الرب الذي لا غضبة له

إن المتأمل في تطورات الأحداث يوما بعد يوم في بلدنا ليجد الفقير يزداد فقرا ولا يسمح له بتحسين أوضاعه إلا من خلال الفساد، ولو يممنا شطر التجارة لوجدناها لوبيات ينخرها الفساد والاحتكار نخرا، السجون في مصر الحبيبة تئن من كثرة المظلومين فيها

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/22 الساعة 01:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/22 الساعة 01:08 بتوقيت غرينتش

إن الرب الذي لا ينتصر لأوليائه رب عاجز، إن الإله الذي لا ينفع عباده إله زائف، إن المعبود الذي لا يغار ولا ينتقم ويجازي ويعاقب ويُخلص.. لرب أسطوري لا حقيقة لربوبيته.الكوارث الطبيعية التي حلت ببعض البلاد الإسلامية وشردت وأغرقت لم تفرق بين ظالم ومظلوم، وكابت ومكبوت.. هل من الممكن أن تكون غضباً من الرب؟

يستكثر بعض الناس أن تكون هذه عقوبات من الله نذيراً لمن ذكر، وعقوبة لمن أنكر، وبه وبنعمته جحد وكفر!
يستهجن بعض الناس الطرح التفسيري بأن هذا زجر من الله تعالى وتدمير للطغاة ومن شد على أيديهم!

أضمن لك أيها القارئ بأن من يقول بهذا القول لم يعرف رب الأرباب، ولم يقدره قدره، ولم يتأمل أسماءه وصفاته، ولم يلامس شغاف قلبه كتاب الله الذي سطر فيه ربنا قصص الأقوام السابقين، ولم يتدبر يوماً سورة الشعراء التي تقيم الأمم تلو الأمم وتبيدهم في صفحة واحدة بسبب الجحود والعصيان والكفر والنكران..

لماذا يغضب إله الكون علينا؟
إذا كثر الخبث في المجتمع نزل الهلاك.. كي يتذكر من تذكر وليحيى من حيى عن بينه، فليس هلاك أقوام نهاية العالم!

سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أيهلكنا الله وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث".

ما الخبث الموجود في بلادنا العربية؟ الصالحون المصلحون في السجون وتحت التعذيب منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، الخائنون لله ورسوله يرتعون بأعراض المسلمين في كل مكان وفي وضح النهار ولا نكير.. ألا يغضب الله؟!

قال شوقي:
صار الخصي إمام الآبقين بها ** فالحر مستعبَد والعبد مملوك

تأييد الدولة لقيام إسرائيل في الأمم المتحدة في خضم انتفاضة السكاكين، ألا يُغضب الله؟!
ما الخبث الموجود في بلادنا العربية كي يصير ما صار في السيول الأخيرة؟
يقع المنكر ولا منكِر له (كما ينبغي) إلا من رحم الله: قال الله تعالى: {.. كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (المائدة 79).
الفاسدون لهم امتيازات.. ألا يغضب لذلك ربنا؟!

الحر ينام بالجوع، ويورد المهالك ويهينه الأراذل.. أفلا يغضب الله؟!

أموال الناس تذهب باسم الضرائب، وغيرتهم تهدد بشتى القنوات والوسائل باسم الإعلام الحر، وعقولهم تدمر وبيوتهم تُخرب باسم الانفتاح.. حتى صار المواطن لا يسعه العيش إلا في قهر وذل.. أفلا يغضبُ الله يا عباد الله؟!

قولوا لي بربكم.. لماذا يهلك الله عاداً وثمود وقوم تبع، وينجينا؟ هل بيننا وبينه قرابة؟ أم اتخذنا عنده عهدا فلن يخلف الله عهده!
استهزأنا بتسونامي وتدميره لجزيرة بالي، وقلنا: أحسن، فهناك فواحش.. كيف حالنا نحن؟ فواحشنا أكثر لأن حجة الله قامت علينا أكثر.

لعل هذه الرسالة من الله نذارة كي يتذكر من تذكر وتعيها أذن واعية وتبصرها عين بصيرة، ولكن لا ضمان للقادم إلا بضمان الصلاح والإصلاح.. وما هي من الظالمين ببعيد.

إن المتأمل في تطورات الأحداث يوما بعد يوم في بلدنا ليجد الفقير يزداد فقرا ولا يسمح له بتحسين أوضاعه إلا من خلال الفساد، ولو يممنا شطر التجارة لوجدناها لوبيات ينخرها الفساد والاحتكار نخرا، السجون في مصر الحبيبة تئن من كثرة المظلومين فيها، البرلمان يعاني ما يعاني، الحقوق الاجتماعية مسلوبة، لا يستطيع الانسان التعبير عن رأيه الذي كفله له الدين والعرف السليم إلا ويغيب في غياهب السجون.

وعي كثير من الناس بات جلدا للذات الصالحة المصلحة بحجة أن عندها أخطاء.. ولا يبالي البعض في كون تلك الذات مظلومة. ويتغافل البعض عن انتقاد الظالم بحجة أن ذلك المظلوم قد تهور وخرج عن الألوف ولم يراع فقه المرحلة.

بمجرد ما أكرم الله الشعب بشيء من الحرية نسي العديد الرابطة المجتمعية واللحمة الوطنية وبات البلد بين أيديهم كعكة يريد الكل الاستئثار بالنصيب الأكبر منها.

و اليوم، يباع ماء البلد، ودماء الشعب، وأراضي الوطن، وسيادته، وجنوده وشيوخه وإعلامه وكل مقدراته حتى بات الاكثر فسادا وفقرا على مستوى العالم.
ثم نقول اللهم إذا أردت بقوم فتنة فنجِّنا غير خزايا ولا مفتونين!!

إخواني: إن سنة الله لا تحابي أحداً لا ملكاً مقرباً ولا نبيًّا مرسلاً، قال الله تعالى: "ولو تَقَوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين".

كان ذلك تهديدا من الله لرسوله ومصطفاه إن تَقوّل على الله ما لم يأذن به الله أن يصيبه بعذاب من عنده.. فكيف بمن هو دونه!
كل بلد إسلامي لا ينصر الله وأولياءه ويتعاون مع أعداء الأمة ضد مصالحها فسوف يأتيه يوم يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم، ولات حين مناص.

هل هذا الخطاب تنفيري؟

نعم.. هو تنفير من العصية وترغيب بالرجوع إلى منهج الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض والذي يُنتصر فيه للمظلوم ويؤخذ على يد الظالم ويتحد الجميع لإرجاع الحق لأهله ليحي الجميع بكرامة ويعود الناس إلى أوطانهم وبيتوهم ويدخلوا مصر آمنين.
و ختامًا، أسأل الله أن يهدي قلوبنا ويصحح مفاهيمنا ويقوّم وعينا إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد