنى على أساسه سيكون خاطئاً أيضاً، وبالتالي يؤدي هذا إلى إحباط عدد كبير من الشباب ممن يرون أن محاولاتهم بلا فائدة.

وكما يعتبر الكثير من الأهل أن قرارات أبنائهم في اختيار التخصص الجامعي أو الانتقال لغيره، أو اختيار عمل لا يلاقي لديهم قبولاً أو اتباع حزب سياسي دون الآخر هي قرارات خاطئة بالمطلق، غير آبهين أن التجارب الجيدة والسيئة هي من تصبغ حياة كل منا بصبغة تميزها عن غيرها، وتبعده عن النسخ المكررة التي تموت قبل أن تحيا الحياة التي تريد، وبها يكتشف كل شخص مبادئه، ويدرك أن كل إنسان هو حكاية فريدة من أفعال وردود أفعال وانفعالات يصيغها ويصححها هو، دون أن يقارن نفسه إلا بنفسه عندما تكون في أسمى أوضاعها، فمقارنة شخص بآخر ليس لهما نفس الرغبات ولا تتوافر لهما نفس الظروف هو ظلم للاثنين دائماً.

وإن كان الخوف من التغيير يوجد في نفوس الكثيرين لأنه يلغي حالة الاستقرار النفسي في البداية، فإن رفض مفهومي التفكير والبحث هو الأكثر سوءاً على الإطلاق، فبسببها يُحرم الكثيرون من السؤال عن بعض الأمور الدينية أو التحدث بأفكار جديدة تلغي وبكل منطقية عادات وتقاليد لا علاقة للدين بها قد أكل عليها الدهر وشرب، فترى البعض قد حجب نور التفكير عن عقله، كمن يخاف من رفع السجادة ورؤية التراب تحتها، ويتمنى لو أنه تجاهله لا أن يعمل على تنظيفه وإزالته.

وإن أكثر جملة وجدتها تعبر عن الموضوع قرأتها في أحد الكتب التي كانت تتحدث عن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودور الصحابة الشباب الأوائل في تلك الفترة في اتباع و نشر الدين الإسلامي فتقول الكاتبة:

"وقد كانت تلك الدعوة حركة إنسانية احتضنت مختلف الطبقات والقطاعات الاجتماعية من فقراء وضعفاء وأغنياء وأشراف وعبيد وسادة، أصبحوا جميعاً بنعمة الله إخواناً، وكان معظمهم في بداية لدعوة شباناً، ولا عجب.. فالشباب أقدر على التأثير والتأثر، والمقاومة والتغيير، والتضحية والعطاء".

هذا يعني أن الشباب أكثر انفتاحاً وتقبلاً للأفكار والأحداث الجديدة، وأكثر تفكيراً وتعمقاً بها من باقي الفئات العمرية.

وبما أن الشباب هم الأكثر رفضاً للواقع العربي بكل جوانبه، اجتماعياً وسياسياً وإعلامياً، فهم لا يرون فيه إلا نقطة الصفر للانطلاق لمستقبل أفضل، بينما مازال التغني بأمجاد التاريخ لدى المجتمعات العربية هو الطريقة الأسهل لنسيان حالة اليأس التي نمر بها، فالتاريخ به الكثير من الدروس والعبر يمكن أن يُستقى منه ويُستفاد، لكن لا يمكن أن نتخذ من بطولاته السابقة مخدراً لتثبيط العزائم.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن إلقاء اللوم فقط على المجتمع وما يفعله بقصد أو دون قصد للوقوف في وجه بوادر التغيير، لكن أيضاً نحمل نحن جزءاً من هذا، فإن مقارنة أنفسنا بأقراننا في دول العالم المتقدمة، يسبب ذلك إحساسنا بالعجز وبضآلة ما نفعله مهما كان عظيماً، متناسين أننا نبدأ في كثير من الأحيان من نقطة ما تحت الصفر، ومتجاهلين ما يتلقونه هم من دعم حكومي وتوفير كل الوسائل والمقررات التي تساعد الفرد على تعلم واكتساب ما يريد من مهارات، بينما نحن ما زلنا نبحث ونعمل بأقل الوسائل والإمكانيات، وبالطبع هذا ليس مبرراً لنكفَّ عن العمل والاجتهاد لكن تؤخذ هذه النقطة في الحسبان كي لا نقع بين جلد ذواتنا وبين الإهمال المتعمد.

ومن الأفكار التي تقع على عاتق بعض التيارات الشابة أن تعيد النظر فيها، هي الرغبة في نسخ تجربة الحياة الأوروبية بكل تفاصيلها ولصقها في مجتمعاتنا، دون مراعاة سمات ومحافظة المجتمعات العربية.

بالتأكيد هذه المعيقات هي فصل من فصول كثيرة، ويجب إفساح المجال للشباب أكثر ليعبروا عن أنفسهم وعن تطلعاهم لأنهم من يخط أول سطر في رواية التغيير العربية، ويعد كل من التوجيه المنطقي واستخدام وسائل الإقناع دون الإجبار، واتباع سياسة الحوار طرقاً لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، والواثق من نفسه قادرٌ ليس فقط على أخذ العلم وحصره في دائرته الضيقة، وإنما هو الأقدر على العطاء ونشر ما تعلم.

العقول إن لم تنشغل تصدأ، تحركها الأفكار، وينظمها المنطق، فلنترك لها المساحة الأوسع من الحرية لتقبل أو ترفض، ثم تترجم ذلك بأساليب خلاقة تغني التجربة الإنسانية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد