أمة عربية واحدة!

و منذ آذار 2011 بدأت حملة معاكسة ومضادة لمحو هذا الشعار من ذهن الأجيال التي تم تلقينها إياه على مدى عقود، وبشكل منظم، وأصبحت الوطنية تعني ببساطة رفض العروبة وسط سيل مقذع من الشتائم للعرب وللجامعة العربية ولكل من يدِّعي العروبة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/07 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/07 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش

منذ أن تثاءبنا، ونفضنا غبار الكسل عن عيوننا، وافتتحنا رحلتنا المضنية مع الدراسة التي كانت بمثابة عقوبة يومية في مدارس لا تعير الطفولة اهتماماً، ولا يوجد للمواهب حيزاً فيها، بل الأهم تنفيذ الخطط الدرسية، والخطط الشهرية لمنظمة طلائع البعث، التي لو طُبِّقت بحذافيرها لالتهمت كل المناهج الدراسية كرامة لعيون الزجاج المعشّق، وتوالف البيئة، والفقرات الفنية، وحفل التنسيب، ومسابقات الرواد الخادعة، ومحاضر الجلسات الورقية التي تبقى ورقاً وحبراً جافًّا فقط.

عند تحية العلم يبدأ التدُّرب، والتعلم على شعارات يتم ترديدها بطريقة ببغائية مفرطة (أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة).

كنا نردد الشعار لننهي هذا الواجب الصباحي القارس، ولنهرع هرباً من برد الصباح الذي يلسع وجوهنا، وككل الشعارات الرنانة التي كان يتم تعليّبها، وتسويقها، وصياغتها، وزرعها في العقول لتبقى شعارات تصطدم بها على أرض الواقع فعلاً مغايراً.

فلسنوات خلت كان يتم اقتطاع مبلغ من ضمن المبالغ المقتطعة من رواتب العاملين بالدولة، والتي توضع تحت تسميات خلبية كدعم المجهود الحربي على سبيل المثال، وليس الحصر، وعند أية كارثة للشعب الفلسطيني يهب سدنة شعار "أمة عربية واحدة" لعقد المؤتمرات الشعبية، والمسيرات التضامنية، وجمع التبرعات المالية، التي كان الجميع يدركون حينها أن القسم الأكبر منها إن لم يكن كلها لا يذهب إلا لجيوب المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ويبقى الشعب الفلسطيني وكارثته الدجاجة التي تبيض ذهباً لأصحاب شعار أمة عربية واحدة.

وفي نفس الوقت تفاجئ عندما تستمع لنشرة الثانية والرُّبع ظهراً من إذاعة دمشق للاتهامات المتناثرة للدول العربية الشقيقة فهذا نظام رجعي، وذاك نظام عميل، وآخر نظام مأجور.

إذاً كيف يمكن أن تتوازن صباحاً و تردد الشعار إياه وأنت مقتنع؟!

فتبقى مقتنعاً فقط بأن عليك أن تهرب من البرد للصف حتى لو كانت الحصة الدرسية الأولى ستكون مادة التربية القومية.

وللمفارقة فإن المادة الوحيدة التي حاولت فيها الغش في الامتحان كانت مادة التربية القومية بالمرحلة الثانوية، وضبطني أستاذ المادة وأعطاني صفراً بالمادة، لم يكن يدري حينها أنني لم أستطع دراستها ولا حفظها ولا حتى التعامل معها كمنهاج دراسي، وأيضاً للمفارقة أن هذا المدرس الذي كان مكلفاً بتدريس مادة التربية القومية، وهي حصراً للمدرسين البعثيين، أصبح بعد سنوات رئيساً لتنظيم قومي يدعو لاستعادة بلاد ما بين النهرين، وإزالة الطابع العربي عنها، وينفي صفة القومية العربية جملة وتفصيلاً عنها؟!

و منذ آذار 2011 بدأت حملة معاكسة ومضادة لمحو هذا الشعار من ذهن الأجيال التي تم تلقينها إياه على مدى عقود، وبشكل منظم، وأصبحت الوطنية تعني ببساطة رفض العروبة وسط سيل مقذع من الشتائم للعرب وللجامعة العربية ولكل من يدِّعي العروبة.

هكذا تم مسح هذا الشعار، وضمن إطار وطني براق تم تعلّيبه، وتسوّيقه بشكل ممنهج، ولم يتوقف الناس الذين تبنوا هذا التوجه الجديد ولو للحظة ليتساءلوا لماذا نادوا به ثم كفروا به بلا أدنى تفكير؟

هكذا.. بكل بساطة أصبح مَن كان يُعتقل ويلاحق لأنه يرفض شعار أمة عربية واحدة، يكتشف أنه كان على حق لأن المطلوب الآن إلغاؤه، وانعكست الآية فمن يعترف بالعروبة عليه أن يواجه الملاحقة والاعتقال.

مفاهيم ومعايير مزدوجة وغريبة، عليك أن تكون جزءاً من غريزة القطيع، وأنت تتبعها وتكررها بطريقة ببغائية مقرفة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد