تركيا واللعب في الوقت الضائع

لقد نجحت الولايات المتحدة وبشكل لاأخلاقي في توريط الجميع في سورية والعراق، وهاهي اليوم تعمل على توريط من تبقى من دول المنطقة وعلى رأسهم الذين تقاعسوا عن أداء دورهم أو ترددوا في دعم الشعب السوري

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/23 الساعة 02:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/23 الساعة 02:40 بتوقيت غرينتش

لا ينكر فضل تركيا على اللاجئين السوريين إلا جاحد، فالتعامل التركي فاق بإنسانيته تعامل العديد من الدول العربية وبعشرات المرات، أقلها أن الأتراك لم يعاملوا السوريين كلاجئين، بل عاملوهم كإخوة وضيوف وسمحوا لهم بحرية الحركة والعمل، حتى مخيمات اللجوء على الجانب التركي لم تغلق يوماً، ووفرت لها الدولة التركية كل ما تحتاجه من خدمات وبإمكانات ذاتية، فكان السوريون يعبرون الحدود جيئة وذهاباً ودونما عوائق أو حواجز.

خمس سنين مرت على انطلاق الثورة السورية، التي ما زالت تسير في نفق مظلم، وأزمتها تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، خمس سنين تناوبت فيها المعارضة المسلحة ونظام الأسد في السيطرة على مدن وقرى وبلدات سورية، فكان تحرير وإعادة احتلال، فتحرير فإعادة احتلال وهكذا دواليك، خمس سنين كان يمكن خلالها إسقاط نظام الأسد بقليل من العمل الجاد المنظم والدعم الهادف الذي غاب لسبب أو لآخر.

فشلت إيران في إنقاذ الأسد رغم الدعم الميليشياوي الهائل الذي قدمته له، فكان التدخل الروسي المباشر الذي ما كان ليحدث لولا الموافقة بل والمباركة الغربية التي وجدت فيه ضالتها، فبات المشهد مأساويًّا بسبب الهمجية والعربدة التي يمارسها الروس من خلال استهدافهم لكل ما تقع عليه أعينهم من أهداف لا يفرقون فيها بين مدني وعسكري، فحتى المستشفيات والمدارس والأسواق ومخيمات اللجوء لم تسلم من القصف الروسي وبكافة أنواع الأسلحة.

تدخل إيراني وميليشياوي مباشر تلاه تحالف غربي باسم محاربة تنظيم الدولة ثم تدخل روسي مباشر وأيضاً باسم الحرب على الإرهاب، لكنهم جميعاً وَجَّهوا أسلحتهم إلى صدر الشعب السوري الأعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته وإصراره على حقه كغيره من الشعوب في حياة حرة كريمة فلم يسمحوا له، ليجد نفسه يقاتل ويكافح وحيداً في مواجهة عدو غاشم رغم كثرة الذين يدعون صداقته.

في الحديث عن تركيا ودورها في الأزمة السورية، فإن التردد كان هو السمة الرئيسية التي صبغت الموقف التركي وطوال الخمسة سنين الماضية، حيث ضيعت العديد من الفرص السانحة التي كان يمكن استغلالها لقلب الموازين على الأرض، فطول الحدود البرية مع سورية وكثرة المنافذ وعدد اللاجئين السوريين الكبير فيها واحتضانها للمعارضتين السياسية والعسكرية قدما لها فرصة ذهبية كان يمكن لتركيا من خلالها أن تلعب دوراً بنّاءً يمكن توظيفه في إنهاء الأزمة السورية وبزمن قياسي يوفر الدماء والدمار والتشريد الحاصل.

لعل أهم الأدوات التي كان يمكن للأتراك استغلالها هو العامل البشري السوري، فوجود ملايين اللاجئين السوريين على الأرض التركية -وخاصة الشباب منهم- كان يمثل فرصة ثمينة يمكن استغلالها في إعداد جيش سوري منظم وغير فصائلي يستطيع قلب المعادلة، فآلاف الشباب المقاتل تسرب من فصائل الجيش الحر بسبب قلة الدعم أو الفساد وحتى بسبب ممارسات القادة الفاسدين، حيث كان هؤلاء مستعدين للانخراط في تنظيم عسكري حقيقي يسهم في إسقاط الأسد وتحرير سورية من إيران وميليشياتها.

تركيا لم تتعلم من الدرس العراقي، ولا كيف استطاعت إيران فرض سيطرتها على العراق قسرا بواسطة الميليشيات التي شكلتها ودعمتها، وكيف أنها وبكل صلف زجّت بفرقها العسكرية على الأرض بعد أن ألبستها ثوب الجيش والميليشيات العراقية، وتركيا لم تستطع حتى استغلال ورقة تنظيم الدولة الإسلامية في مواجهة حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري الذي لم يعد خطره يقتصر على الفصائل السورية ووحدة التراب السوري، بل تعداهما إلى تركيا نفسها، فالمعبر الوحيد المتبقي والذي يربط تركيا مع حلب بات مهدداً بالإغلاق بعد أن تمددت وحدات الحماية على طول الحدود السورية التركية مبتلعة المدن والبلدات السورية من شرقها إلى غربها.

تمدد وحدات الحماية الكردية لم يكن ليحصل لولا الدعم الغربي الكبير ولاحقاً الغطاء الجوي الروسي، وهو ما سيضع تركيا في موقف محرج إذا ما قررت في لحظة ما التصدي لهذه الوحدات، ففي حين أن الغرب قد يجدها فرصة للتخلي عن تركيا، فإن هناك احتمالاً كبيراً لاندلاع مواجهة مسلحة لا تحمد عقباها بين تركيا وروسيا.

من الأشياء التي تؤخذ على تركيا، أنها لم تأخذ بزمام المبادرة بجمع وتوحيد الفصائل المسلحة على الأرض، بل حصرت دعمها وتنسيقها بمجموعات وفصائل بعينها، وهو ما حرمها من أن تمسك بالورقة السورية والتعاون مع جميع الفصائل وتوجيهها التوجيه العملياتي الصحيح، خاصة في ظل وجود زخم قطري داعم للثورة السورية، قبل أن يتم سحب الملف السوري من يدها لصالح السعودية والإمارات وتسليمه لاحقاً لغرفة العمليات الأمنية التي أحكمت قبضتها على معظم الفصائل السورية وخاصة في الجنوب.

تركيا اليوم تدفع ثمن ترددها فباتت بين سندان الكرد ومطرقة الروس وتآمر الغرب، فهي ورغم أنها عضو مؤسس لحلف الناتو الذي كانت رأس حربته في مواجهة الاتحاد السوفييتي في المنطقة، إلا أنها اليوم تجد نفسها شبه وحيدة بعد أن استعاض الحلف عنها بروسيا التي يقوم الغرب بتوظيف تدخلها في سورية وتقنينه بما يخدم أجنداته على المدى البعيد، وهو ما جعل من روسيا بطريقة أو بأخرى الذراع الضاربة للحلف الذي يستفيد من رعونة واندفاع بوتين الحالم بالمجد والسلطة.

الولايات المتحدة الأميركية وبعد تجاربها المريرة والمكلفة في فيتنام وأفغانستان والعراق، غيرت من تكتيكها القاضي بالتدخل المباشر واستعاضت عنه بتوظيف الأدوات المحلية مع إسناد جوي ودعم لوجستي بقوات محدودة على الأرض، ما يوفر عليها التكلفة المادية والبشرية الكبيرة والمرهقة، وهو ما يفسر إطلاقها ليد إيران وميليشياتها الشيعية في العراق وسورية، وكذلك توظيف وحدات الحماية الكردية بعد تأهيلها ودعمها، إضافة إلى إنشاء التحالفات الدولية تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وهو ما أسهم في رفع التكلفة المادية عن كاهل الولايات المتحدة بعد أن صورت الإرهاب بعبعاً يستهدف الجميع، وبالتالي إلزامهم بدفع نصيبهم من تكلفة الحرب عليه.

لقد نجحت الولايات المتحدة وبشكل لاأخلاقي في توريط الجميع في سورية والعراق، وهاهي اليوم تعمل على توريط من تبقى من دول المنطقة وعلى رأسهم الذين تقاعسوا عن أداء دورهم أو ترددوا في دعم الشعب السوري، فتركيا اليوم قد تجد نفسها في مواجهة مشروع تفكيك وحدة أراضيها، الذي ربما بات قاب قوسين أو أدنى، وقد لا يحتاج سوى إلى شرارة تشعل حرباً إقليمية أو عالمية تحرق المنطقة وتكرس الولايات المتحدة الأميركية كقطب أوحد على من سيتبقى من دول وبشر على كرتنا الأرضية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد