عن التجاوزات الفردية

ليست انتهاكات حقوق الإنسان مجرد تجاوزات فردية للأجهزة الأمنية في مصر، بل هي نهج السلطوية في إدارة شؤون الحكم وطريقة إخضاعها للمواطن وسيطرتها على المجتمع.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/21 الساعة 02:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/21 الساعة 02:03 بتوقيت غرينتش

وبعد أن جرت العادة على إلصاق هوية "الإرهابيين" و"الإخوان المجرمين" و"الخارجين على القانون" و"المتآمرين" بضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الأجهزة الأمنية، انتقلت أبواق السلطوية المصرية إلى توصيف الانتهاكات المتراكمة كمجرد تجاوزات فردية لبعض العناصر العاملة في الأجهزة الأمنية لا ينبغي تعميمها أو تحميل الحكومة وزرها المجتمعي ومسؤوليتها السياسية.

هكذا صارت جرائم القتل خارج القانون، كقتل سائق الدرب الأحمر على يد أمين شرطة منذ أيام معدودة، ومن قبله تعذيب مواطن حتى الموت في قسمٍ للشرطة في مدينة الأقصر، وما بينهما من جرائم موثقة لتعذيب بعض من سلبت حريتهم وألقوا في أماكن الاحتجاز، ومن ممارسات عنف ضد أطباء أثناء تأدية مهام عملهم، تجاوزات فردية.

هكذا صارت المعاملة غير الإنسانية لبعض المسلوبة حريتهم من المصريات والمصريين، وصار أيضاً حرمانهم من زيارة ذويهم أو من الدواء والكساء الضرورين لإعاشتهم أو من الزاد العقلي والروحي كالكتب والصحف والاختلاط مع غيرهم من القابعين وراء الأسوار، ليس سوى تجاوزات فردية. تتدهور الحالة الصحية للصحفي المحترم الصديق هشام جعفر، الذي يُمدَّد حبسه الاحتياطي دوريًّا ويواجه ذووه صعوبات في إيصال الدواء إليه، ويعاقب الدكتور أحمد سعيد (سجين قضية ذكرى محمد محمود) بمنع زيارة ذويه 45 يومًا ووضعه في زنزانة تأديب انفرادي، ويتواصل حبس الدكتور طاهر مختار عضو لجنة الحريات بنقابة الأطباء؛ وجميع ذلك لا يعدو أن يكون تجاوزات فردية.

هكذا صارت أبواق السلطوية التي بررت من قبل لجرائم القتل خارج القانون وللتعذيب ولسلب الحرية.. "كدفاع مشروع عن الدولة والأمن القومي"، وتورطت مع الأجهزة الأمنية في حجب الحقائق والمعلومات المتعلقة بالضحايا بل وتشويههم بإلصاق هويات إجرامية زائفة بهم، صارت تعترف اليوم بحدوث بعض الانتهاكات وتتمسك بتوصيفها كتجاوزات فردية يريد "المتربصون بالوطن" توظيفها لإثارة الناس ونشر الفوضى والخراب.

أما تجاوز توصيف الانتهاكات كتجاوزات فردية لبعض عناصر الأجهزة الأمنية باتجاه طرح الأسئلة الضرورية المرتبطة بالظلم والقمع ومقتضيات إصلاح الأجهزة الأمنية، فلا مكان له في عالم أبواق السلطوية. تغيب الأسئلة عن حدود التمييز بين الفردي والجماعي حين يتكرر القتل خارج القانون والتعذيب المفضي إلى الموت في أكثر من موقع على امتداد خريطة الوطن، وعن حدود تحمل الحكومة للوزر المجتمعي والمسؤولية السياسية لتراكم الانتهاكات والمظالم؛ بسبب إطلاقها لليد القمعية للأمن على المواطن والمجتمع وامتناعها عن إصلاح الأجهزة الأمنية على نحو يلزمها بسيادة القانون وضمانات حقوق وحريات المواطن، وعن خطوط مساءلة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والمتورطين فيها دون تمييز متعلق بمنصب أو بشبكات نفوذ.

ليست انتهاكات حقوق الإنسان مجرد تجاوزات فردية للأجهزة الأمنية في مصر، بل هي نهج السلطوية في إدارة شؤون الحكم وطريقة إخضاعها للمواطن وسيطرتها على المجتمع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد