سيرة حسن البنا في تراث ابن البكري الشامي

وبعد مقتل الإمام بسنوات قليلة، حكم مصر طاغية آخر فسجن عدداً كبيراً من أتباع الإمام، وقتل بعضهم وتشرد من استطاع الفرار منهم في أصقاع كثيرة، فذاع صيت فكرته في كافة ممالك الدنيا، وانتشرت وأقبل عليها الناس، وأصبح لدعوته في كل مدينة أتباعٌ ودورٌ مخصصة لها، والتفّ حولها كثيرٌ من رجال الحكم والعلماء والدعاة الذين نشروا الدعوة في كافة المدن والممالك الإسلامية، ونشأ عنها الكثير من الفرق التي دعت لذات الفكرة، وإن لم تَتَسمّ بنفس اسمها، ونشط أتباعه فبنوا المارستانات والدور والجامعات والجوامع حتى أنشد شاعر ذلك الزمان فقال:

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/23 الساعة 02:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/23 الساعة 02:46 بتوقيت غرينتش

وكان مما ذكره ابن البكري الشامي عن أخبار القرن الرابع عشر الهجري، أنه قال "وفي نهاية النصف الأول من ذلك القرن وبعد سقوط خلافة آل عُثمان في بلاد التُرك والتي حكمت بلاد الإسلام زهاء أربعة قرون، تردى حال المسلمين وتفرقوا وتقسمت بلادهم لدويلات وممالك صغيرة، فتسلط عليهم الروم واحتلوا ديارهم، وصادروا خيراتهم، وفرضوا على المسلمين أحكامهم ولغتهم، وانتشر الفقر بين العباد وساءت الأحوال، وعمّ الجهل بالدين وتغلب الروم على المسلمين في شتى الفنون والعلوم، فظهر عدد من أهل الصلاح ممن تصدوا لنشر العلم والوعظ بين الناس، وكان منهم شاب يُدعى حسن بن أحمد البنا الساعاتي، من سكان الجيزة في أطراف القاهرة، تلقى عن أبيه علوم الحديث والفقه وحفظ القرآن على يديه، وعزم على أن يبعث روح الدين وعزته في نفوس قومه من جديد، فخرج للناس في الطرقات والمجالس يدعوهم للعودة للدين، ويحضهم على العمل للخلاص من حكم الروم في أرض مصر، حتى تجمع حوله خلق ممن اقتنع بفكرته، فأنشأ جماعة من الصلحاء عُرِفت آنذاك باسم جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكمل حينها الثانية والعشرين من عمره، وكان أتباعه ينادونه بالإمام، لقوة فكرته وغزارة علمه وفصاحة قوله، وحكمة منطقه، وقدرته على كسب قلوب من حوله، رغم صغر سنه.

وبدأت دعوته تمتد للمدن والأرياف من حوله، فكان يبعث بالدعاة لكافة أنحاء مدن مصر، ويخرج بنفسه للناس في بساتينهم وأسواقهم ونواديهم يعظهم ويفقههم في أمور دينهم، وكان يقول: "لو أستطيع أن أبلغ هذه الدعوة للطفل في بطن أمه لفعلت، وإنما نقاتل الناس بالحب"، حتى أصبح تعداد جماعته ألف ألف إنسان خلال عشرين عاماً.

ويوم أن دخل اليهود أرض الشام، خرج أتباعه مع من خرج لقتالهم وأبلوا هناك بلاءً حسناً حتى شهد لهم كل من حضر تلك الموقعة، فتنبه له ملك مصر آنذاك، وتوجس من دعوته وكثرة أتباعة، فأصدر أمراً بقتله بإيعاز من الروم خوفاً من علو شأنه، فكان ما أمر به الملك، ولما كان الإمامُ في لحظاته الأخيرة في المارستان جاءه الملك مع حاشيته ليشهدوا مقتله، فبصق الملك على الإمام، فقال له الإمام مزق الله ملكك ولفظ أنفاسه الأخيرة، فأنشد شاعرهم فقال:

سجنٌ وبطشٌ وتشريدٌ بساحته قتلُ الكرام وفي اعتى لياليهــــا
لكنه الصقلُ إعدادا لقافلــــــــة بالنفس والروح والأموال تفديها
رأى الذئابُ لواء أنت رافعــــه فهالهم ما رأوا من عزم بانيها
ودبروا في ظلام الليل مذبحة فكنت فيها شهيدا لا يُباليهـــــــا

فما كانت إلا أعواماً قليلة حتى ثار على ذلك الملك قادة جيشه وخلعوه فضاع ملكه وانتهى بذلك حكم آل محمد علي في مصر، ثم مات بعد ذلك طريداً منفيًّا مسموماً في بلاد الروم.

وبعد مقتل الإمام بسنوات قليلة، حكم مصر طاغية آخر فسجن عدداً كبيراً من أتباع الإمام، وقتل بعضهم وتشرد من استطاع الفرار منهم في أصقاع كثيرة، فذاع صيت فكرته في كافة ممالك الدنيا، وانتشرت وأقبل عليها الناس، وأصبح لدعوته في كل مدينة أتباعٌ ودورٌ مخصصة لها، والتفّ حولها كثيرٌ من رجال الحكم والعلماء والدعاة الذين نشروا الدعوة في كافة المدن والممالك الإسلامية، ونشأ عنها الكثير من الفرق التي دعت لذات الفكرة، وإن لم تَتَسمّ بنفس اسمها، ونشط أتباعه فبنوا المارستانات والدور والجامعات والجوامع حتى أنشد شاعر ذلك الزمان فقال:

إن للإسلام صرحاً كل ما فيه حسن لا تسلني من بناه إنه البنا حسن

وعلى مر العهود كان كلما أراد طاغية في بلد ما أن يقضي على أتباع هذه الدعوة في أحد الأمصار، ينتشر شأن هذه الدعوة المُباركة ويزيد الأتباع، وتُبعثُ الفكرة من جديد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد