كان توماس إديسون مخترعا ورجل أعمال أمريكي، لديه ما لا يقل عن ألف براءة اختراع باسمه ما جعله واحدًا من أغزر البشر إنتاجا. عمل أديسون من بين ما عمل على تطوير نظام توليد وتوزيع للطاقة الكهربائية على نطاق واسع فقد كان يحلم بإنشاء محطّات توليد عملاقة تمدّ المصانع والهيئات الحكومية والبيوت وخلافه بالكهرباء.
من أجل ذلك بالذات، افتتح شركة باسمه وأنشأ محطّة بشارع اللؤلؤة بنيويورك سيتي وأسماها "محطة شارع اللؤلؤة" كما يتفق لي ترجمة الاسم عن الإنجليزية "Pearl Street Station". كانت المحطة توفر نوعا من التيّار الكهربائي اسمه التيار المباشر وكان مشروع أديسون يتطور بخطى مسرعة بفضل جهود مهندس كهرباء ومخترع ومهندس ميكانيكا وفيزيائي عبقري اسمه "نيقولا تسلا" الذي سيلقّب بعد ذلك بقديس الكهرباء الحديثة عن جدارة واستحقاق.
وكعادة رجال الأعمال، سيقوم أديسون لاحقا بالامتناع عن أداء بعض مستحقات تسلا المالية وسيقوم تسلا بناءً على ذلك بترك العمل بشركة أديسون ليطوّر هو نفسه، لصالحه هذه المرة، نظاما بديلا للطاقة الكهربائية يستخدم فيه التيار المتناوب عوضا عن تيار أديسون المباشر وبمساعدة محرّك أخترعه تسلا بيديه.
حصل "تسلا" على براءة اختراع على المحرّك وتم ترخيصه لصالح "جورج وستينجهاوس" الذي عيّن تسلا كاستشاري في شركته الخاصة ومن هنا بدأت حرب شعواء بين فريق التيار المتناوب (تسلا-وستينجهاوس) وفريق التيار المستمر (أديسون) واستمرت لسنوات.
توفيرا للوقت الذي يمكن أن أبذله في شرح الفرق بين التيارين من حيث شدّة التيار وفرق الجهد، من ممكن أن أختزل مشكلة التيار المباشر في أنه يمكن توزيعه/توصيله بشكل فعّال وتكلفة واقعية لمسافة قصيرة على عكس التيار المتناوب الذي يمكن أن يصل إلى مسافات أبعد بشكل أكثر كفاءة.
مرة أخرى، كرجل أعمال أصيل، عندما سيشعر أديسون بتهديد مصالحه المالية، سيخوض حملة إعلامية واسعة هدفها إقناع العامة أن تيار تسلا المتناوب سيأتي على أخضرهم ويابسهم وأن مخاطره أكبر بكثير من التيار المباشر المسالم الحنون الذي توفره شركته. وكجزء من الحملة الإعلامية، سيشترك أديسون في تطوير "كرسي الإعدام الكهربائي" باستخدام التيار المتناوب لإثبات وجهة نظره، هذا إلى جانب بعض العروض الترويجية المسلية التي كان يقوم فيها موظّفي أديسون بقتل بعض الحيوانات الضالة باستخدام التيار المتناوب في الشوارع لتعزيز موقفه بالتجربة العملية.
كل هذا هو بمثابة مقدمة للموضوع الحقيقي والحكاية الجديرة بأن تكتب وتُذّكَر.
وجدت في زمن الحكاية الأولى، أنثى فيل تدعى "توبسي". كانت توبسي تعمل بالسيرك وكان لها مدرب مصاب بشتى أنواع الخلل النفسي ما جعله يقدم على تعذيب المسكينة مرارا حتى حاول إجبارها يوما على ابتلاع سيجارة مشتعلة، فما كان من "توبسي" إلا أن ركلته كما اتفق لها أن تركله ولم تتوقف إلا والرجل جسد بلا روح. أرسلت "توبسي" إلى "لونا بارك" بعد أن خلّف التعذيب في نفسها عداوة للبشر بشكل عام فقتلت اثنين آخرين من العاملين بالحديقة حتى تقرر إعدامها.
جعل القائمون على أمرها يفكرون في الطريقة المثلى للإعدام فاقترحوا الشنق ثم تراجعوا بدعوى عدم آدميته كعقوبة هجرتها الدولة نفسها. ماذا تفعل الدولة بمذنبيها على أيه حال؟ تُميتُهم صعقا بالكهرباء! إذن، قضي الأمر، ستصعق توبسي حتى الموت.
هنا تتقاطع الحكاية الأولى مع الثانية، فمن أجدر بتلك المهمة من المجنون الذي كان يجوب موظفيه الشوارع يصعقون الحيوانات كجزء من عروض ترفيهية دورية للنيل من منافسيه؟ أبلغ القائمون على "لونا بارك" أديسون برغبتهم ولم يتردد الرجل في قبول العرض كما هو متوقع.
استأجر أديسون للحدث طاقما للتصوير وكأنه مقدم على إخراج فيلم سينمائي، وأعلن أن "توبسي" ستعدم باستخدام التيار المتناوب الذي توفره شركة وستينجهاوس والذي طوّره تسلا. وزيادة في التأكيد على إخراج المشهد النهائي كما سيخرج، تم إطعام "توبسى" حوالي نصف كيلو "سيانيد" تم دهانه على الجَزَرات القليلة التي التهتمها المسكينة قبل أن تلقى حتفها.
وعند اللحظة المحددة، وقف ألف وخمسمائة متفرّج من البلهاء الساديين ليروا "توبسى" للمرة الأخيرة بينما يمرّ حوالي 6600 فولت خلال جسدها لتسقط قتيلة في ثلاث ثوان لا غير.
انتهت قصة "توبسي" هنا ولم يأت على ذكرها أحد كما لم يأت أحد على ذكر أديسون كرجل أعمال محتال أو كإنسان مقيت ومجرّد من الحسّ الإنساني. العزاء الوحيد هنا هو أن التيار المتناوب، في نهاية المطاف، حلّ محل التيار الثابت، وأن "لونا بارك" التي شهدت إعدام "توبسي" اشتعلت بها النيران ثلاث مرات بعد الواقعة دون أن يتم فتحها مرة أخرى بعد الحريق الأخير.
في الفيديو: آخر ثلاث ثوانى فى حياة "توبسى".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.