كما لو أنك تطلب من “بشار الأسد” أن يحميك من “علي مملوك”!

منذ خمس سنوات والسوريون يثبتون بأن مائة بالمائة من أوراق اللعب في بلدهم بيدهم هم، وليست بيد إسرائيل ولا أميركا ولا روسيا ولا إيران، وأنهم الوحيدون الذين يملكون قرار التغيير، وأن كل القصف والقتل والتدمير والموت لم يجبرهم على التراجع أو الاستسلام

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/22 الساعة 00:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/22 الساعة 00:28 بتوقيت غرينتش

أتذكر أني سمعت خلال مجزرة حماة كلاماً مشابهاً لما يتردد اليوم حول إسرائيل، كان يتمنى أن تقوم إسرائيل باحتلال سورية والقضاء على نظام حافظ الأسد الذي دمّر واستباح واغتصب وقتل ونهب مدينة حماة السورية خلال شهر فبراير/شباط 1982، يومها كانت حجة من يتمنون ذلك أنهم على الأقل في حال احتلال إسرائيل لبلادهم وقتالهم ضدها سيعتبرون أبطالاً ووطنيين، بدلاً من أن يكونوا خونة وعملاء كما اتهمهم النظام حينها لمجرد تمردهم على سلطته، وعمل على شيطنتهم باعتبارهم مجرد عصابة مارقة مرتبطة بالخارج تنفذ مشاريع خارجية ضد وطنها، ونجح لسنوات في وصم تلك الانتفاضة الشعبية التي شهدتها سورية في أواخر ثمانينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، وكل من تعاطف معها أو أيَّدها ببيان أو كلمة، أو استغلّ وجودها ليطالب بالديمقراطية وإطلاق الحريات العامة، بالخيانة والعمالة.

خلال سنوات الثورة السورية ومع توحش عمليات القتل والتدمير والتهجير والاعتقال التي قام بها نظام بشار الأسد ظهرت أصوات كانت تتمنى ولو على حياء بأن تنقذ إسرائيل السوريين، وكانت تهلل لأي قصف تقوم به إسرائيل لأي من مواقع النظام أو حلفائه، ومع أنها كانت أصواتاً قليلة وخجولة في البداية، إلاّ أن عددها بدأ يكبر وتحوّل همسها إلى صوتٍ عالٍ، وصارت تحاجج من يعاتبها أو يناقشها أو يخونها بأن إسرائيل في كل معاركها مع العرب لم تقتل العدد الذي قتله بشار الأسد ولا حافظ الأسد قبله من السوريين، وأن أكبر مجازرها في أكبر مدينة فلسطينية أو عربية لا تعادل ضحايا حافظ وبشار الأسد في أصغر قرية سورية، وأن ما ارتكبته إسرائيل من تعذيب واغتصاب وقتل وتمثيل بالفلسطينيين أحياءً وأمواتاً لا يعادل عشرة بالمائة من الوحشية والذبح والتعذيب والضرب والاغتصاب الذي ارتكبه حافظ وبشار الأسد بحق السوريين.

وكان مثالهم وحجتهم في أي نقاش هي صورة الأسير اللبناني سمير القنطار الذي خرج من سجون إسرائيل بعد عشرين سنة اعتقال بوزن زائد ووجنتين موردتين وشهادة جامعية وزواج خلال سجنه، مقارنة بكل المعتقلين الذين خرجوا من سجون الأسدين الأب والابن مرضى ومدمرين ما يفرقها عن هياكل عظمية أنها قادرة على الحركة فقط.

أكاد أجزم أن غالبية السوريين -بما فيهم المتشددين- ضد أي علاقة من أي نوع مع إسرائيل، رغم أنهم كانوا يفرحون بينهم وبين أنفسهم عند كل ضربة تتلقاها مواقع النظام أو مواقع حلفائه، وكانوا يتمنون سرًّا أن يسقط في إحدى تلك الضربات، مع قناعتهم الكاملة بأن نظام الأسد هو جزء من الأمن الإسرائيلي، إلى أن قرر الدكتور "كمال اللبواني" أحد وجوه ربيع دمشق وواحد من أبرز معتقليه أن يزور إسرائيل، ويحاول أن يقدّم لها ما يظن أنه ضمانات مساوية لضمانات بشار الأسد، علّها تطمئن وتقرر التخلي عن هذا الأخير، وتقبل استبداله بغيره، حسب روايته.

قبل زيارة "كمال اللبواني" إلى إسرائيل كانت الهزة التي أحدثتها الثورة في وعي ووجدان السوريين قوية إلى الدرجة التي أفقدتهم صوابهم، وفي لحظات انعدام اليقين التي عاشوها ورغبتهم في الخلاص من النظام صارت فكرة التعاون مع مخابرات دول عربية وغربية مشروعة وغير مستهجنة وتدخل في إطار اختلاف وجهات النظر، ما دامت الغاية هي إسقاط النظام في رأيهم، إلى حد أن شخصاً مثل "فراس طلاس" ابن وزير الدفاع السوري الأسبق "مصطفى طلاس" تباهى مرةً وبالفم الملآن بأنه قام بتعريف قادةً من الجيش الحر بالمخابرات الأميركية، وكانت وفود من المعارضين والضباط المنشقين تتردد على أكثر من دولة عربية وغربية وتلتقي بمخابراتها، وصار عدد من المعارضين السوريين الذين مولت لهم المخابرات الأميركية مراكز أبحاث ودراسات جزءًا من هيئات المعارضة ووفودها ومؤتمراتها، وكان سفراء دول عديدة يتدخلون في تشكيل هيئات المعارضة السورية ويفرضون عليها قراراتهم بشكل مباشر وعلني.

لكن ورغم كل العلاقات التي نسجتها مخابرات دول كثيرة بناشطين وإعلاميين ومعارضين وعسكريين بقيت إسرائيل خطًّا أحمر، إلى الدرجة التي تبارى فيها معارضون في التبرؤ من لقائهم بهنري برنارد ليفي اليهودي الفرنسي في باريس بعد مؤتمر أنطاليا، وأصدر معارضون آخرون بياناً يدينون هذا اللقاء، واضطرت "بسمة قضماني" إلى الابتعاد عن الواجهة الإعلامية والعمل في الخفاء داخل هيئات المعارضة السورية، بعد نشر فيديو لها تسوق فيه لإسرائيل وتعتبرها ضرورة للشرق الأوسط، ووجهت بحملة عنيفة في حينها، حتى فعل كمال اللبواني ما فعله وزار إسرائيل.

تختلف "بسمة قضماني" عن "كمال اللبواني" في أنها تعرّف كمواطنة فرنسية أكثر من كونها سورية، تعمل في مؤسسة أميركية، وتؤدي دوراً وظيفيًّا في المعارضة السورية، وعلاقتها بسورية هي أقرب إلى علاقة مغترب بوطن أم، تمتزج فيها السياحة بالنوستالجيا بالمهنة بالمهمة.

في حين أن "كمال اللبواني" كان واحداً من أجرأ معارضي بشار الأسد في فترة ربيع دمشق، قضى في سجونه أعواماً طويلة، ودخل المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف لهذه الصفات وليس لكونه مندوب دولة، أو مكلّف بمهمة، ولهذا السبب اعتبرت وستعتبر زيارته لإسرائيل حدثاً استثنائيًّا مهمًّا قيل فيه إنه لا يمثل إلاّ نفسه (وهو بالمناسبة لم يدع غير ذلك) ومهما دار لغط يشكك بقفزاته في الفراغ، وهوجه في اتخاذ القرار.

يعتقد "كمال اللبواني" أن مفاتيح كل الأزمة السورية بيد إسرائيل، ويظن أن القرار الأول والأخير بتغيير النظام في يد إسرائيل، وقد يكون محقًّا بنسبة كبيرة في ذلك، لكنه يتوهم بأنه قادر على إقناع إسرائيل بتغيير النظام الذي تعرفه منذ خمسين سنة، وحمى حدودها، ولم يصدّع رأسها، وساعدها على تدمير كل من يشكل خطراً عليها، ولم يرد على ضربة من ضرباتها، وتعامل معها باعتبارها شدّة أذن وإشارة توبيخ، واستخدم حزب الله كورقة يلاعبها به في المنطقة المسموح له اللعب فيها، واستبدال كل ذلك بحالة مجهولة وغامضة وربما تكون مفاجأة لا يستطيع كمال اللبواني أن يحددها أو يشرحها أو يقدّم ضمانات جدية باسمها أمام نفسه، فكيف بالنسبة لإسرائيل؟!

ويظن الدكتور "اللبواني" أن انتماءه للأكثرية السنية -حتى لو كان لا يمثّل أكثر من شخصه- وقراره غير المسبوق كسوري بزيارة إسرائيل، قادران على إقناعها بتغيير وجهة نظرها، واستبدال بشار الأسد به أو بمن تحدّث باعتباره ممثلهم، وربما ساهمت مجموعة الشخصيات التي التقاها في زيارته، والاجتماعات التي عقدها، والكلام الذي سمعه بتكبير هذا الوهم في ذهنه، لدرجة أن مغامرته غير المحسوبة تلك، تحوّلت إلى مشروع حياته السياسي الذي يحاول أنه يقنع الآخرين بصوابيته وجدواه.

لن أتحدّث عن استخدام نظام بشار الأسد وحلفائه لزيارة الدكتور اللبواني إلى إسرائيل لتشويه صورة الثورة السورية، فهم بدون الزيارة أو معها لن يتوقفوا عن تشويه صورة الثورة، ولن أتوقف عند فكرة استجابة إسرائيل لمشروع اللبواني باستبدال بنظام بشار الأسد بنظام آخر مجهول ولا أحد يستطيع تحديد معالمه أو التنبؤ بشكله، ويتغيّر من يوم إلى آخر، وبالتالي تدخلها لإيقاف المجزرة اليومية المستمرة منذ خمس سنوات وحتى اليوم، فمن مصلحتها استمرار هذا التدمير الكامل لكل عوامل الحياة والقوة في سورية، وهي تعرف أن الرابح من هذه الحرب مهما كان يكنّ لها من عداء سيخرج أقل قدرةً تشكيل خطر عليها، مما لو توقفت الحرب اليوم لصالح أي طرف، وفي أحسن أحواله قد يثمر مشروع الدكتور اللبواني بمد اليد إلى إسرائيل، عن التفكير به لمنصب أو مهمة في المستقبل، وهو كسب شخصي بخس بالنظر لفداحة الفعل الذي ارتكبه، وجعله خياراً متاحاً وطبيعيًّا ومشروعاً للآخرين من بعده.

لم يخرج السوريون بثورتهم كما يقترح عليهم الدكتور "اللبواني" ليبدلوا محتلاً بآخر، أو ليفاضلوا بين نظامين استبداديين، ويختاروا أيهما الأقل قتلاً، أو ليطالبوا بكرامتهم وحريتهم من محتل يقمع ويهين ويقتل شعباً شقيقا وجاراً، ومستعد أن يقتل ويجرم ويدمّر بما يفوق ما اقترفه نظام بشار الأسد (وقد فعل) لو وُوجِهَ بنفس الثورة التي قاموا بها، إلاّ إذا كان الدكتور "اللبواني" يظن أن إسرائيل فرع لمنظمة الصليب الأحمر الدولي أو أطباء بلا حدود، لتقدّم خدماتها بالمجان للسوريين!

منذ خمس سنوات والسوريون يثبتون بأن مائة بالمائة من أوراق اللعب في بلدهم بيدهم هم، وليست بيد إسرائيل ولا أميركا ولا روسيا ولا إيران، وأنهم الوحيدون الذين يملكون قرار التغيير، وأن كل القصف والقتل والتدمير والموت لم يجبرهم على التراجع أو الاستسلام، ومن المؤكد أنهم يخافون على حيواتهم وعلى سلامتهم أكثر مما يخاف الدكتور "اللبواني" عليها، ولو أرادوا وقف القتل والعودة إلى العبودية لما احتاجوا مشقة السفر إلى إسرائيل، وإضافة ذل الخيانة لجحيم العبودية!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد