لماذا نجحت ثورة يناير وفشلت الثورة على الانقلاب؟

لهذه الأسباب ولغيرها نجحت ثورة يناير ولم تنجح الثورة الحالية على الانقلاب. غير أنه لا بد أن نؤكد هنا أننا لا نتحدث عن فشل الثورة على الانقلاب فشلا نهائيا ولكننا نتحدث عن فشلها إلى الآن، لأنها ثورة ما زالت قائمة، ولا ندري ما هو القادم لها في قابل الأيام، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمورا تغير الحا

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/11 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/11 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

نجحت الثورة في يناير في خلع نظام مبارك في ثمانية عشر يوما، ولم تنجح الثورة الحالية في كسر انقلاب العسكر على التجربة الديمقراطية وقد قاربت الثلاثة أعوام. ثورتان قريبتان في زمنيهما إلى حد الزمن الواحد، وكلتاهما قامتا على نظام واحد، والعجيب أنه مع ذلك التماثل بين الثورتين نجحت الأولى وفشلت الثانية. وإذا شئنا الدقة قلنا : نجحت الأولى في ظاهرها، وفشلت الثانية إلى الآن.

هما من وجهة نظر أعمق ثورة واحدة بجولتين أولى وثانية. وقد كان لزاما أن تأتي هذه الجولة الثانية من الثورة بعد جولتها الأولى، لأن الأولى كان نجاحها في الحقيقة مقصورا على خلع رأس النظام، أو -في الحقيقة أكثر- كان نجاحها مقصورا على خلع رأس رأس النظام. فقد كان النظام برأس عسكري، على هذا الرأس يقبع مبارك وزمرته، فخلعت الثورة مبارك وزمرته كرأس للرأس وبقي الرأس العسكري الحاكم كما هو.

ظروف مختلفة ساعدت على تغير النتيجة بين الأولى والثانية، نجملها في هذه السطور.

1-الأولى ثورة شعبية والثانية ثورة إخوانية

ثورة يناير كانت ثورة شعبية شارك فيها كل الطيف الوطني المصري تقريبا، في حين أن الثورة الحالية على الانقلاب هي ثورة إخوانية أو إسلامية على أوسع تقدير.
في الثورة الأولى خرج الليبرالي واليساري والإسلامي والقومي والوطني والمسيحي، فكان من الصعب أن تقف الدولة أمام كل أطياف الشعب.
صحيح أن السواد الأكبر لثورة يناير كان لجماعة الإخوان المسلمين وأفرادها وأنصارها، إلا أن أطياف المجتمع المصري كلها كانت ممثلة في هذه الثورة بنسب، فساعد ذلك على انهيار الدولة أمام الثورة، وساعد أكثر على تقبل العالم كله للثورة وتمريره لها.
أما عن الثورة القائمة على الانقلاب العسكري، فهي ثورة بوجه إخواني إسلامي واضح، فلا يتخيل أحد أن يمررها العالم بسهولة، ولا أن يمررها عملاؤه في الداخل إلا بكلفة باهظة.

2- المباغتة في الأولى والتوقع والتخطيط لمواجهة الثانية.

ثورة يناير كانت ثورة مباغتة، لم يكن يتوقعها أحد، لا من الثوار ولا من النظام. صحيح أن ثورة تونس كانت قبلها وأعطت انطباعا عاما بتخيل اشتعال ثورات مثيلة في باقي البلاد العربية، إلا أن هذا التخيل كان يتحطم على واقع أمني صلد لهذه البلدان ومنها مصر، وكان الأقرب إلى يقين الناس أن ما حدث في تونس هو معجزة لن تتحقق ثانية إلا بإعجاز أكبر.

أذكر جيدا أن كثيرا ممن خرجوا في يناير، وإلى يوم الجمعة 28 يناير/كانون الثاني كانوا في خروجهم ينادون بإصلاح الأوضاع لا بسقوط النظام، ثم كانت الصرخة التي دوت بعد ذلك على غير ترتيب من الأكثرين "الشعب يريد إسقاط النظام".
أما الثورة الحالية على انقلاب العسكر، فهي ثورة أعدوا لمواجهتها ودحرها من قبلها بكثير، ونستطيع أن نقول إنه قد بدأ التخطيط لمواجهتها منذ أول يوم من بعد نجاح ثورة يناير، فقد بدأ حينها التخطيط من الداخل والخارج للانقلاب على نتائج الثورة، وكان من المعروف أن حراكا شعبيا سيحدث لرفض هذا الانقلاب، وبدأ التخطيط من حينها لوأده، فكان اللعب على تشتيت الثوار وضربهم ببعضهم، وكان اللعب على شيطنة الإخوان، وكان اللعب على الشحن الإعلامي للمناداة بتدخل الجيش فيما بعد.

3- تهيّب أجهزة الأمن في الأولى وتغولها في الثانية

من أهم أسباب نجاح ثورة يناير انهيار قوات الشرطة مبكرا، ولا ندري إلى الآن من صاحب هذا القرار ولماذا اتخذه، ولعله ظن أن انسحاب قوات الداخلية من الشارع سيقلل من غضبة الثوار ومواجهاتهم، أو ظن أن ذلك سينشر أعمال السلب والبلطجة مما سيؤجج غضب الناس على الأحداث كلها برمتها، ومن الممكن أن تحدث حينها مواجهة مجتمعية، تكون سببا في نهاية الحدث الثوري إلى ما يريده النظام.
غير أن الرياح أتت على غير ما يشتهي أرباب السفينة، فكان انهيار الداخلية أكبر الأسباب التي ساعدت على نجاح الثورة.
أما في هذه الثورة المناهضة للانقلاب، فقد تعلمت الأجهزة الأمنية من أخطائها السابقة، فما انهارت وما تراجعت، بل ضربت بيد من حديد، وساعدها على ذلك ضوء أخضر أخذته من الداخل والخارج للقتل والسفك، فصنعت ملحمة قمعية لم يسبق لها مثيل في التاريخ المصري، استطاعت إلى حد كبير إخماد صوت الشارع، وإن لم تستطع إلى الآن إسكاته إسكاته نهائيا.

4- الظرف الإقليمي والعالمي

"العالم كله أصبح دولة واحدة".. كلمة فيها قدر كبير من المصداقية. لم يعد الشأن الداخلي لأي دولة في العالم بمعزل عن محيطها الإقليمي القريب ولا عن محيطها العالمي الأبعد.
القوى الكبرى في العالم أضحت لاعبا رئيسيا في كافة القضايا العالمية، ولها أذرعها في كل البلدان تقريبا. كما أن كل الدول في عالمنا الجديد أصبحت تسعى للتأثير في الوضع الداخلي للدول المجاورة لها من باب الأمن الإستراتيجي.

عجز المحيط الإقليمي عن التأثير في ما يحدث في مصر في ثورة يناير ومواجهته. لكنه في الثورة على الانقلاب العسكري كان أكثر وجودا وأعظم تأثيرا، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن المحيط العربي والخليجي بالخصوص قد شارك في التخطيط للانقلاب العسكري وتمويله ودعمه.

كما أن المحيط العالمي الأوسع، الذي لم يستطع أن يقف في وجه ثورة يناير لطبيعتها الشعبية ولظرفها الاستثنائي، قد وقف في صف الانقلاب منذ بدايته، ولم يأت منه غير ذلك إلا في النادر مما يذر به بعض الرماد في العيون.
وتزامنت الحرب العالمية على الإرهاب، التي توافق عليها المحيط الإقليمي والعالمي، مع الثورة على الانقلاب العسكري، فساعد ذلك بقوة على غض الطرف العالمي عن الحالة المصرية، بل والترحيب بما آلت إليه الأمور وتدعيمها من أجل أن يكون النظام العسكري الموجود شريكا أساسيا في هذه الحرب الحقيقية أو المزعومة.

5- الظهير الشعبي الداعم للدولة.. الصامت في الأولى والصارخ بقوة في الثانية

في ثورة الخامس والعشرين من يناير كان الكثيرون من أبناء الشعب المصري غير راضين عن الثورة ورافضين لها، حتى أننا نستطيع أن نقول إن أغلبية الشعب المصري كانوا على هذه الشاكلة، غير أنها كانت الأغلبية الصامتة، التي لم يتجاوز الرفض عندها أكثر من الرفض القلبي أو العقلي لما يحدث تخوفا من القادم وجهلا له، وركونا واستكانة للوضع القائم سيرا على القاعدة الشعبية "الذي تعرفه خير من الذي لا تعرفه".

والذين خرجوا في ميدان مصطفى محمود لدعم النظام ضد ثورة التحرير كانوا أفرادا يعدون بالعشرات.
أما في الثورة على الانقلاب فقد كان ظاهرا من البداية أن هناك دعما شعبيا كبيرا للانقلاب، دعما شعبيا صارخا غير صامت.

تحرك هذا الدعم الشعبي بجموع المتظاهرين في الثلاثين من يونيو/حزيران، وكانت جموعا كبيرة، حتى وإن كانت مدفوعة بالأجر أو بالتآمر أو بتدبير أجهزة الدولة.

ويظل هذا التأييد الشعبي الكبير لسياسات دولة الانقلاب واتجاهاتها، حتى وإن كان يقل يوما بعد يوم، إلا أنه ما زال إلى الآن تأييدا شعبيا كبيرا ينفخ فيه إعلام موجه وقضاء مسيّس وأجهزة دولة على قلب واحد من أجل الإجهاز على الثورة ووأدها.

لهذه الأسباب ولغيرها نجحت ثورة يناير ولم تنجح الثورة الحالية على الانقلاب. غير أنه لا بد أن نؤكد هنا أننا لا نتحدث عن فشل الثورة على الانقلاب فشلا نهائيا ولكننا نتحدث عن فشلها إلى الآن، لأنها ثورة ما زالت قائمة، ولا ندري ما هو القادم لها في قابل الأيام، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمورا تغير الحال.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد