المفاضلة بين عدوين: إيران أم إسرائيل!

بدون إعلان إيران عدواً واضحاً وصريحاً للعرب، والتعامل مع خلاياها النائمة كمسجلين خطر نحن نلغي وجودنا كعرب في هذه المنطقة، والأيام بيننا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/29 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/29 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش

قد يكون إعلان أحد وزراء مليشيا حزب الله في الحكومة اللبنانية خلال اجتماعها لمحاولة تدارك ما نتج عن إيقاف السعودية هِبَتَها للجيش اللبناني، بأنهم لو خيّروا بين الإجماع العربي وبين إيران لاختاروا الوقوف في صف إيران، حسب ما نقله وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، صادماً للبعض لأنه يقال للمرة الأولى بهذه الصراحة المطلقة لكنه لم يكن مفاجئاً مطلقاً.

فمنذ ثورة الخميني في إيران استطاع الضخُّ المالي والإعلامي والمذهبي الذي قام به نظام آيات الله تحويل المواطنين الشيعة في الدول العربية (أغلبهم على الأقل) إلى جاليات إيرانية تأتمر بأمره، وتخوض حروبه، وتقف في صفه، وتحمل السلاح وتقاتل من يعتبرهم عدوّه حتى لو كانوا يتشاركون معهم المواطنة والجنسية والهوية.

اعتمدت إيران على حالة التهميش التي يعيشها الشيعة العرب كأقليات دينية في دولهم، واستحضرت صراعاً تاريخياً يعود إلى 1400 سنة هو في جوهره صراع على السلطة، ولم يكن في لحظة من اللحظات صراعاً دينياً أو صراعاً على الشرعية، بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ومن ثم بين الحسين بن علي ويزيد بن معاوية، لتحوِّل مواطنين عرب في دول عربية مستقلة كاملة السيادة إلى خلايا نائمة لتنفيذ مشروعها، قبل أن تحولهم في فترة لاحقة إلى مليشيات مسلحة في بعض الدول للصدام مع مجتمعاتهم، واستخدمت -ولا تزال- قضية فلسطين والعداء لأميركا، وهما الشعاران اللذان حكمت باسمهما كل الأنظمة القمعية العربية شعوبها بالحديد والنار، للتغوُّل في الجسد العربي، واللعب على مشاعر ملايين المسلمين.

لنصل في النهاية إلى المشهد الحالي: مليشيات طائفية تأتمر بأمر إيران تحكم العراق العربي، وتجري عمليات تطهير مذهبي فيه منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، واحتلال مجموعة طائفية تأتمر وتُمَوَّل من قبل إيران لليمن منذ عامين وتخوض حرباً ضد مواطنيها، ومليشيات طائفية متعددة الجنسيات تجندها وتموّلها إيران تخوض حرباً منذ خمس سنوات في سوريا ضد شعبها، ومليشيا طائفية تسيطر على الدولة اللبنانية وتملك حق الفيتو على كل قراراتها بقوة السلاح الذي سبق واستخدمته في احتلال العاصمة بيروت في مايو/أيار 2007، وعمليات أمنية عديدة في البحرين والسعودية والكويت بهدف خلق نزاع وزعزعة الأمن وتهيئة بيئة مناسبة لتدخل إيراني مباشر، وحملات تشييع واسعة في مصر والجزائر وتونس وسواها.

قبل أن تكشف الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد المشروع التبشيري التوسعي الإيراني في العالم العربي بوجهه الواضح مثلما يظهر اليوم على حقيقته، كان الإيرانيون وأدواتهم في المنطقة يغطون مخالبهم بقفازات من حرير، ويعملون على استكمال مشروعهم بصمت، وكان العرب يتقدمون بالمبادرة تلو الأخرى، لمد اليد لإيران وجماعاتها داخل دولهم، مرة بحجة الحفاظ على الاستقرار العربي، ومرةً بحجة التقريب بين المذاهب، ومرة بدعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية الهشة في بعض هذه البلدان، وغالباً بسبب الكسل وعدم وجود مشروع لديهم سوى مشروع الحفاظ على السلطة والبقاء على رأسها، إلى أن أيقظتهم الثورة السورية من غفوتهم الطويلة، ليكتشفوا أن إيران زرعت الأرض تحت أقدامهم بالديناميت في كل مكان من العالم العربي وربما الإسلامي، وتفجره حسب التوقيت الذي يخدمها.

حتى اليوم ليس مؤكداً ما إذا كانت الصحوة العربية الخليجية لمواجهة إيران في اليمن عسكريًّا، وبصورة غير مباشرة في سوريا، وبالضغط المالي والسياسي عليها في لبنان، مرحلية أو موضعية، وستنتهي إلى طاولة مفاوضات هنا، وتقبيل شوارب هناك، واقتسام البيدر بالنصف مع هذا، وقبول بتنازل مع ذاك، أم أنها ستتحول إلى إستراتيجية كاملة لمواجهة عدو واضح لديه مشروع توسعي تبشيري وعسكري للسيطرة على العالم العربي، لم يخجل وزير الاستخبارات السابق في نظامه مهدي صالحي من الإعلان بأن نظامه يسيطر على أربع عواصم عربية، ولم يتردد أحد مراجعه الدينية في القول إن سوريا هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين، واعتبر حكامه أن من حقهم استخدام الفيتو على قرار دولة بمعاقبة أحد مواطنيها، فقط لأنه ينتمي لنفس مذهبهم الديني، هذا غير تهم التخوين والعمالة لإسرائيل التي يكيلها الإيرانيون ومخالبهم صباح مساء لكل من يقف ضد مشروعهم التوسعي الاحتلالي.

ربما يخوض العرب لأول مرة في تاريخهم اليوم مواجهة بمثل هذا الوضوح مع عدو بهذا الحجم وبهذه الخطورة يهدد وجودهم ومستقبلهم، وبما يفوق التهديد الذي يشكله المشروع الإسرائيلي في المنطقة، الذي سيبقى مهما حقق من انتصارات جسماً غريباً ومعزولاً ومَرَضِيًّا وغير قابل للتوسع في المنطقة، لأن توسعه وانتشاره يعني ذوبان أقلية في محيط أكثري، في حين يستخدم المشروع الإيراني عامل الدين المهم والحاسم لدى العرب للسيطرة عليهم ومحو كيانهم ودولهم وتغيير هويتهم، وتزوير ماضيهم وتحويلهم إلى عبيد جدد في إمبرطورية فارسية تحاول الإعلان عن نفسها من جديد، وإنْ بغطاء إسلامي.

استخدم العرب في كل المواجهات السابقة مع السرطان الإيراني الشاش والميركروكروم والكلمة الطيبة، ولكن ذلك لم يزده إلّا انتشاراً وقتلاً وتدميراً في كل مكان استطاع أن يفعل فيه ذلك من سوريا شمالاً إلى اليمن جنوباً وما بينهما، وأي مواجهة معه اليوم لا تنتهي باستئصاله هي تأجيل للمعركة التي يحشد لها منذ وصول طائرة الخميني إلى طهران، ويفجرها عندما يكون قادراً على إحداث فتنة، وعندما يقول وزير لبناني يمثّل مليشيا إيرانية في حكومة لبنانية، إن الفريق الذي يمثّله سيختار طرف إيران فيما لو خيّر بين الإجماع العربي وإيران، فهذا يعني أننا قد وصلنا إلى نقطة اللاعودة مع فريق يقف علانيةً وجهاراً نهاراً في صف أعدائك، وأن كل كذبات وطاولات الحوار معه خلال أكثر من عقد، وبناء شبكات أمان له خلال ربع قرن، كانت فرصة له لسن أنيابه وشحذ سكاكينه لا أكثر، ومن الخبل استمرار التعامل معه كجزء أو كمكون من شعب ذلك البلد، ما دام يختار في اللحظة الحاسمة الوقوف في طرف أعداء بلده باعتبارهم مرجعيته ومشغليه.

بدون إعلان إيران عدواً واضحاً وصريحاً للعرب، والتعامل مع خلاياها النائمة كمسجلين خطر نحن نلغي وجودنا كعرب في هذه المنطقة، والأيام بيننا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد